(أشُمّ فيك صلاح الدين يا أملًا .. يمتد من حاء حطين إلى النونِ)
انتصرت الحبشة الجديدة (تُركيا)؛ وسيبقى إحسان وتواضع وعظمة أردوغان ويقينُ بن علي يلدرم وذكاء أحمد داوود أوغلو ولطافة عبدالله غول، وسقطت دسائس ابن سلول، وعادت وفودُ قُريش ورشاويها ودسائسها خاسرة ذليلة من حيث أتت!
(اذهبوا إلى الحبشة فإن فيها ملكًا لا يُظلم عنده أحدًا )، لم ينظُر سيدي -صلّى الله عليه وسلم- إلى طبيعة نِظام الحُكم في الحبشة، فلم يكونوا أصلًا مُسلمين! بل إن الغايةَ كُلهَا من ثناء النبي -صلّى الله عليه وسلم- على ملك الحبشة؛ هو أن المسلمين سيكونون آمنين فيها على أنفسهم -نفقِدُ هذه الخُلق في بعض الدول الإسلامية- التي هي إسلامية، ولهذا لا يحق -والله- لأحد أن ينتقد تُركيا أو قطر، لأنهما بمثابة البلاد الآمنة للأحرار الهاربين من بطش حكامهم وظلم حكوماتهم!
ففي الزمن الزائف المُحاصر بالأنا؛ انتصرت فيه لعبة السياسية على الإنسانية، والظُلم على الرِفق، في زمن تتشتَتُ فيه دعوة نبينا هذه: (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ)! حتى تبعثرت وانقرضت! بل وقامت أيضًا سرادِقُ العزاءِ على الضمائر العربية!
(ما للعروبة تبدو مثل أرملةِِِ .. أليس في كُتب التاريخ أفراحُ..)؟!
فضلًا عن كوكتيل العصير المُختلط بالدم وملوحة القهْر وخيبة الرْفق، كُل هذا وبعده! يُصر خليفة العُثمانيين (أردوغان) على الخروج بمواقف تُثبت الدور الإسلامي والتاريخي العريق في الغيرة على إرث الدين واسترجاع مجد عُمر وشهامة سُليمان شاه وروحانية ابن العربي وقونية جلال الدين الرومي وإبتهالاته، وقوة سُليمان القانوني، هذه المواقف تفضح تراجع العرب وجمودهم تجاه الإنسانية وتُعرّي تقصيرهم تُجاه بعضهم!
فأقول للمتذمرين كفى سذاجة وضحالة فكر، يكفي أنكم شعرتُم بالخيبة عند فوزه.. كخيبة ذلك السجين الذي سمحوا له بالزيارة مرة واحدة في السنة، ولم يأتِ أحد!
أما عن ليلة فوزه فإنها كانت ليلة الاثنين، ليلة السعادة، أذكُر حينها أنني جلست على سطح بيتنا لأصعد بعدها على سحابة كي أقطف من مداد الدُعاء للرجُل الذي وقف بجوار غزة ولم يخذُلنا، كانت هذه الليلة بالنسبة لي؛ كأمسية رمضانية مقدسية، حينما قطعَ مُحبيها عشراتِ الأميال وعشراتِ حواجز الاحتلال؛ كي يُشاهدوها!
رأينا بكاء (أردوغان) على الشهيدة (أسماء البلتاجي) -رحمها الله-، وكأنه يفتحُ كفيه رشوة للريح حتى تجف دموع المظلومين والمستضعفين!
فقد قال صديقٌ لي -وهو طالب في تُركيا-:
بروفسور تُركي ومن أحد أكبر الأكادميين قال له: (فُزنا بدُعاء الفلسطينيين والشعوب المظلومة)!
نعم؛ نفرح بفوز حزبِ العدالة والتمنية، فوزُ خليفة الدولة العُثمانية، فلقد فرح الصحابة بنصر الروم على الفُرس؛ لكون الروم أهل كتاب والفُرس وثنيين عُباداً للنار.. فكيف (وأرودغان) -عليه سحائب الحُب- مُسلم وخصومه مِن العلمانيين المُحاربين للإسلام، الساعين لقمعه وبعثرة وجوده!
كُنت كُلما أسمع خبر إنساني وعمل وجداني لمنظمة ال TIKAالتُركية في بنغلادش أو الصومال أو في أي مكان مُهمّش من الخارطة السياسية؛ يُرفرِفُ قلبي كحمامة مُندفعة نحو المئذنة من سعادتي بهم! لأنهم أخرجوا المساكين من عَتمةِ الإهمال إلى عتباتِ الإهتمام!
فهذه الشعوب التي تحملت اضطهادات الدكتاتورية مُتعبة! بالضبط.. كفأس عجوز لِحطّاب هرِم، لم يعد يملك القوة لحملها ولم تعُد تملك الحدة لتقطع الجذوع!
فبحمد الله وكرمه؛ فاز المصلحون الذي لم يطردوا اللاجئين السوريين وغيرهم، الذين مدوا قلوبهم قبل أيديهم للغريب قبل القريب، فاز الحق وخسر الباطل، علينا إذًا أن نُدرك لحظات العزة المُحاطة بجمال الإنسانية والتي تتشكل على هيئة (أردوغان)، قبل خروجها من الجُغرافيا ودخولها في التاريخ، أنت عندما تٌشاهد لقاءات (أردوغان) فإنك تٌشاهد زوجته (أمينة جولبران أردوغان) معه في كُل مكان، هذه الإنسانة التي هي إنسان قبل أن تكون بشر، هي كمريم في العِفة، وكزُليخة في الحُب، وكآسيا في الثبات، وكأم موسى في التضحية، ساعدت آلاف المساكين في سوريا وحتى أطفال غزة المُصابين، فقد كانت تواسي مُستضعفي بورما وكأنها لهم خديجّةُ الطُمأنينة وفاطمية الرقْة وزينب الصبر!
إن أكثرَ دول العالم على المذهب الحنفي هي تُركيا، لأن الخلافة العُثمانية اعتمدت هذا المذهب في القضاء والتشريع بشكِل عام، نحن عندما نُثني على المرأة، فإن الأحق بالثناء بعد الصحابيات الجليلات، (مروة صفاء قاوقجي)، هي أول من دخلت بالحجاب للبرلمان التُركي عام 1999م، حيث رفض الرئيس العلماني حينذاك (سليمان ديمريل) دخولها البرلمان بحجابها، مما أدى هذا لأزمةِ سياسية كٌبرى في ولاياتٍ تُركيةٍ عديدة، وقد سقطت الجنسية التُركية من مروة على إثرها، وطُردت إلى أن هاجرت!
لله درُك يا أنثى يُسرُ بها .. تتحدى بطش أتراكِ
وقد قامت بتأليف كتاب أسمته (ديمقراطية بلا حجاب)، وهي أول نائبةٍ مُحجبةٍ في تركيا، وكانت تضطر في كُل تنقلاتها وتحركاتها إلى اصطحاب أختها (روضة قاوقجي) العضو في البرلمان التركي، ثم أتى الرجلُ الذي انطلق من خلفية اسلامية وطبق مفاهيم الإسلام دون أن يُجبر أحد على الدخول فيه، ليستطيع أن يُقنع شعبه بالعمل وليس بالهتافات الفارغة.
بين الثرا والثُريا:
ويمكن لنا أن نعقد مقارنةً بسيطة بين العراق وتركيا، فكلاهما -المالكي وأردوغان- حكم دورتين انتخابيتين (٨ سنوات).
فالأول: جيش الجيوش واستنفر المليشيات في الأنبار وبغداد وديالى، وتجاوز عدد ضحاياه الآلاف بين شهيد وجريح ومهجّرٍ ويتيم وأرملة ومعاق، كل ذلك ليحظى بدعم من يمثلهم، مقابل إستحضار تاريخ قبل أكثر من ألف سنة ليصف به خصومه السنة بأنهم أحفاد (يزيد)، لينتهج سياسة تفريغ العراق وتشتيت أهله إلى أن وصل الحال في كُل يوم أن تسمع عن إنفجار لا يخلو من شُهداء!
أما عن الثاني: فقد رفع دخل المواطن التركي ثلاث أضعاف، حيث زار تُركيا أكثر من ٣١ مليون سائح، ويطمح خلال الأعوام القادمة أن تكون أعداد السائحين 50 مليون سائح، انتهج سياسة المصالحة ونشر الألفة مع جميع شرائح المجتمع، صنع الطائرة والزنانة -بالمصطلح الغزّي- والدبابة والقمر الصناعي، نقل تركيا من الترتيب 111 إلى الترتيب 16 على العالم في القوة الإقتصادية، يطمح لتفريغ 300 ألف عالم للبحث العلمي في عام 2023! فهل مثل هذا يخسر؟!
شاهدوا إن أردتم برنامج الشيخ علي العُمري (مذكرات سائح