قسم الدراسات - آية شمعة - المركز الفلسطيني للإعلام +-
أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس حراكاً شعبياً في معظم الدول العربية والغربية على حد سواء، تصدرتها دول المغرب العربي، والتي لعبت أدواراً منفردة ومهمة، كل دولة طبقًا لسياساتها وأهدافها، دون أن يخرج هذا الدور عن الإطار الوطني القومي الذي اتسم بالتأييد التام للشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة مع المطالبة الحثيثة بضرورة حل القضية الفلسطينية طبقًا لمقررات الشرعية الدولية، والتراجع الفوري عن القرار الأمريكي، كما وشهدت العلاقات الثنائية العديد من التحركات لدعمها وتطويرها.
وفى هذا المجال لا بد لنا أن نسلم ونقر بوجود بعض التباينات الطبيعية في مدى ترجمة تأييد القضية الفلسطينية إلى واقع على الأرض؛ حيث لم تكن دول المغرب العربي على وتيرة واحدة في هذا الشأن، إلا أنه من الواجب علينا أن نؤكد مرة أخرى على أنه رغم هذه التباينات توافقت هذه الدول كافة على التبني الكامل للحقوق الفلسطينية المشروعة.
* الجزائـــر:
ترتبط الجزائر بالقضية الفلسطينية منذ عقود كثيرة إلى أن تعززت تلك المكانة بشكل واضح وتأكدت أكثر بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في صيف 2014، الذي ما لبث أن حول القضية الفلسطينية لدى الجزائريين إلى قضية الأمة المحورية دون منازع، وأعادها إلى الواجهة بقوة، ليعكس بصفة واضحة لا تدع مجالاً للشك أن القضية الفلسطينية راسخة ومتجذرة في الوجدان الجزائري، وتعدّ من أكبر اهتماماته.
فقد فنّدت طبيعة علاقة التضامن الشعبي ما بين الجزائر وفلسطين، كل الفرضيات القائلة بتراجع القضية الفلسطينية لدى الشعوب العربية وتهميشها، تاركة مكانها لقضايا أخرى، من خلال مساهماتها في جمع التبرعات لإعادة إعمار غزة، وبناء المستشفيات والمساجد، ومشاركتها الفعالة في قوافل الحرية بشكل مستمر، ودعمها الواضح للمقاومة في غزة التي تهتف باسمها في كل مناسبة، فخلافًا لما هو شائع حول الشكوك والتساؤلات بشأن حماس وشرعيتها واتهام المقاومة بـ"الإرهاب"، فهم عند جميع الجزائريين دون استثناء، مناضلون ومجاهدون شرعيون يدافعون عن أرضهم ضد عدو محتل.
وما تزال القضية الفلسطينية محور اهتمام الشعب الجزائري إلى اليوم أمام ما تتعرض له القدس من تدنيس، حيث ترتفع أصوات العديد من الناشطين الشباب، من أجل تنظيم مظاهرات تدعو إلى التحرك السريع لحماية الأقصى والقدس من التهويد، وإبقاء القضية الفلسطينية قضيتهم الرئيسة.
مسيرة في الجزائر ضد إعلان ترمب
على المستوى الرسمي، قالت الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم، في بيان لها: إن "القرار" بمنزلة إعلان حرب مباشرة وصريحة ضد فلسطين وكل الأمة العربية والإسلامية، وإضفاء للشرعية على عملية احتلال القدس في ذكراها الخمسين.
وقال رئيس حزب تجمع أمل الجزائر عمار غول: إن "قرار" الرئيس الأميركي يعد استفزازاً وابتزازاً للتاريخ والعقل والدين والإنسانية، ووصف إعلان ترمب بأنه عدوان صارخ على فلسطين اليتيمة في زمن انقسام الصف الداخلي، وفي ظل غفلة وتخلي الأشقاء.
وكانت الخارجية الجزائرية قد أصدرت في وقت سابق بياناً دانت فيه القرار الأميركي ووصفته بالخطير، وعدّته "انتهاكاً صارخاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة والشرعية الدولية".
وعدّ بيان الخارجية أن الإعلان يشكل تهديداً خطيراً للسلم والأمن والاستقرار في المنطقة، وشكك في إمكانية إعادة إطلاق عملية السلام بعد مدّة طويلة جداً من الجمود قبل التحرك عربياً وإسلامياً وعالمياً للتصدي لهذا الإعلان بشكل عاجل.
* المغـــرب:
ترتبط المغرب بعلاقة تاريخية قديمة جداً مع فلسطين؛ حيث كان لها دور مهم في دعم وإسناد قضية فلسطين، ولا يمكن التنازل عنها، ولها حق في تقرير مصيرها وإقامة الدولة على ترابها الوطني، ودعم الاستقلال وحقها الثابت في مواجهة الاحتلال.
وعقب إعلان ترمب تتواصل الفعاليات المنددة به، وكانت أكبر هذه الفعاليات، المظاهرة التي شهدتها مدينة الرباط؛ حيث تظاهر عشرات الآلاف من مواطني المغرب، وحمل المتظاهرون في مسيرة مليونيه شعار "من أجل القدس.. مع المقاومة"، صورًا للمسجد الأقصى ولافتات كتب عليها "القدس لنا" و"باب المغاربة يناديكم" و"فلسطين قلب الأمة"، ورددوا شعارات منددة بإعلان ترامب وداعية الدول العربية والإسلامية إلى الرد بقوة على "القرار الطائش".
وفي جمعة الغضب، التي تلت صدور القرار، خرج آلاف المغاربة في ما يزيد عن سبعين مظاهرة احتجاجية تلبية لنداء الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، ونظمت نحو خمسين وقفة احتجاجية أمام المساجد بعد صلاة الجمعة، كما نُظمت وقفة أمام القنصلية الأمريكية التي شهدت مشاركة مكثفة للمواطنين للتنديد بالإعلان.
مسيرة في المغرب ضد إعلان ترمب
على المستوى الرسمي؛ شدد الملك المغربي في رسالته إلى الشعب الفلسطيني على محورية قضية القدس ورفض كل مساس بمركزها القانوني والسياسي وضرورة احترام رمزيتها الدينية والحفاظ على هويتها الحضارية العريقة، وأشار إلى المساعي والاتصالات المكثفة التي تقوم بها بلده منذ تواتر الأخبار حول نية الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل"، ونقل سفارتها إلى المدينة المقدسة.
وطالب وزير الخارجية المغربي ممثلي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بأن تضطلع بمسؤولياتها كاملة للحفاظ على الوضع القانوني والسياسي للقدس وتفادي كل ما من شأنه تأجيج الصراعات والمس بالاستقرار في المنطقة، وجدد دعم المملكة المغربية الثابت وتضامنها المطلق مع الشعب الفلسطيني، ووقوفها إلى جانبه لنيل حقوقه المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها "القدس الشرقية"، كما أكد حرص دولته على المتابعة الدقيقة لتطورات الوضع.
* تــونس:
تعددت مظاهر دعم التونسيين للقضية الفلسطينية ومساندتهم للشعب الفلسطيني، وكان ذلك نتيجة لتنامي الوعي السياسي المحلّي ومزيد اهتمام الرأي العام الوطني بالقضايا الدولية والعربية، واقتناعه بعمق تأثيرها في المسألة الوطنية ذاتها. بل لربما راهن الوطنيون التونسيون والشبيبة المثقفة على جعل المسألة بمنزلة الدربة لتوعية الناشئة، وكان هذا الدعم غير مشروط سياسياً، فقد كان تحت شعار عدم التدخل في الشؤون الفلسطينية واحترام اختياراتهم، والاكتفاء بالمعاضدة والمؤازرة مادياً ومعنوياً.
والشعب التونسي من أوائل الشعوب التي خرجت تنديدًا بإعلان ترمب؛ فعقب انتهاء الخطاب خرج الشباب إلى قلب العاصمة تونس على مستوى شارع الحبيب بورقيبة، هاتفين بأعلى أصواتهم: "لا بد أن ينتهي هذا الألم، لا بد أن يزول هذا الظلام".
ومن تلك الليلة إلى اليوم، تتواصل فعاليات التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية والقدس الشريف في مختلف مدن وقرى تونس، حيث تشهد البلاد يوميًّا وقفات احتجاجية ومظاهرات في العديد من المناطق تنديدًا بإعلان ترمب.
مسيرة في تونس ضد إعلان ترمب
على المستوى الرسمي؛ أعلنت الحكومة التونسية ومنظمة نقابية كبرى عن رفضها لإعلان ترمب، وذكر بيان لوزارة الخارجية التونسية أن "تونس تعبر عن عميق انشغالها إثر إعلان الإدارة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل واعتزامها نقل سفارتها إليها".
وأكد بيان الخارجية التونسية أن: هذا القرار يهدد جدياً بتقويض أسس عملية السلام وجهود استئناف مفاوضات السلام، ويدفع بالمنطقة نحو مزيد من التوتّر وعدم الاستقرار، فضلاً عمّا يمثله من استفزاز لمشاعر الأمة العربية والإسلامية باعتبار رمزية القدس ومكانتها في المنطقة والعالم.
وجددت الخارجية التونسية تأكيد "موقف تونس المبدئي الثابت الداعم القضية الفلسطينية العادلة والمساند لها، حيث تهيب تونس بجميع أطراف المجموعة الدولية الامتناع عن اتخاذ أي خطوات أو إجراءات من شأنها أن تمثل اعترافاً علنياً أو ضمنياً بضم إسرائيل للقدس التي تعدّ جزءً لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967".
* ليبيـــا:
أخذت القضية الفلسطينية نصيب الأسد من الدعم المادي والمعنوي الليبي الخارجي وليبيا تفردت في تعاملها من كل الدول العربية؛ لأنها وضعت قضية فلسطين قضيتها الأولى ودافعت عنها، وفي سبيلها تجرعت كثيراً من كؤوس المؤامرات الغربية ضدها، ونسبة للدعم الواضح والظاهر للقضية الفلسطينية فقد صنف الغرب وأمريكا ليبيا دولة راعية لـ"الإرهاب" ليس لأي شيء آخر سوى دعمها لقضية فلسطين ودعمها المقاومة الفلسطينية.
وسيّرت ليبيا قوافل برية كثيرة تتكون من أساطيل من السيارات والشاحنات محملة بمساعدات إنسانية وأدوية لأشقائها المحاصرين في قطاع غزة على مدَد متباعدة، وقد وفقت في إرسال ست طائرات شحن محملة بالمساعدات الإنسانية والطبية منذ بدء العدوان الأخير على غزة، حمولة كل طائرة 30 طنا شملت (أدوية وحليب أطفال ومعدات طبية فيها أجهزة تصوير مقطعي وأجهزة أشعة وأجهزة موجات فوق صوتية وأجهزة تحاليل طبية وأجهزة تنفس صناعي وخمس غرف عمليات ميدانية متكاملة إضافة إلى خمس عشرة سيارة إسعاف وخمسة مولدات كهربائية ذات طاقة 35م وات).
وشهدت العاصمة اللیبیة طرابلس العديد من المظاهرة التي دعت إليها مؤسسات المجتمع المدني والجالية الفلسطينية المقيمة بليبيا؛ احتجاجًا على إعلان ترمب.
وأصدرت الحركة الوطنية الشعبية الليبية بيانًا؛ لرفض هذا الإعلان، واستنكرت القرار، لأنه يخالف القانون الدولي وقرارات هيئة الأمم المتحدة، وما تضمنته كلمته من استخفاف بالعرب والمسلمين والمسيحيين على حد سواء.
وعلى المستوى الرسمي؛ أدانت الحكومة الليبية المؤقتة، بأشد العبارات، إعلان ترمب، ودعت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إلى عقد جلسات طارئة لمنع هذا القرار الذي “ستكون له عواقب وخيمة على المنطقة”.
كما أكد العضو المقاطع لمجلس النواب عبد الرؤوف المناعي أن الموقف الشعبي والرسمي في ليبيا منسجم ومتناغم ومتوافق بشأن القضية الفلسطينية؛ لأنها في وجدان كل مواطن، إذ لا يمكن التفريط بشبر واحد من أرض فلسطين، وأكد رفضه إعلان ترمب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
كما أدان المجلس الأعلى للدولة، إعلان الرئيس الأمريكي نقل مقر السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وعدّ هذا القرار، تحدياً سافراً لمشاعر المسلمين، لما لمدينة القدس والمسجد الأقصى من أهمية خاصة؛ لكونه أولى القبلتين وثالث الحرمين. كما عدّ هذا القرار مخالفاً للقرارات الدولية التي تعدّ القدس أرضاً محتلة.
وطالب المجلس الأعلى المجتمع الدولي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية بضرورة اتخاذ موقف واضح للعمل دون تنفيذ هذا الإعلان؛ حفاظاً على التوازن والاستقرار بالمنطقة، إلى جانب مناشدته الليبيين والمسلمين في العالم كافة بالخروج سلمياً والتعبير عن رفضهم لهذا الإعلان.
مسيرة في موريتانيا ضد إعلان ترمب
* موريتانيـــا:
كان لموريتانيا دور بارز في دعم الشعب الفلسطيني من مؤسسات ومنظمات مجتمع مدني وقوى سياسية، ليس على الصعيد المادي وحسب، والمتمثل في شكل مشاريع تخدم الشعب الفلسطيني في إعادة الإعمار وإغاثة الناس في زمن الحرب وكفالة الأيتام ورعايتهم، وإنما في موقفها الداعم للقضية بما يساهم في جعل الشعب الفلسطيني يطمئن أكثر بارتباطه بالأمة الإسلامية، فمهما بعد في الجغرافيا يظل حاضراً وكأنه على حدود فلسطين.
وشهدت المدن الموريتانية احتجاجات شعبية واسعة تنديداً بإعلان ترمب، وتركزت تلك الاحتجاجات الشعبية المتواصلة في بياناتها وخطاباتها وشعاراتها على مطالبة الحكومة الموريتانية وحكومات الدول العربية والإسلامية بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة، إذا لم تتراجع واشنطن عن هذه الخطوة.
على المستوى الرسمي، قال الحزب الموريتاني الحاكم "الاتحاد من أجل الجمهورية": إن إعلان نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس المحتلة يشكل تحدياً صارخاً للشرعية الدولية التي تعدّ القدس مدينة محتلة ضمن الأراضي العربية المحتلة سنة 1967، وأضاف الحزب في بيان له أن القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية الأبدية ،ولفت البيان إلى أن تحرير القدس من الاحتلال يعد مسؤولية المجتمع الدولي كامله وجميع قوى السلام في العالم، موضحًا "أن قراراً كهذا لن يسهم إلا في توتير الوضع في الشرق الأوسط والعودة بالصراع إلى مربعه الأول".
من جانبه أوصى البرلمان الموريتاني حكومته بالتحرك من أجل الضغط على الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتراجع الفوري عن إعلانه القدس عاصمة لـ"إسرائيل"
وعدّ البرلمان، الإعلان خروجاً عن مظلة الأمم المتحدة وخرقاً للقوانين الدولية وكيلا بمكيالين و"خدمات مجانية لجماعات التطرف والغلو، وسقيًا لبذور الإرهاب، وتأجيجا للعنف الذي يعصف بهذه المنطقة من العالم، وتشجيعا للدول المارقة، وتبريرا للاعتداء والاحتلال، وسماحا بسيادة قانون الغاب".
بدورها أكدت نقابة الصحفيين الموريتانيين رفضها إعلان دونالد ترمب، ودعت النقابة -خلال تنظيمها وقفة تضامنية مع القدس في نواكشوط- كل الصحفيين إلى العمل لكشف المؤامرات ضد قضية الأمة الأولى، ومن أجل حماية المقدسات الإسلامية، وتطهير المسجد الأقصى وتحريره من الاحتلال الإسرائيلي.
................................................
المراجع:
• الجزائريون.. "مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، موقع العربي الجديد.
• فلسطين... قضية بمرتبة "التقديس" في تونس، موقع عرب 48.
• كتاب: "تطور الخطاب السياسي في تونس إزاء القضية الفلسطينية" ، للدكتور عبد اللطيف الحناشي.
• حمدان: دعم موريتانيا له أثر بالغ في دعم القضية الفلسطينية، موقع السراج الإخباري.
• بيان حاد من الحركة الوطنية الشعبية الليبية ضد ترمب، موقع أيوان ليبيا.
• المناعي: الموقف الشعبي والرسمي في ليبيا منسجم بشأن القضية الفلسطينية، موقع المرصد.
• ليبيا ودعم فلسطين .....الأمل انتفاضة السفن، موقع سودراس الإخباري الليبي.
• كيف تفاعلت الشعوب المغاربية مع قضية القدس؟، موقع "نون بوست".
إقرأ المزيد
https://palinfo.com/228984
جميع الحقوق محفوظة - المركز الفلسطيني للإعلام