يجتمع وزراء ست دول عربية في عمّان السبت، 6 يناير/ كانون الثاني المقبل، في إطار قرار المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية في 10 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، البقاء في حال اجتماع دائم لمتابعة تطورات قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، التسليم بتسمية دولة الاحتلال الإسرائيلي القدس عاصمة لها. ويأتي الاجتماع المزمع الذي يشارك فيه الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، بعد اعتراف دولة ثانية (غواتيمالا) بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال. وقد جاءت ردود الفعل العربية باهتة على قرار غواتيمالا، باستثناء موقف معلن لكل من وزارات الخارجية، الفلسطينية والأردنية والقطرية، وقد وصفت عمّان الإعلان بـأنه "عبثي".
وتشارك الأردن وفلسطين، إلى جانب مصر والسعودية والمغرب والإمارات، في اجتماع عمّان، وهي الدول التي سمّاها اجتماع المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية. وقد لوحظ أن ردود الفعل الداخلية في غواتيمالا كانت أوضح وأقوى من المواقف العربية إزاء هذه المسألة. وكون تلك الدولة الواقعة في أميركا الوسطى "صغيرة وبعيدة" لا يسوّغ التقليل من خطورة خطوتها، إذ إن قيمتها الرمزية والمعنوية أكبر من أثرها الفعلي، وقد تفتح الباب أمام مزيدٍ من الدول، لاتخاذ مثل هذا الإجراء الذي يعلّق عليه رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أكبر الآمال.
يسترعي الانتباه أنه، منذ اتخذ ترمب قراره، في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بشأن القدس المحتلة، انخفضت الاتصالات الأميركية العربية إلى حد كبير، وقد تم الإعلان مرتين في واشنطن عن زيارةٍ كانت مقررة لنائب الرئيس، مايك بينس، إلى كل من القاهرة و"تل أبيب". وباستثناء اتصال هاتفي أجراه ترمب مع ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، بخصوص صاروخ حوثي أطلق على الرياض، فإن التواصل المعهود بين مسؤولين أميركيين وعرب قد توقف.
ولوحظ، في هذه الأثناء، أن الولايات المتحدة واصلت جنوحها اللاعقلاني، فقد اقتطعت 285 مليون دولار من مساهماتها في ميزانية الأمم المتحدة، خلافا لميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على وجوب مساهمةٍ أميركية بـ 22% من الميزانية التشغيلية، وذلك بعد تصويت الجمعية العمومية ضد قرار ترمب، ما يشير إلى أزمة جدّية وصعبة بين واشنطن والعواصم العربية. إضافة إلى تعمّق الأزمة المركّبة بين واشنطن وأنقرة، إذ تقود الأخيرة حملةً قويةً في إطار العالم الإسلامي ضد الخطوة الأميركية. والمرجح أن يستمر الجمود في العلاقات العربية الأميركية خلال فصل الشتاء الجاري، فيما يسود الاعتقاد أن تجدّد التواصل، ولو على نحو ضيق، سيكون مرهوناً، من وجهة نظر أميركية، بالتقدّم بمبادرةٍ ما لتحريك العملية السلمية.
علما أن الجانب الفلسطيني قد شدّد على أن الاتصالات الفلسطينية الأميركية لن تُستأنف قبل التراجع الأميركي عن الخطوة المتعلقة بالقدس. وهذا الموقف الصائب بالذات قد تسعى واشنطن لاحقاً لتصويره دليلا على سلبية فلسطينية! مع السعي إلى تأليب أطرافٍ عربيةٍ ضد الموقف الفلسطيني. وتستحقّ هذه المحاذير أن تثار في اجتماع عمّان المقبل، والذي يُفترض أن يُراجع الموقف بعد مضي أكثر من شهر على القرار الأميركي، حيث لم تُبد واشنطن أي تجاوب مع الموقف العربي والإسلامي، فضلاً عن مواقف سائر دول العالم، مع المطالبات بالتراجع عن القرار الذي يخرق كل المواثيق والقرارات الدولية.
من الواضح، في ظل الظروف الإقليمية والدولية، أنه يصعب اتخاذ موقف حازم تجاه واشنطن التي تربطها علاقات متشابكة مع سائر الدول العربية، بما فيها التعاون العسكري والأمني واسع النطاق، وخصوصا في مواجهة التحدّي الإيراني وتحدّي الإرهاب، غير أن القرار الأميركي الأخرق خلط واقع الصداقة والتعاون بمؤشر عدائي واضح، يستحيل قبوله أو التعامل معه. وبالتالي، فإن واشنطن هي المسؤولة عن عنصر الاضطراب الذي أصاب علاقاتها العربية، وهي المدعوّة حصراً لإزالة هذا الاضطراب، والتراجع عن السبب الذي أدّى إليه، وذلك بتصحيح الخطأ الفاحش. وهي الرسالة التي يُنتظر من اجتماع عمّان أن يبثّها بأكبر قدر ممكن من الوضوح، في مخاطبة الولايات المتحدة، مع الجهر بأن العلاقات السياسية مع واشنطن لن تعود إلى سابق عهدها، مع استمرار المكابرة الأميركية، ومع تفضيل العلاقة مع دولة الاحتلال على العلاقة مع العالم العربي والإسلامي وبقية دول العالم. وأقل ما توصف به هذه السياسة أنها غير مسؤولة، وينقصها الرشاد، وتلحق ضررا بالمصالح الأميركية، وبصورة هذه الدولة العظمى.
من المفيد التذكير بالبيان الختامي لوزراء الخارجية العرب في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، على أن لا يتم الاكتفاء بذلك، وإلا فإن الحاجة تنتفي لعقد اجتماع عمّان، والأكثر مدعاة للاهتمام أن تتم الإضافة إلى اجتماع القاهرة، في ضوء التطورات الجارية، وفي مقدمها ما أبدته واشنطن من سلبيةٍ تجاه العالمين، العربي والإسلامي، ومن إنكارٍ للحقوق الفلسطينية الثابتة في القدس وبقية الأراضي المحتلة، ومن سد الطرق أمام الحلول السياسية وتحفيز التطرّف الإسرائيلي والغزو الاستيطاني. وهذه وغيرها مؤشراتٌ تنطوي على مخاطر جمّة، تهدّد أمن المنطقة واستقرارها، وتنذر بموجاتٍ جديدة من التطرّف هنا وهناك، استجابة للتطرّف الأميركي، ورد فعل عليه.
ومن الواجب، في السياق نفسه، تحذير دول العالم من الانسياق وراء الخطوة الأميركية، والإعلان عن إجراءات ضد غواتيمالا، أقلّها فرض عقوبات اقتصادية، مع إزجاء تحيةٍ للأطراف الداخلية في هذا البلد، التي اتخذت مواقف نزيهة ضد الإجراء غير المسؤول، والعدائي الذي اتخذته حكومة بلدها. وتسمية هذا البلد أمر ضروري، حتى لا يبقى الموقف عائماً، خصوصا أن ثمّة ما ينبئ بأن دولة ثالثة، هي هندوراس، تتهيأ لاتخاذ خطوة مماثلة (وربما قبل أن يلتئم الوزراء العرب الستة في العاصمة الأردنية..) وذلك وفق ما تحدثت به قبل أيام شبكة بي بي سي في نسختها الإسبانية.
فتح قرار ترمب معركة القدس في وجوه الجميع، وبغير اتخاذ ما يلزم من إجراءات، وبعدم الاكتفاء بالمواقف السياسية المعلنة، فإن الحلف الإسرائيلي الأميركي سيمضي في حربه ضد الحقوق العربية، وليس أدل على ذلك من المشروع الذي تقدّم به حزب الليكود أخيرا إلى الكنيست لضم الضفة الغربية المحتلة إلى دولة الاحتلال، فما دام ضم القدس وتسميتها عاصمةً قد حظي بمباركة أميركية، فلماذا لا يتم ضم بقية الأراضي؟
جميع الحقوق محفوظة - المركز الفلسطيني للإعلام