سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القدس


تم النشر 16 ديسمبر 2017


عدد المشاهدات: 2471

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


قسم الدراسات - آية شمعة - المركز الفلسطيني للإعلام +-
اتسمت السياسة الأمريكية تجاه قضية القدس بالانسجام مع السياسات الإسرائيلية، ويقف الأمريكيون دوماً موقفاً متصلباً منحازاً بشكل واضح "لإسرائيل"، على الرغم من محاولتهم إظهار شيء من التوازن في بعض القضايا المتعلقة بالقدس.
 
ففي الوقت الذي تعلق فيه الدول العربية الكثير من الآمال على دور أمريكي نشط في التوصل الى حل لهذه القضية استنادا لقرارات الشرعية الدولية التي ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية في صنعها، وقرارات الجمعية العامة ذات الصلة، فإن "إسرائيل" تراهن على دور أمريكي لصالحها دوماً وعلى سياسة أمريكية مضمونها الطروحات والرؤى الإسرائيلية للصراع حول القدس وتسويته، وهل بذلك محقة تماماً.
 
مرت السياسة الأمريكية تجاه القدس بمراحل:
 
* مرحلة ما قبل قيام الكيان الصهيوني (1917- 1948): هاري ترومان
 
اتصفت السياسة الأمريكية تجاه القدس في تلك المرحلة التي امتدت عملياً من وعد بلفور عام 1917م  إلى الإعلان عن قيام "إسرائيل" في 15 أيار 1948م  بالسمات التالية:
 
أولاً: تنبي الولايات المتحدة الامريكية سياسة الوكالة اليهودية في الضغط على بريطانيا لتسهيل وتسريع الهجرة اليهودية إلى فلسطين وبخاصة إلى القدس، لما لذلك من آثر في اجتذاب أكبر عدد ممكن من اليهود الأوروبيين وتحديداً فئة الشباب والمثقفين والعمال المهرة وذوي رؤوس الأموال.
 
ثانياَ: تبني الولايات المتحدة الأمريكية مشروع الوكالة اليهودية المتضمن تقسيم فلسطين إلى دولتين.
 
ثالثاً: ممارسة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال مندوبها الدائم في هيئة الأمم المتحدة الضغوط الشديدة على ممثلي الدول الأعضاء، لحملهم على مناصرة مشروع التقسيم، فجاءت نتيجة تلك الضغوطات الأمريكية لصالح مشروع التقسيم وتدويل القدس بالحدود التي تضمنها قرار الجمعية العامة رقم (181) لعام 1947.
 
رابعاً: اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بإسرائيل بعد إحدى عشرة دقيقة من الإعلان عن قيامها في 15/مايو 1948م وقبل أن تطلب "إسرائيل" ذك من الإدارة الأمريكية.  
 
* مرحلة ما بعد الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني وحتى الحرب العدوانية التوسعية الإسرائيلية (1948- 1967م):
الدعم السياسي الأمريكي للكيان الصهيوني تجلى في الكثير من المجالات وكان من أبرز مظاهره:
 
أولاً: المحافظة على الوضع القائم في فلسطين وتأمين خطوط الهدنة داخل القدس هما محورا السياسة الأمريكية نحو القدس حتى استكمال احتلالها عام 1967م.
 
ثانياً: التركيز على قضية اللاجئين وتراجع الاهتمام الأمريكي بالقدس.
 
ثالثاً: صدور البيان الثلاثي الأمريكي- البريطاني- الفرنسي عام 1950م الذي تعهد بضمان أمن الكيان الصهيوني وحمايته من أي تهديد يتعرض له، وخطورة هذا البيان أنه جاء بعد احتلال "إسرائيل" للشطر الغربي من القدس.
 
رابعاً: احتجاج الخارجية الأمريكية التي كان يقودها دالاس عام 1953م على قرار "إسرائيل" بنقل مقر وزارة خارجيتها من "تل أبيب: إلى القدس لأسباب تنطلق من مخاوف الخارجية الأمريكية من أن يؤدي ذلك إلى تمكين الاتحاد السوفياتي من استدراج بعض الدول العربية المؤثرة ومصر في مقدمتها إلى مناطق نفوذه.
 
خامساً: امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بيد أن ذلك الموقف لا يعني الاقتراب من العرب أو تأييد حقهم، بل ظلت الإدارة الأمريكية وفية لتعهداتها تجاه "إسرائيل" وأكثر ميلاً وانحيازا لها، كما لم تمارس أي ضغوط على الدول التي اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل لتثنيها عن قرارها.
 
سادساً: حرص الولايات المتحدة الأمريكية على أن تأتي قرارات هيئة المتحدة المتعلقة بالقدس منسجمة مع سياستها المناصرة لإسرائيل، والمراعية لمصالحها الحيوية في المنطقة العربية والشرق الأوسط ومن بينها "إسرائيل" ووضعها موضوع التنفيذ.
 
* مرحلة ما بعد حرب الخامس من حزيران:
الحديث عن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية المقدسية في هذه المرحلة يعني الحديث عن سياسات الإدارات الأمريكية الآتية تجاه القدس:
* سياسة الولايات المتحدة تجاه القدس في عهد الرئيس "ليندون جونسون" (1963- 1969):
سياسة جونسون نحو القدس لا يمكن الإحاطة بها بمعزل عن المبادئ السياسية التي حكمت سياسته الخارجية تجاه المنطقة العربية والصراع الإسرائيلي- العربي وأثرهما على سياسة الاستقطاب.
 
وفي هذه المرحلة عاد اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية لقضية القدس، حيث جاء ليشكل تحولاً جوهرياً في سياستها لصالح الكيان الصهيوني، إذ انصب اهتمامها على الشطر الشرقي من القدس بعد أن ظل قبل استكمال "إسرائيل" يتركز على شطريها على حد سواء.
 
واتضح هذا الاهتمام من خلال:
أولاً: اتضح التوجه الجديد للسياسة الأمريكية تجاه القدس من خلال أكثر من تصريح للرئيس جونسون، فقد ذكر في خطاب له في 19/6/1967م قائلاً: "يجب أن يكون هناك اعتراف كافٍ بالمصالح الخاصة الثلاثة في الأماكن المقدسة".
 
ثانياً: تكمن الخطورة في هذه المرحلة في أن إدارة جونسون لم تكن تنظر لقضية القدس على أنها قضية سياسية، بل مجرد قضية دينية محورها الأماكن المقدسة في القدس، وتأمين حرية الوصول إليها لجميع أتباع الرسالات السماوية الثلاث، وإذا ما عرف المرء أن الأماكن المقدسة التي يعنيها الرئيس جونسون موجودة في الشطر الشرقي من القدس، لأدرك سريعاً أن الشطر الشرقي من القدس سيكون هو فقط موضوع المفاوضات بين أطراف النزاع، أما الغربي فقد بات بحكم المؤكد أن أمريكا تتجه نحو الاعتراف بسياسة الأمر الواقع.
 
ثالثاً: لم يتوقف الأمر عند حد التفاوض على ابتلاع "إسرائيل" للشطر الغربي للمدينة، إذ أخذ الرئيس الأمريكي جونسون بتصريحاته اللاحقة يوحي باستعداد أمريكي للقبول بضم "إسرائيل" شطري المدينة إليها وإعلانها عاصمة موحدة "لإسرائيل" مقللاً من أهمية ذلك الإجراء الإسرائيلي بعدّه إجراءً إداريا لا يغير في عدم شرعية الاحتلال لأراضي الغير بالقوة.
 
رابعاً: بادرت الإدارة الأمريكية ووزارة خارجيتها إلى الامتناع عن التصويت لصالح قراري الجمعية العامة (2253) تاريخ 4/7/1967م و(2254) تاريخ 14/7/1967م اللذان نصا على ضرورة إلغاء إسرائيل إجراءاتها التهويدية للقدس، واعتبارها غير مؤثرة على وضع المدينة.
 
خامساً: يمكن القول بأن الموقف الأمريكي من القدس في عهد الرئيس جونسون قد تمحور حول هدفين أساسيين هنا: الاحتفاظ بالقدس موحدة، إيهام الطرف العربي بأن إجراءات "إسرائيل" بشقيها التشريعي والعملي لا تخرج عن كونها إجراءات إدارية مؤقتة لا يترتب عليها أي مركز قانوني للقدس.
 
* سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القدس في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون (1968-1972):
استمر الموقف الأمريكي في عهد إدارة نيسكون كامتداد لمواقف حكومة جونسون الذي أكد عليها وزير خارجية أمريكا آنذاك، وليم روجرز، مبيناً وضع القدس في خطته التي أطلق عليها "مشروع روجرز" في خطاب له بتاريخ 9 كانون الأول 1969 قائلاً: 
 
"إن وضع القدس يمكن أن يتحدد فقط من خلال اتفاق الأطراف المعنية، وعلى وجه الخصوص "إسرائيل" والأردن أساسا، آخذين بالاعتبار مصالح دول أخرى في المنطقة والمجتمع الدولي. ومع ذلك فنحن نؤيد مبادئ معينة نعتقد أنها سوف تقدم إطاراً عادلاً لتسوية القدس. فنحن نؤمن بالذات بأن القدس يجب أن تكون مدينة موحدة ولا تكون فيها أية قيود على حركة الأفراد والسلع، بحيث تكون المدينة موحدة مفتوحة لكل الأشخاص من كل الأديان والجنسيات. كما أن الترتيبات الإدارية للمدينة الموحدة يجب أن تأخذ باعتبارها مصالح كل سكانها والجماعات اليهودية والإسلامية والمسيحية، مع وجود دور لكل من "إسرائيل" والأردن في الحياة المدنية والاقتصادية والدينية للمدينة". 
 
وقد وافقت بعض الدول العربية على هذا المشروع، مما أدى إلى نتائج سلبية جداً على الواقع العربي، وخصوصاً لأن هذا المشروع يربط وضع القدس بقرار مجلس الأمن رقم 242، الذي يثير الجدل وذلك لاختلاف أطراف الصراع في تفسيره. 
 
ومن الملاحظ أن هذا الطرح يشكل تناقضاً جوهرياً مع المواقف الأمريكية السابقة التي كانت ترفض الإجراءات "الإسرائيلية" الفردية، إذ كانت النظرة إلى القدس مشابهة لأوضاع كافة المناطق المحتلة الأخرى، في حين أن هذه التصريحات لروجرز أقرت بضرورة بقاء القدس موحدة، مما أظهر بأن الولايات المتحدة تعترف بالقرار "الإسرائيلي" بضم القدس. لاسيما بأن هذا الطرح جاء مناقضاً لما صوتت إلى جانبه الولايات المتحدة في مجلس الأمن لصالح القرار رقم 267 الصادر بتاريخ 3 تموز 1969، والداعي إلى عدم جواز الحصول على الأرض بالاستيلاء العسكري، واعتبار جميع الإجراءات التشريعية والإدارية والأعمال الأخرى بما فيها مصادرة الأرض باطلة، ويدعو "إسرائيل" لإبطال كل الإجراءات التي اتخذتها، والامتناع عن اتخاذ أي إجراء يهدف إلى تغيير وضع القدس.
 
* سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القدس في عهد الرئيس جيمي كارتر (1977-1980م): 
تميزت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القدس في عهده بالسمات الآتية:
أولاً: الانتقال من دبلوماسية "الخطوة خطوة" التي كان يقودها ويرعاها وزير الخارجية الأمريكي آنذاك "هنري كيسنجر" وبتنسيق وتعاون تأمين مع حكومة الكيان الصهيوني إلى سياسة "التسوية الشاملة" للنزاع الإسرائيلي- العربي دون ان يتطرق مشروع الرئيس كارتر ولو بكلمة واحدة إلى القدس.
 
ثانياً: استثناء المواضيع المعقدة والمؤثرة على سير المفاوضات إلى مرحلة ما اصطلح على تسميته منذ ذلك الحين بمفاوضات الوضع النهائي، فكانت القدس واحدة من القضايا التي تم استثناؤها من المفاوضات المصرية – الإسرائيلية، ومن اتفاقيات كامب ديفيد.
 
ثالثاً: تأكيد الإدارة الأمريكية على مواقفها السابقة من قضية القدس المحددة في كلمتي مندوبيها لدى هيئة الأمم المتحدة، أي أن شرقي القدس بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تعتبر أرضاً محتلة ومحكومة بقانون الاحتلال الحربي الذي يفرض على دولة الاحتلال الصهيوني التزامات تجاه الأرض المحتلة وسكانها.
 
* سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القدس في عهد الرئيس رونالد ريغان (1981- 1988م): 
أولاً: استندت سياسة ريغان تجاه القدس كما حددها مشروعه فتركزت حول مبدأين:
• بقاء القدس موحدة.
• تقرير مستقبلها في مفاوضات الوضع النهائي، بمعنى تأجيلها إلى مفاوضات التسوية النهائية للصراع الإسرائيلي- العربي بحيث أصبح هذا المبدأ وسباقه من ثوابت السياسة الأمريكية تجاه القدس، والهدف من ذلك تمكين "إسرائيل" من تكريسها عاصمة واحدة موحدة وأبدية لها.
 
ثانياً: جاء مشروع وزير الخارجية الأمريكية آنذاك جورج شولتز متماهياً مع الإطار المبدئي للسياسة الأمريكية تجاه القدس، اذ تضمن مشروعه الذي أعلنه في نيسان 1988م مناقشة موضوع القدس على ضوء نتائج المحادثات العربية الإسرائيلية، لكن أبناءها يحق لهم الانتخاب شان كافة أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة، بمعنى أن شولتز فصل عملياً بين موضوع البت في السيادة على القدس وبين سكانها الفلسطينيين.
 
ثالثاً: إن حقيقة سياسة الإدارة الأمريكية تجاه القدس في عهد الرئيس ريغان أكثر ما تتضح في معارضتها لمشروعي قرارين قدما لمجلس الأمن خاصين بالقدس باستخدامها الفيتو الأمريكي ضدهما.
 
* سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القدس في عهد الرئيس جورج بوش الأول (1988- 1993م): 
أولاً: الاستمرار في ذات السياسة الأمريكية تجاه القدس في الرئيس السابق ريغان.
 
ثانياً: بقاء القدس موحدة وعدم جواز تقسيمها ثانية.
 
ثالثاً: اقتصار نطاق الشرعية الدولية وقراراتها على الشطر الشرقي من القدس واستثناء الشطر الغربي منها.
 
رابعاً: التراجع عن سياستها الرافضة للاستيطان الاستعماري اليهودي في الضفة الغربية والقدس.
 
خامساً: فرض تسوية بشروط إسرائيلية- أمريكية، أي فرض سلام أمريكي إسرائيلي استغلالاً لفرصة تاريخية قد لا تتكرر ثانية وهي الضعف والتمزق العربي في أعقاب حرب الخليج الأولى.
 
سادساً: تأجيل النظر في مستقبل القدس إلى مفاوضات الوضع النهائي، وهو المبدأ الذي اعتمد في اتفاقية أوسلو وإعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي لاحقاً.
 
سابعاً: بيد أن أخطر ما في سياسة إدارة بوش الأول أنها وضعت حجر الأساس للسلوك السياسي الخارجي الأمريكي تجاه القدس، والذي لا يزال حتى الآن يحكم موقفها من قضية المفاوضات بشأنها.
 
* سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القدس في عهد الرئيس بيل كلنتون (1993- 2002م): 
استندت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القدس في هذه المرحلة إلى المبادئ الآتية:
 
أولاً: عدم مماتعة الإدارة الأمريكية مواصلة "إسرائيل" بناء المستوطنات تحت غطاء ضرورات النمو الطبيعي للسكان في المستعمرات اليهودية الصهيونية في الأراضي العربية المحتلة وفي القدس خاصة.
 
ثانياً: إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على عدم أهلية الأمم المتحدة للتقرير بشان الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك القدس، بل حددت مكانها في المفاوضات المباشرة بين أطراف الصراع وبخاصة مفاوضات الوضع النهائي.
 
ثالثاً: التشدق اللفظي بثبات الولايات المتحدة الأمريكية على مواقفها من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك القدس ورفض سياسة الاستيطان الاستعماري فيهما على أنها تحرص على أن يتم التفاوض بشأنهما.
 
رابعاً: محاولة تخريب العلاقات الأردنية الفلسطينية بالترويج لدور أردني خاص يتمثل بإعطاء الأردن دور الوصاية على الأماكن المقدسة في مفاوضات الوضع النهائي حول القدس.
 
خامساً: الأماكن المقدسة هي موضوع المفاوضات وليس الشطر الشرقي من القدس أو القدس بأكملها.
 
سادساً: عدم ممارسة الضغط على "إسرائيل" بشأن القدس بذريعة أن ذلك يضر بسير المفاوضات، ويؤدي الى تعقيدها بدلاً من تسهيلها وهي المهمة التي ترى الإدارة الأمريكية أنها مناطة بها. 
 
سابعاً: التناقض في السلوك السياسي الأمريكي تجاه الصراع الإسرائيلي- العربي بشأن الاماكن المقدسة.
 
ثامناً: تأكيد الرئيس كلنتون على استمراره في سياسته الملتزمة بالمواقف الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة ومن القدس والتحالف الاستراتيجي معها.
 
تاسعاً: تطابق وجهتي نظر الإدارة الأمريكية والكونغرس الأمريكي بشان القدس باعتماد الكونغرس قرراً يقضي بنقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس وموافقة الرئيس الأمريكي كلنتون على ذلك القرار محتفظاً لنفسه بحق توقيت تنفيذه.
 
* سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القدس في عهد الرئيس جورج بوش الثاني (2002- 2008):
لقد توج انحياز هذه الإدارة إلى جانب "إسرائيل" عندما قام بوش الابن بالتوقيع على قرار للكونغرس الأمريكي باعتبار القدس الموحدة بشقيها المحتل عام 1948 والمحتل عام 1967 العاصمة الأبدية لدولة "إسرائيل" وذلك يوم الاثنين في 30/9/2002. 
 
ولتخفيف حدة رد الفعل العربي على هذا الإجراء غير المسبوق قال الرئيس الأميركي جورج بوش إن البند 214 المتعلق بالقدس في قانون العلاقات الخارجية الجديد الذي قام بتوقيعه أمس "يتعارض بطريقة غير مقبولة مع سلطات الرئيس الدستورية بشأن السياسة الخارجية للأمة والإشراف على الشق التنفيذي، وأكد أن سياسة بلاده بشأن القدس لم تتغير رغم توقيعه على القانون المشار إليه. وركز على أن قضية القدس حلها يتم في إطار مفاوضات السلام بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين"، كما أكد في رسالة للنواب الأميركيين أرفقها بنص القانون أنه يحتفظ بحق تجاهل بعض بنوده التي تخالف مسؤوليته في السياسة الخارجية.
 
وقد ركزت إدارة بوش الابن على الشق الأمني من الصراع العربي "الإسرائيلي" ولإخماد الانتفاضة الفلسطينية، فقد أرسل رئيس جهاز المخابرات الأمريكية (CIA) إلى المنطقة، لإقامة اتفاقات أمنية "إسرائيلية" – فلســطينية، وتأجيل التفاوض السياسي إلى ما بعد وقف الانتفاضة، وفرض الأمر الواقع "الإسرائيلي". 
 
وقد كانت "خارطة الطريق" التي قامت إدارة بوش بإصدارها في نيسان 2003 قد حددت فيها الأسس لاتفاق الوضع النهائي، وإقامة دولتين. وتطالب الخطة الحكومة "الإسرائيلية" بوقف التوسع الاستيطاني، بما في ذلك النمو الطبيعي للسكن. 
 
وفي 14 نيسان 2004 وفي رسالة إلى رئيس الوزراء "الإسرائيلي" أرئيل شارون من بوش يقول، "في ضوء الحقائق الجديدة على الأرض، وضمن ذلك مراكز السكان "الإسرائيلية" الرئيسية الحالية، من غير الواقعي والمتوقع بأن نتيجة مفاوضات الوضع النهائي ستكون عودة كاملة وتامة إلى خط الهدنة لعام 1949، وجميع الجهود السابقة للتفاوض على حل الدولتين قد توصلت إلى نفس الاستنتاج".
 
وخطورة هذه التفاهمات بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" والتي لم يسبق لها مثيل، تكمن في موافقة الولايات المتحدة لسياسة التوسع الاستيطاني "الإسرائيلي" في "القدس الشرقية" وفي أماكن أخرى. وهذا التواطؤ وانخراطه في هذه السياسة علامات أخرى على تحول كبير في سياسة الولايات المتحدة، التي كانت حتى إدارة جيمي كارتر ترى أن جميع الأنشطة الاستيطانية، بما في ذلك في "القدس الشرقية"، غير شرعية وتشكل انتهاكا لاتفاقيه جنيف الرابعة.
 
* سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القدس في عهد الرئيس باراك أوباما (2009-2013):
ما أن نصب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة، حتى بادر إلى انتهاج سياسة أمريكية شرق أوسطية بدأت للوهلة الأولى وكأنها ستكون مغايرة تماماً لسياسة سلفه الرئيس جورج بوش الابن، وقد مهد الرئيس أوباما لذلك باستقباله لعدد من القادة العرب.
 
الا أن موقف إدارة أوباما ودبلوماسيته تجاه القضية الفلسطينية بما فيها قضية القدس كانت مناصرة ومنحازة بشكل كامل لـ"إسرائيل: ويتجلى ذلك في المواقف الآتية:
 
أولاً: عارض حق العودة الفلسطيني.
 
ثانياً: رفض الضغط على "إسرائيل"، وتجنب الحديث عن الأرض والقدس.
 
ثالثاً: أيد مطلب الإسرائيليين باعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة "إسرائيل".
 
رابعاً: أيد أن تكون القدس الموحدة عاصمة لدولة الكيان الإسرائيلي، وإن كان قد تراجع وتركها لما ستؤول إليه المفاوضات بين الطرفين.
 
خامساً: تجنب الحديث عن قضية القدس في معظم خطاباته وإن تناولها فبشكل هامشي.
 
سادساً: عارض التوجه لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة.
 
* سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القدس في عهد الرئيس دونالد ترامب (2017- حتى الآن):
ما زالت السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترمب في طور التشكيل، بسبب عدم وضوح الفريق المساعد للرئيس الأمريكي الجديد بشكل كامل حتى الآن، والتناقض في بعض التصريحات والمواقف السياسية، حول العديد من قضايا منطقة الشرق الأوسط خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
 
رغم ذلك فإن ما يمكن التأكيد عليه هو أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية تجاه منطقة الشرق في ظل حكم الرئيس ترمب لن تكون امتداداً لسياسة جورج بوش الابن عبر القوة الخشنة، أو استمراراً لسياسة بارك أوباما عبر القوة الناعمة، وإنما سوف تكون خليطا بين هذا وذلك.
 
ولكن جاءت خطوة ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لدولة اسرائيل "تتناقض مع قرار المندوب الأميركي في الأمم المتحدة لعام 1967، الذي أقر بأن الضفة بما فيها "القدس الشرقية" وقطاع غزة أراض محتلة، ويتناقض مع القرار الأممي 181 الذي وضع المقدسات تحت الوصاية الدولية، ويتعارض مع قرار 242 الذي اعتبر أراضي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة أراضي محتلة.
 
ويضاف الى ذلك أن الأمم المتحدة طالبت الدول بسحب بعثتها الدبلوماسية من القدس وفق قرار 478 بعد أن قرر برلمان الاحتلال "الكنيست" عام 1982 اعتبار القدس عاصمة "اإسرائيل" الموحدة". ومثل هذا القرار يتعارض مع اتفاق المبادئ (أوسلو) الموقع عام 1993، الذي نص على أن القدس تخضع لمفاوضات الحل النهائي.
 
ماذا يعني أن تُصبح القدس عاصمة "إسرائيل" وأن تعترف الدول رسمياً بذلك؟
 
• إلغاء كل القرارات الدولية بالحفاظ على الموروث الثقافي الإسلامي والمسيحي ونسبه الى أهله، بحجة أن القدس أصبحت عاصمة لإسرائيل ولها الحق في السيطرة والتوسع وبناء عاصمتها بالشكل التي تريده.
 
• نسف كل الحقوق المطالبة بحرية زيارة الفلسطينيين والعرب للأماكن المقدسة في المدينة بحجة الحفاظ على أمن العاصمة والتي تمثل أمن واستقرار الدولة.
 
• رفع جميع الوصايات الدولية والعربية والإسلامية عن مدينة القدس (وزارة الأوقاف الأردنية) بعد أن أصبحت عاصمة لإسرائيل والتي ترفض أن تكون عاصمة الدولة تحت وصاية أحد لأنه شكل من أشكال الاحتلال.
 
• بناء قواعد عسكرية في القدس، ودخول الجيش الاسرائيلي بشكل رسمي الى جميع ارجاء المدينة، كيفما شاء ومتى شاء.
 
• التهديد بشكل مباشر بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم.
 
• طرد كل من لا يملك هوية إسرائيلية من المدينة، وتجريدها من سكانها الأصليين.
 
• إلغاء جميع أوراق الطابو والوثائق الرسمية لأملاك أهل مدينة القدس وسيطرة "إسرائيل" عليها باعتبارها أملاك دولة.
 
..............................................................
المراجع:
• دراسة:" سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القدس في ميزان الشرعية الدولة، د. فاروق الشناق.
• دراسة: "أبرز ملامح السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط بعد فوز ترامب"،  أ. منصور أبو كريم، مركز البيادر للدراسات.
• دراسة: "سياسة الرئيس أوباما تجاه القضية الفلسطينية 2009- 2012"، د. صلاح أبو ختلة.
• دراسة: " السياسة الأمريكية تجاه القدس"، مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
• دراسة: "موقع القدس على خريطة اهتمامات الرؤساء الأمريكيين"، د. مصطفى رجب.
• تقدير استراتيجي: "سياسة ترامب تجاه فلسطين لن تخالف سابقاتها"، مركز الزيتونية للدراسات.
• الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية، الجزيرة نت.
• موقف الولايات المتحدة من قضية القدس، موقع مدينة القدس.
• موقف أمريكي جديد تجاه القضية الفلسطينية، القدس العربي.
 
 جميع الحقوق محفوظة - المركز الفلسطيني للإعلام



- انشر الخبر -