ذلك الحرف الذي يظل بين يديك تنظُر إليه، تُريد كتابته، ثُم تُعرض عنه؛ لربُما لأن بعضه لا يُشبه ما بك.. في الصمتْ يختبىء كلام كثير كبير! فلا يمكن أن أصف لك المعطف الثقيل وتوغل الشتاء في العِظام، وأنت تسكن إستوائية مشاعرك، كيف لي أن أحدثك عن تاريخ صلاح الدين الأيوبي وأنت لم تجتهد في صلاح الدين القلبي، كيف تريدني أن أحدثك عن الأقصى الحزين وأنت لم تتمنى.. لو زرعوك فيه مئذنةً أو علقوك على أبوابه قنديلا! لا يمكن أن أحدثك عن روعة إخلاص ذاك الشهيد حينما نُضج ليُقطف.. وأنت الذي لم ينضج قلبك إلى الآن بل ولم يعود طفلًا ريان المشاعر حينما يتوب أو يُحب؛ والتائب مُحب! لا يمكن أن أجعلك تبتل بكلمة مطر وأنت تفاجيء أول غيمة في زرقة السماء بمظلتك المفتوحة، لا يمكنني أن أخبرك عن احتلال الصداع في رأس جدتي وتطوفه في عينيها وأنت تسمع عن أقراص البندول كإشاعة عابرة، كيف تُريدني أن أحدثك عن طفولة قلبي وأنت لم تعش أحاسيسُها، عندما أخبرك: عن ألبومي الذي أحتفظ فيه بأشياء عزيزة على قلبي وجدًا، به صفحة من دفتر العلوم من المرحلة الإبتدائية -خبأتها لي أمي حينها إلى الآن- ألصقت لي فيه معلمتي (بسمة)؛ إبتسامة بجانب عبارة: (مُمتاز يا عبدالله)؛ أغلب الليالي أفتحه لأتأكد أن الملصق لم يكف عن الإبتسام، كُنت أخشى أن يصله من حيث لا أدري خبر إستشهاد إبنها! لا يمكنني أن أحدثك عن الصبر في بيداء الهجر وأنت تُعاني من مزاجيتك المتنقلة بين الأرواح، لا يمكنني أن أنثر في قلبك طُهر الطفولة وأنت البعيد هُناك! كيف تُريدني أن أحدثك عن يقين النصر وقلبك إذا قرأ (عبادًا لنا)؛ لم يُخبت! حتى إن أكمل (أولي بأس شديد)؛ لم يزهو! ما إن وصل (فجاسوا خلال الديار)؛ لم يفرح! حتى إنتهى (وكان وعدًا مفعولا)؛ لم يُيقن! كيف يمكنني أن أقلب نظري في العطور ولا يمر بذهني أن أشتري لك.. وأنت الذي سرقك الغياب! لا يمكنني أن أسافر بك في رحلة مجاز وأنت تنظر إلى الخارطة لتتقدم خطوتين، لا يمكنني أن أصف لك صمتْ الوداع وأنت تتقهقه في المطارات ومجالس العزاء، كيف أحدثك عن المسافة بين قلبين وأنت لم تقف بين المسافة؛ لأن البعيد قريب من الذاكرة، والقريب بعيد عن القلب؛ فمن يجاورك بالجسد ليس كالذي يجاورك بالقلب! كيف تُريد أن أحدثك عن إحساس الصلاة على سيدي ومظان روحي –صل الله عليه وسلم- وأنت لم تتوقف هنيهةَ عندما تسلم عليه في التشهد: السلام عليك أيها النبي.. كي تنتظر رده عليك: أهلًا بفلان!، لا أعلم كيف سأحدثك عن المشاعر المُهدهِدة بذاك الحُب -وهي من الأشياء التي لا تُشترى-.. مشاعر ذاك الجذع المسكين، عندما أوقف سيدي -صلّ الله عليه وسلم- خطبته وفارق منبره من أجل جذع النخل هذا! بل وزاد حتى (إحتضنه ومسح عليه)، بينما البعض اليوم يتثاءب بين يدي عين دامعة ويجعل علاقته بمن يُحبه لا تتجاوز السلام المعجل والزيارة التي تتأهب للإنصراف! كيف سأحدثك عن لذة الكتابة على جدران السماء والحرف الجميل يمر بك دون أن يستقر فيك، كيف سأحدثك عن مُذاكرة النعم وأنت لا تحرص على إستبقاء وهج الشكر في قلبك بل تطفِئه برماد الإعتياد؛ فتنطفىء فيك الحياة! كيف تُريدني أن أحدثك عن طمأنينة البوح للرب، وأنت الذي تعودت أن تبوح لقلب آدمي؛ لذا كان الحُب نعمة عُظمى فالحبيب أسبق من لسانك في البيان عنك، لأن الشهادة أنثى تختار أجمل رجال الوطن.. لا يُمكنني أن أُجمل قلبك وأنت الذي تلهو بجمال مظهرك، لا يُمكنني أن أحدثك عن الُجرأة وأنا الذي أحتاج لأذكر صديقي في تعليق عندما أجد كلامًا يُشبهه وكيف تُصاب أناملي بالشلل حينما أرى روحه في صورة ما ولا أقوى حتى على الإشارة له..!، لا أستطيع أن أُحدثك عن لهفة الشوق وأنت الذي جفّت الأشواقُ بك حتى كأنّما سمعتُ ارتطام الدلو في بئر خاطرك!، لا أستطيع أن أُخبرك عن فوائد الماء الرائعة وأنت الذي تزهد في شُرب 4 لتر ماء يوميًا ولم تستشعر لهفة إنسان عَطِش في الصحراء، كيف لي أن أُحدثك عن نِعمة البصر وأنت لم تُجرب أن تُغمض عينيك لمدة 10 دقائق يوميًا لتشعُر بالمكفوفين بل لم تُشاهد مطعم (الظلام) في لندنْ وكيف يهتم الغرب بهم.. أليس نحنُ أولى؟!، لا أستطيع أن أخبرك عن ثمرات الصدقة وأنت المُتقشف والمُمسِك! قُل لي: كيف ستنال البر إن لم تتصدق بالمال الذي تُحبه.. لا تُجرب الصدقة إذن.. بل استشعر إحساس عظمتِها! كيف تُريدني أن أحدثك عن أسرار القلب وأنت الذي وهبت عُمرًا واحدًا ورغم هذا تبيع قلبك رخيصًا في سوق المجاملات وتبذل حُبك أو إخاءك لمن لا يعرف من أنت ولا ماذا يُريد! كيف تُريدني ان أُخبرك أن الوحي المجيد يصبغك بالنور ويجلسك تحت رفيف أجنحة الملائكة؛ سكينة وأمانًا ويهتف بك: أنا الحياة! بينما أنت الذي تحمله في هاتفك الذكي، وقد نسيت أن تحمله في قلبك، لا أستطيع أن أقول لك أن الإمام (القُرطبي) -رضوان الله عليه- قد استحسن الصدقة على الضعيف المكتسب في صورة الشراء لترويج سلعته أو رفع قيمتها.. لأنها ستكون من صور الصدقة الخفية؛ وأنت الذي تُماطل مع البائعين المساكين فُتحاسبهم بشدة! كيف تُريدني أن أخبرك عن حقيقة الورد الذي تشمه وأنت الذي لم تعلم بعد أن ثلاجاتها كانت ثلاجات للشُهداء في معركة العصف المأكول حينما أرادوا أن يضعوهم في ثلاجات تبين لاحقًا أنها ثلاجات ورود! لا يمكنني أن أجعلك تشعر بأحاسيسي عندما خطت أناملي هذه الأحرف وقلبك لم يجرب النبض بعد؛ لأسباب لا تتعلق بالبقاء ولا تكتشفها سماعة الطبيب، كيف يمكنني أن أحدثك عن كلمة الحُب وأنت لم تعلم أنها ذُكرت بالوحي المجيد (76) مرة، -كما أحصاها عارف- في حين أن قلبك لم ينبض بها عند قراءة الآيات.. كيف؟! كيف يمكنني أن أحدثك عن قوة ذاكرة القلب وأنت لم تقرأ بعد أن الروائي (ماركيز) أصيب بالزهايمر والخوف وعندما زاره صديقه، قال له (ماركيز): أنا لا أعرفك ولكن أعرف أني أُحبك! كيف يمكنني أن أسامرك في ليالي الشتاء تحت ضوء الغيمة وعن حُبي المختبىء لك وحدك وأنت بعيد (هُناك)، وكلما حاولت أن أسقط تلك الكاف -التي آلمتني- من (هُناك) لتصبح (هُنا)؛ خُذلت! كيف لي أن أحدثك عن عِزة الفُقراء وشرف مرافقتهِم وأنت لم تقرأ بعد كتاب: (شرف الفقر) للأعرابي، بل كيف تجعلني أحدثك عن آلامهم وأنت لم تُحلق مع كتاب (الفقراء) للروائي (دوستويفسكي)، بينما أنت الذي تسكن بشرفة دافئة ولم تهتم لطقطقات قطرات الشتاء وهي تتساقط عليهم لأن بيتهم من صاج وبيتك من باطون! كيف لي أن أُخرج الكلمات العالقة من صدور العاجزين عن التعبير وأنت تقرأ مقالي هذا بنصف عين وأنامل مُسرعة وتمتمات تخرج من فوهة الفم دون أن ترسلها لقلبك، كيف لي أن أحدثك عن المناجاه في الصلاة وأنت لم تجرب مناجاة يحيى بن معاذ -رضوان الله عليه- عندما ناجى ربه: (إلهي ما أكرمك.. إن كانت الطاعات فأنت اليوم تبذلها وغدًا تقبلها، وإن كانت الذنوب فأنت اليوم تسترها وغدًا تغفرها، فنحن من الطاعات بين عطيتك وقبولك، ومن الذنوب بين سترك ومغفرتك)! كيف لي أن أحدثك عن الحسنات التي تُذهب السيئات وأنت الذي بت عاصيًا دون أن تُصبح صائمًا! كيف لي أن أحدثك عن شُهداء الإعداد وأنت الذي ترفع أقدامك خوفًا من أن تبتل بحفنة طين الشتاء الذي كان على باب بيتكم.. بل لم ترسو معاول قلبك على شواطىء الوطن المسلوب..! كيف تُريدني أن أسميك الصديق المُخلص وأنت لم تبذل جهد قلبك في توصيل مشاعر الحُب لصديقك دون أن تعكس كلمة حُب وتبوح بها لمن تُحب فترسل: (أنا أنت، وأنت أنا.. فمن أنا)؟! كيف تريدني أن أحدثك عن أنفاس الفجر وأنت الذي تتوسد الوسادة بينما هُم توسدوا السعادة؛ فسبقوك! كيف تُريدني أن أحدثك عن ذروة سنام الحُب؛ الإهتمام! وأنت الذي لا تغفر عيبًا ولا تحتوي قلبًا ولا تدعو سَحرْاً لمن تُحب، كيف تُريدني أن أحدثك عن درجات الآخرة وأنت الذي تهوي بك دركات الغرور وحُب النفس! كيف تُريدني أن أُحدثك عن جمالية العطر وكيف يصعد بنا للأعلى كالجاذبية وأنّ من أهداك عطرًا كأنما أهداك شطر قصيدة وأنت الذي لا تجلبه إلا في المناسبات، لا يُمكن أن أحدثك عن أم الشيخ (رشيد رضا) -رضوان الله عليه- عندما دخلت عليه فرأته حزينًا وقالت: أومات اليوم مسلم في الصين؟! وأنت مُحاط بطقس المشاعر فلا تبكي إلا على من تعرف، ولا تشعُر بآلام المسلمين.. بطفل سوري يُتم، بأرملة غَزِية استُشهِدّ زوجها، لا يمكن أن أُحدثك عن التواضع الذي ما هو إلا إنحناءة يعقُبها تحليق في سماء القلوب.. وأنت الذي تتذوق طعم نفسك فتتذمر من الجلوس مع المساكين والرفق باليتيم.. لا أستطيع أن أُخبرك عن الأجر العظيم للإحسان وأقدامك لا أراها تُغير مسارها عندما ترى نملة، ولا تشفق على قطة فتُدفئها بفراشك! لا أستطيع أن أسميك إنسانًا وأنت الذي تُشاهد معارك (داعش) مع الإنسانية، كيف أجعلك تبحث عن عذاب القبر في الأحاديث وأنت نائم؛ ما إن مُت؛ إستيقظت! لا أستطيع أن أحدثك عن ترصُعِك وجمودك وتجنب البعض عنك مخافة شركّ وأنت لم تترهب من قول سيدي -صلّ الله عليه وسلم-: (إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة؛ من تركه الناس إتقاء شره)!، كيف تُريدني أن أُحدثك عن أسرار عتاب الرب وجماله وأنت لم تتوسد قبل نومك نشيد (ملاذْ) للشاعر ناصر السعيد.. لا أستطيع أن أحدثك عن التوبة وأنت تجرأ على المعصية وتقرر التوبة قبل إرتكابها! بالضبط.. كإخوة سيدنا يوسف -عليه السلام- عندما هتفوا: (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ)، كيف تُريدني أن أحدثك عن أهمية الوقت وأنت لم تشعر بأهمية الدقيقة الأخيرة لدى فريق مهزوم؛ وإنما الفراغ مغناطيس الشيطان، كيف تُريدني أن أحدثك عن طعم اللقاء بعد طول الغياب وأنت لم تجعل ضلع الهجر الأعوج يستقيم بالعناق.. فالداء جاء من صادِ ودال ولن يكون دواء القلب إلا في ضادِ وميم! كيف تُريدني أن أحدثك عن بر الوالدين وأنت لم تهبط كل صباح إلى قدم أمك لتعيش مُتعة السفر للسماء، لا أستطيع أن أبحر إلى قلبك لأخبرك عن عبادة التفكر -والتي هيمتني كثيرًا- وأنت لم تُبحر في ملكوت الله لتكتشف المُحيط المُتجمد في قلبك.. بل لم تستمع لنشيد (آيات) الذي هي تسليتي سائر النهار، لا أستطيع أن أحدثك عن الزواج الممُتلأ بالحُب الطاهر العفيف والذي حظه حظ الروح قبل أن يكون حظ الجسد وأنت لم تُشاهد حلقة (أكملي الحكاية) من برنامج (#وسمْ)، كيف تُريدني أن أُحدثك عن بقايا نعيم الحُب الذي تركه أبونا آدم من الجنة لنا؛ لنصعد به إلى الأعلى وأنت لم تقرأ كتاب (علمني أبي) لشيخي د. سلمان العودة، كيف تُريدني أن أُرافقك عند خفقات الفجر وأعانقك ولا يقوم عمرك ليسأل عن معاذه فيعانقه..! لا أستطيع أن أحدثك عن أجمل الهدايا في الحُب: قلب آمن بك، وأنشب أظافر تشبثه في روحك وهو يقول: إنما تمام سعادتي بك وخارطة فرحي أنت! بينما أنت الذي لم تقتبسها من أعشاش العصافير وأرواح الأطفال بل لم تعيشها! كيف تُريدني أن أُخبرك بنسخة روحي (وجدان العلي) ورفيق الفؤاد: (د. علي أبو الحسن) وقلبك لم يتعب في ضخ نبضاته السريعة مُسرعًا إلى السحاب.. مثلَ القدسِ مثلَ الشامِ.. مثلَ الحُبِّ في أيدي الفراق والحُزنٌ الذي لا يُطاق مثل آهاتُ العراق! كيف تُريدُني أن أخبرك عن مُتعة الجلوس مع الأهل والأقارب وتبادُل الضحكات، وأنت قليل التفاعل سطحي الإدراك، لأنك فرحت بسرعة الوصول وأنت لم تصل، لأن سُرعة الإتصال أذهلتك ولم تتصل، حينما اختذلت مشاعرُك في رسالة وأبوتك في منشور.. لأنك وضعت الطعام لا لتأكله بل لتصوره، لأنك إهتممت أن تصور اللحظات السعيدة مع أحبتك دون أن تعيشها، لأنك قيدت مواعيدُك ولم تحضرها، لأنك إهتممت بذاكرة جهازك دون أن تهتم بذاكرتك، لأنك لم تعُد تنظُر في أعين والديك واخوتك فبحثوا عن آخرين يُشاركونهم في التلفاز، ويُحدثونهم من الجوال.. أصبحت مشاعرك مُحاطة بالتكنولوجيا فقط! وليتك أصبحت تُردد: آه يا زمن أول!