"حربون" .. كواليس حرب "إسرائيل" السرية ضد أموال المقاومة


تم النشر 02 ديسمبر 2017


عدد المشاهدات: 1755

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


قسم الدراسات والترجمة - المركز الفلسطيني للإعلام +-
دفع هوس الكيان "الإسرائيلي" للقضاء على المقاومة التفكير في شتى الطرق لمحاولة إيقافها؛ فأعلن حربه التي أطلق عليها "تجفيف أوكسجين الاحتراق" من خلال القضاء على المصادر المالية.

هذا ملخص ما عرضه الكاتبان "نيتسانا دارشان وسامويل كاتس" في كتابهم الذي صدر الشهر الحالي نوفمبر2017 تحت عنوان "HARPOON" رمح صيد الحيتان، والذي يحمل اسم "الوحدة السرية" التي تعمل منذ عشرين عاما في ملاحقة أموال المقاومة.

قسم الترجمة والدراسات في "المركز الفلسطيني للإعلام" تابع أبرز الأفكار الرئيسية التي تناولها الكتاب، وملخص ما احتواه من قصص استهداف.

ومؤلفا الكتاب هما الكاتبة نيتسانا دارشان- ليتنر التي ترأس منظمة (شورات هادين: وهي منظمة حقوقية خاصة لليهود؛ ضد الإرهاب وتمويلات الإرهاب ومكافحة معاداة السامية في جميع أنحاء العالم تم إنشاؤها عام 2002). والكاتب سامويل م. كاتس خبير معترف به دوليا في قضايا الأمن في الشرق الأوسط والإرهاب الدولي، والعمليات العسكرية الخاصة ومكافحة الإرهاب، وعمل كاتس على إصدار الأفلام الوثائقية عن العمليات الخاصة الإسرائيلية، وشارك مع الكوماندوز الإسرائيلي في إحدى عملياته على غزة.

وصدر الكتاب عن Hachette Book Group وهي ناشر تجاري أميركي وثالث أكبر ناشر للكتب التجارية والتعليمية في العالم، وهي شركة نشر عالمية مقرها فرنسا.

الخنجر والعباءة

تلعب "إسرائيل" لعبة (الخنجر والعباءة: إشارة إلى الحالات التي تنطوي على المؤامرات السرية، وحالات التجسس الغامضة)  في عالم التجسس ومكافحة "الإرهاب".

 بدأ هذا المفهوم وتم تطويره من مجموعة صغيرة من المبتكرين، أعضاء وحدة سرية في أجهزة الاستخبارات في "إسرائيل".

وبحسب مؤلفي الكتاب صنفت الوحدة السرية "حربون"، التي ظلت تفاصيل عملها غير معروفة لمدة عشرين عاما، من أكفأ الوحدات العاملة في "إسرائيل"؛ وهي وحدة تجسس تابعة للاستخبارات "الإسرائيلية" والتي تركز اهتمامها في القضايا المالية والاقتصادية.

 ويضيفا أن عمل الوحدة شكل نموذجا كانت تتبعه الولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 أيلول عام 2001، حيث أن الدول الغربية الأخرى تلاحظ أن هناك علاقة قوية بين المال والقتال، لذلك استخدمت هذه الدول المثال "الإسرائيلي" للحرب المالية كبعد جديد يمكن فيه مكافحة "الإرهاب".

هذا الشكل الجديد من الحرب كان إلى حد كبير جدي برؤية مائير داجان (القائد الإسرائيلي ومسئول التجسس)، فقد قضى داجان معظم حياته محاربا لما يطلق عليهم بالإرهابيين" خلف خطوطهم في عمليات مذهلة.

وعلى حد تعبير الكاتبان "أدرك داجان أن المال هو الأكسجين الذي يسمح للإرهاب بالتنفس، وأراد أن يستخدم خبرته ومن معه في القوى التي قادها إلى خنق كل دولار ودينار ويورو في خزائن المنظمات المكرسة لقتل المدنيين الأبرياء، واستطاع وفريقه من الجواسيس الكوماندوز تغيير نموذج الحرب العالمية على الإرهاب".

ويستعرض الكاتبان في تمهيدهما للكتاب؛ قصة داجان وفريقه، وكيفية عملهما في هذا الإطار.

وأنه لم يقتصر التركيز الجديد الذي يستهدف الأموال على الجناح الغربي للبيت الأبيض في واشنطن، بل وُضع مخطط هذه الحرب في الضفة الغربية لنهر الأردن قبل نحو عشرين عاما.

ويشيران إلى أن رجلا داخل التسلسل الهرمي الأمني "لإسرائيل" أدرك أن ظاهرة "الأصولية" الإسلامية الفلسطينية، التي تقود موجة من التفجيرات والموت، التي جمعت بين الطموحات القومية والحماس الديني، وتم تمويلها باقتصاد معقد تحت الأرض، وبالتالي كان لا بد من وقف الاتصال العالمي ووقف المال الذي يشكل الأكسجين، وكان الشخص المسؤول عن نشر هذه الفكرة رجل يدعى مئير داجان.

كان استخدام دفاتر الحسابات المصرفية كسلاح في المعركة من طابع داجان؛ وقد أمضى مهنته العسكرية لخدمة "دولة إسرائيل" في عالم قريب وشخصي من العمليات الخاصة القاتلة، من أزقة قطاع غزة إلى التلال الكاسحة في جنوب لبنان، كان داجان قد ترك بصماته وجثث أعدائه - في ساحة المعركة، وأدرك أن البطولات والجرأة كانت أساسية في الكفاح اليومي ضد "الإرهاب"، ولكن "إسرائيل" بحاجة إلى حل خارج مربع مع نتائج طويلة الأجل وتغيير قواعد اللعبة.

 وبصفته رئيسا عاما لمكافحة "الإرهاب في إسرائيل"، اتبع داجان استهدف التمويل كوسيلة للسياسة الوطنية، وأنشأ فرقة عمل خاصة من الجواسيس والخبراء والضباط العسكريين، فضلا عن المحامين الذين تمكنوا من تعبئة موارد جميع أجهزة الأمن والاستخبارات "الإسرائيلية" في محاولة لإفلاس المنظمات "الإرهابية" التي هددت "إسرائيل".

 وفي وقت لاحق، عندما شغل داجان منصب رئيس الموساد، قاد فرقة العمل هذه إلى فريق عالمي من الوكلاء المختارين، الذين سافروا إلى العالم لتجفيف تمويل الرصاصات والقنابل التي استخدمها الفلسطينيون، والتي أدت إلى مقتل أكثر من ألف "إسرائيلي" وإصابة أكثر من خمسة آلاف.

أرسل مائير داجان وكلاء الموساد في بعثات جريئة حول العالم في محاولة لمحاربة أموال المقاومة، وقد استخدم داجان سلاحا أكثر فعالية؛ حيث بنى مع فريقه تحالفا مترابطا على أعلى المستويات مع الحكومة الأمريكية، وخاصة مع وزارة الخزينة الأمريكية، واستخدم هذا التحالف تجارة التجسس والقوة الساحقة للمضبوطات.

فرقة العمل التي أنشأها داجان كانت تسمى "حربون" ومنها تم الانطلاق في تقديم هذا الكتاب الذي حمل عددا من القصص التي يفترض أنها كانت ناجحة وفقا لعمل الوحدة السرية.

حكاية توليدانو 

كانت الساعة 4:00 صباحا تقريبا في 13 ديسمبر 1992، عندما قرر الرقيب نسيم توليدانو البالغ من العمر تسعة وعشرين عاما في حرس الحدود، التجهز للانطلاق لمركز عمله في حرس الحدود. 

مشى توليدانو في الصباح، قبل ساعة من شروق الشمس، ولم يلاحظ سيارة سوبارو الحمراء موديل عام 1973 مع لوحات ترخيص "إسرائيلية" تظهر خلفه، وعندما عبر الشارع أسرعت السيارة وسبقته وضربته بالأرض، كان بها أربعة من الشبان الفلسطينيين، وجميعهم في العشرينات من أعمارهم وخرجوا من السيارة، وضربوا الرقيب الشاب ثم أمسكوا به وقيدوه وأخذوا مسدسه، وألقوا به في سيارتهم التي سارت نحو القدس المحتلة.

عرف رجال الشرطة الذين عملوا مع توليدانو أن شيئا ما قد حدث، عندما تغيب الضابط توليدانو عن التفتيش الصباحي، والمكالمات المتكررة لجهاز المناداة الخاص به دون رد، وتم إرسال سيارة دورية للبحث عنه، كما تم إبلاغ الشاباك، بأن اختفاء توليدانو يحمل علامات استفهام غامضة، خاصة وأن هناك عمليات مشابهة قامت بها حركة حماس، واختطفت جنودا في الماضي ودفنت الجثث فى قبور لا تحمل علامات عليها، ولم تخبر الاحتلال حيث يقع الجنود القتلى.

أطلق الشبان الأربعة الذين اختطفوا توليدانو على أنفسهم "الفرقة السرية" ونفذوا ذ العملية لمبادلته بمؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين.
 
تلقى الشاباك تأكيدا على اختطاف توليدانو قبل الظهر بقليل، وقد توجه اثنان من الخاطفين يلبسون الأقنعة لمكتب الصليب الأحمر في بلدة البيرة في الضفة الغربية، وسلموا نسخة من بطاقة هوية توليدانو للشرطة إلى جانب تعهد بأن الرقيب سيتم قتله في الساعة 9:00 من تلك الليلة، ما لم يتم الإفراج عن مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين من السجون الإسرائيلية، وقال البيان "إن مجموعتنا اختطفت أحد ضباط الاحتلال يوم 13 ديسمبر عام 1992، ونحن نطالب سلطات الاحتلال والقادة الإسرائيليين بإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين في مقابل إطلاق سراح هذا الضابط."

أثار اختطاف توليدانو أزمة سياسية في "إسرائيل"؛ وعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين اجتماعا طارئا لمجلس الوزراء الأمني.

ولم يكن لدى رابين أي نية للتفاوض مع حماس لاستعادة توليدانو، وقد أدرك رئيس الوزراء أن توليدانو كان على الأرجح ميتا بالفعل، وفهم الانعكاسات السياسية لاختطاف ضابط شرطة.

وكان يعلم أن هناك حاجة إلى بيان حاسم، كان رابين غاضبا واجتاحت موجه من غضبه جلسة الكبينت، و تعهد بكسر عظام المتظاهرين الفلسطينيين خلال الانتفاضة، وهو الآن يريد كسر حماس، وأشار رئيس الوزراء إلى أنه لا بد من اتخاذ إجراء فوري تجاه حماس.

وبقيادة الشاباك داهمت وحدات العمليات الخاصة التابعة للجيش، مواقع متعددة في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة، و أسفرت عن اعتقال نشطاء رفيعي المستوى من حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وكان هؤلاء الرجال يديرون الأجنحة السياسية، وهم يسيطرون على الصناديق الخيرية التي تشكل شريان الحياة المالي للمجموعات.

الرقابة المكثفة
ويورد الكتاب حكاية اعتقال مواطنين فلسطينيين يحملان الجنسية الأمريكية، تحت تهمة إمداد حماس بالأموال.

حيث كان محمد الحامد خليل صلاح من بين آلاف الركاب الذين هبطوا في مطار بن غوريون الدولي في "إسرائيل" بعد ظهر يوم 15 يناير / كانون الثاني 1993، وكان صلاح مواطنا فلسطينيا يحمل الجنسية الأمريكية تاجر سيارات يعيش في شيكاغو، وقد بدا عصبيا عندما داس على المدرج بعد رحلته من لندن، كان ضباط الأمن الإسرائيليون المنتشرون في كل مكان، واضعين سترات سفاري ونظارات شمسية معكوسة، وقد صمم هؤلاء الشبان ليكونوا رادعا بصريا، وظلوا يراقبون أي شيء خارج عن المألوف للمسافرين الداخلين لإسرائيل.

 وقد تلقت أجهزة الأمن معلومات تفيد بأن ناشطا من حماس سيصل من الولايات المتحدة، على الرغم من أنهم لا يعرفون هويته أو مهمته، وجد صلاح نفسه تحت نظر رجال شرطة الحدود الذين يقومون بدوريات حول الطائرة؛ وكان المقيم في شيكاغو قد جهز جواز سفره الأمريكي لتدقيق لا مفر منه، ولم يكن من السهل على مواطني الضفة الغربية العودة إلى المنطقة، ولا سيما من خلال مطار بن غوريون.

كان صلاح متوترا عندما سلم جواز سفره؛ وقال بصوت ناعم "أنا هنا لزيارة الأسرة والأصدقاء" عندما سأله مسؤول الجمارك الشاب عن سبب زيارته، وقد تمت دراسة وثائق سفره واستغرقت عملية الدخول وقتا أطول من المعتاد، واستجوب صلاح بشكل مكثف وأخيرا، بعد تأخير طويل جدا تم ختم جواز سفره.

سارع صلاح خارج قاعة الوافدين وإلى برد الشتاء بحثا عن سيارة أجرة، وكان تحت رقابة وكلاء من الشاباك، لم يكن اسم صلاح على أي قائمة مراقبة إرهابية، لكنه أثار بعض الفضول وقرر وكلاء الأمن في المطار متابعته، وكان الشاباك قد سمح لصلاح بحرية التنقل بالأراضي الفلسطينية على أمل القبض على شركائه الافتراضيين.

سافر صلاح أربعين دقيقة على طريق التواء واحد باتجاه القدس، وكانت "إٍرائيل" قد عقدت اتفاق الهدنة الذي أنهى أعمال القتال في العام 1949 بين إسرائيل والأردن، كان النصف الغربي من المدينة يهوديا والجزء الشرقي بما في ذلك المدينة القديمة، كان تحت سيطرة الأردن حتى استولت إسرائيل عليه في حرب الأيام الستة عام 1967.

 توجه صلاح إلى القسم الشرقي من المدينة، إلى جمعية الشبان المسيحيين، وهي مجمع مترامي الأطراف التي يقع مقرها على طريق نابلس خارج أسوار المدينة القديمة، وقد أعدت لصلاح غرفة خاصة بالكاد ترك مسكنه.

وقد حافظ الشاباك على مراقبة وثيقة لجمعية الشبان المسيحيين، وقدمت موارد إضافية للعملية، وقد استدعت الأجهزة الأمنية "الوحدة 33" وهي وحدة سرية تابعة لشرطة القدس، وحدة الاستخبارات التشغيلية التي تجمع بين قدرات التتبع والقتال، وتمكن من جمع الاستخبارات وتنفيذ الاعتقالات النوعية في مجالات معقدة من الإرهاب والجريمة، ولم يكن لدى صلاح أي فكرة عن أن عملية مراقبة واسعة النطاق كانت ترصد كل تحرك له.

بعد بضعة أيام من وصوله، انضم إلى صلاح صديق من شيكاغو هو محمد جراد يدير محل بقالة خضار، وهو فلسطيني يبلغ من العمر ستة وثلاثين عاما من حي ألباني بارك في مدينة ويندي، وكان وصوله قلقا للشاباك، هل أرسل الرجلان إلى "إسرائيل" في مهمة إرهابية؟ هل حملت حقائبهم أسلحة أو متفجرات؟ وقد أمر مدير الشاباك يعقوب بيري، وهو من قدامى المحاربين في الحرب على الإرهاب داخل المناطق الفلسطينية، عملاءه للقبض على الرجلين، وفي 25 يناير / كانون الثاني، تلقت الوحدة 33 أوامرها باعتقال المشتبه فيهم.

 




- انشر الخبر -