في حي المشاعلة جنوب دير البلح، وسط قطاع غزة، لا يزال الأهل والأصدقاء يمضون ساعات من المساء بجوار سامي أبو غراب الذي ودّع قبل أيام نجله الشهيد علاء في نفق الحريّة.
واستشهد المقاوم علاء أبو غراب (24 عامًا) في قصف طيران الاحتلال في 30 أكتوبر/تشرين أول الماضي، أحدَ أنفاق المقاومة العابرة للأراضي المحتلة منذ عام 1948، شرق دير البلح قبل أن تنتشل قوات الاحتلال جثمانه وتحتجزه، مع أربعة مقاومين آخرين من سرايا القدس.
مضى الشهيد أبو غراب، فيما بقيت مواقفه تُتناقل بين سكان دير البلح؛ فقد عرف مقداما ورجل المهمات الخطرة.
حياته في المسجد
"ربيته والحمد لله تربية على الصلاة والعبادة، شخصيته بطبعه هادئة.. هكذا تحدث والد الشهيد لمراسلنا عن محطات مضيئة في حياة البطل الراحل.
والد الشهيد علاء أبو غراب
في البداية لم يكن والد علاء يعلم بعمل ابنه المقاوم لكن جلسةً ثنائية جمعتهما أخبره فيها علاء والده قائلاً: "أنا اخترت هذه الطريق ومقتنع بها، وأنا طالب للشهادة".
في منتصف المقابلة الصحفية حلّت صلاة الظهر، فانتقل الجميع لمصلى الحيّ المتواضع الذي بناه أبناء عائلة أبو غراب من قضبان الدفيئات الزراعية، وغطوه بالقماش والنايلون، وبدت السكينة فيه كبيرة، وهو الذي شهد صلاة ومبيت علاء عشرات المرات.
ويتابع والد الشهيد: "ابني له سنوات في المقاومة، وهذا شرف لنا أن يكون ابني مع المقاومة حتى نصلي يوماً ما في القدس، وقد قدم حياته في أحد أنفاق المقاومة".
وعرف علاء بارتباطه الكبير بالمسجد؛ حتى إنه كان يبيت فيه تعلقا ببيت الله، وبفعل ظروف بيت عائلته الصغير، يقول والده: "بيتنا ضيّق، وعدد الأبناء 9 هو الثالث بينهم، وهو يبيت مع شقيقه في المسجد من سبع سنوات".
مبادر للمساعدة
ويقول محمد أبو شعبان، أحد أصدقاء الشهيد: إنه امتاز بسرعة الاستجابة لجميع من يحتاجون المساعدة، وقد أمضى سنواته الأخيرة صائماً كل يوم اثنين وخميس.
ويضيف "متى احتجته في أي مناسبة سواء مفرحة أو محزنة لا يتردد بالوقوف إلى جوارك، لكن أكثر ما أثار انتباهي أنه كان يوزع الحلوى على الأطفال في الحي ليحبوا رجال المقاومة".
اعتاد أصدقاء علاء في سرايا القدس على عبارة يرددها دوماً في المواقف الحرجة والمهمات الصعبة: "كل شيء يسير في سبيل الله".
ويؤكد أحد أعضاء سرايا القدس أن علاء تمتمع بخبرة قديمة في العمل المقاوم، لكنه انتمى للسرايا بعد معركة العصف المأكول، وقد أبدى خبرة في إعداد القذائف الصاروخية، لكنه أمضى أعوامه الأخيرة في حفر الأنفاق.
ورود وحلوى
ويحتفظ ثائر أبو غراب الشقيق الأكبر للشهيد بتفاصيل اليوم الأخير لهما قبل توجه علاء للعمل في نفق الحرية الذي استشهد فيه، وقد حرص على تلبية ما طلبه منه طائعاً.
ثائر أبو غراب، الشقيق الأكبر للشهيد
يقول ثائر: إنه تعجّب من ارتداء علاء الملابس الجديدة التي كان قد اشتراها لحضور حفل زفاف ابن عمهما أدهم بعد أيام، وقد أخبره أنه سعيد وسيقابل أشخاصًا يحبهم بعد قليل.
يغالب ثائر دموعه، وهو يضيف "طلب مني مبلغاً بسيطاً من المال، ولم أكن أملكه، ولما خرج أسرعت وتدبرت ما وجدته في البيت مع أهلي ولحقت به وودعته للمرة الأخيرة وهو يبتعد".
قبل أيام أخرج أبو علاء عشرين رصاصة من الجعبة العسكرية لنجله الشهيد، وأوصى أمه أن توزع الحلوى وتنثر الورود فوق نعشه حين يأتيها شهيداً، وأن تطلق الرصاصات ابتهاجاً بأمنيته التي تحققت.
تبادلت والدة علاء وأشقاؤه الضحكات على ما أدلى به علاء للمرة الأخيرة وهو يحدثهم عن وداعه الذي اقترب دون أن يعلموا أنه كان يشعر بكل ما قال.