رأت مصادر أمنيّة رفيعة في تل أبيب أنّه بالنسبة للمستوى السياسيّ والعسكريّ في إسرائيل، فإنّ الأزمة في لبنان هي مسألة داخلية، وليس لدى الدولة العبريّة أيّ خططٍ أوْ طموحٍ بالتدّخل فيها أوْ التأثير عليها، لافتةً في الوقت عينه، إلى أنّه بحسب تقديرات الاستخبارات الإسرائيليّة سيواصل حزب الله وإيران مسلكهم التصالحي، الذي يسعى إلى منع التصعيد في لبنان وأيضًا مع إسرائيل.
وشدّدّت المصادر عينها، كما قال مُحلّل الشؤون الأمنيّة والعسكريّة في صحيفة (معاريف) العبريّة، يوسي ميلمان، شدّدّت على أنّ حزب الله يعلم أنّ الجيش الإسرائيليّ في الحرب المقبلة سينزع القفازات وسيعمل بكامل قوته ليس فقط ضده، إنما ضدّ الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية، وبسبب هذه الخشية، فإنّ الردع الإسرائيليّ يعمل بشكلٍ جيّدٍ، على حدّ تعبيرها.
وأشار المُحلّل المعروف بعلاقاته الوطيدة مع المؤسسة الأمنيّة في دولة الاحتلال، أشار إلى أنّه للمرّة الأولى منذ 40 عامًا، فإنّ إسرائيل هي المستفيد الأساس من الأحداث التي تحصل في لبنان من دون أنْ تكون متورطة بها، وحتى أنّها لا تحاول التأثير عليها، مُوضحًا أنّ إسرائيل تتابع عن كثب بكل الوسائل المتوفرة لديها- العلنية والسرية على حدٍّ سواء- الأزمة السياسية التي تحصل في الدولة، لكن ليس أكثر من ذلك.
ووفقًا له، يدور الحديث عن أزمةٍ سياسيّةٍ لها تداعيات على كل الشرق الأوسط، وهي أيضًا نتيجة التصدع السني-الشيعي والمواجهة السعودية-الإيرانية، ولكنّه استدرك قائلاً إنّه لا يوجد في المؤسسة الأمنية من يحلم بتغيير النظام، كما حاولت إسرائيل العمل في العام 1982 من أجل فرض الـ”زعيم المسيحيّ” بشير الجميل رئيسًا للبنان.
وأوضح في سياق تقريره أنّ رؤية وإستراتيجية إسرائيل في هذه الأيام تقتصر على ثلاثة أهداف: مواصلة الحفاظ على الهدوء عند الحدود اللبنانية، القائم منذ 11 عامًا، وعدم إثارة استفزازات من الممكن أنْ تؤدي إلى تصعيد وحتى إلى حرب جديدة مع حزب الله، وفي الوقت ذاته بذل مساعٍ سريّةٍ لا تترك أثرًا لإضعاف قدرات حزب الله العسكرية.
ورأى أيضًا أنّ هذه الأهداف تتحقق عبر سياسات حكيمة، تصون تسوية وقف النار من العام 2006 وقرارات مجلس الأمن، لافتًا إلى أنّ الحرب الأهلية في سوريّة استُغلت لمهاجمة مخازن وقوافل سلاح من إيران عبر سوريّة إلى حزب الله في لبنان. بهذا الأسلوب، وعلى الأغلب من دون تحمل أية مسؤولية، أضاف، تحقق إسرائيل أهدافها من دون أنْ يستطيع حزب الله اتهامها بخرق الاتفاقات والتعرض لسيادة لبنان.
وأشار إلى أنّه مع ذلك، الفوضى في لبنان تخدم مصالح إسرائيل، فبينما حزب الله مشغول في أزمةٍ سياسيّةٍ داخليةٍ ومقيّد بقتال لحماية نظام الأسد في سوريّة، فإنّ رغبته بالمبادرة إلى جولة حرب أخرى مع إسرائيل، تتضاءل أكثر فأكثر، وأيضًا كلّ مسعى لتقليص تأثير إيران في المنطقة يخدم المصلحة الإسرائيليّة، بحسب تعبيره.
وكشف المُحلّل النقاب عن أنّه حتى ولو لم يكن واضحًا إذا كانت هناك نية باغتيال رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي استقال من منصبه، يعتقدون في قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات وفي الموساد أنّ الأزمة ليست عفويةً، مُوضحًا أنّ التقدير هو أنّ هذه الخطوة خطط لها سلفًا من قبل السعودية، في إطار الصراع الدائر بين المملكة وإيران على الهيمنة في الشرق الأوسط وعلى العالم الإسلاميّ، مُضيفًا أنّ قرار الرياض ببدء الأزمة جاء على خلفية الإحساس أن إيران حققت إنجازات في العراق وفي سوريّة، وسوية مع نظام بشار الأسد وروسيا هي المنتصر الأكبر في الحروب الأهلية هناك، التي تنتهي بهزيمة “داعش”.
وبحسب المصادر عينها، فإنّ هدف الخطوة السعودية هو إعاقة تمدد إيران في الشرق الأوسط وتوجيه رسالة شديدة لإيران بأنّها قادرة على ضربها في الفناء الخلفي- في لبنان. بكلماتٍ أخرى، تقول السعودية لإيران: ما تقومون به عبر فروعكم في العراق، وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، نحن أيضًا على قدرة بالقيام به بمساعدة فروعنا السُنّة.
وأوضح مليمان أنّ عددًا من الخبراء في الدولة العبريّة وفي الغرب يعتقدون أنّ الطريق الوحيد، بشكل عام، الموجود بحوزة السعودية للرد على حزب الله، هو تشغيل خلايا سنة لبنانيين أوْ أجانب لتنفيذ عمليات ضدّ أهداف في لبنان، ولكن عمليات كهذه من المتوقع بالطبع أنْ تؤدي لردودٍ مضادّةٍ من قبل حزب الله وتدهور الوضع في لبنان.
واختتم المُحلّل ميلمان قائلاً إنّ بلاغة المتحدثين السعوديين لا تختلف كثيرًا عمّا يقوله المتحدثون الإسرائيليون ضدّ حزب الله والحكومة اللبنانية، بحسب تعبيره.