لكل عملة ٍ وجهان !!
لا فرق لدى من يتداولون العُملات ( تجار العملة ) بشتى أنواعها؛ أن تكون العُملة على إي وجهٍ كانت ، لقناعتهم أن ذلك لن ينقص من قيمتها ، ولن يغير من كونها عُملة ً؛ إذا كانت الصورة في الواجهة ، أو في الخلفية ، طالما أنهم يملكونها .
وفي محاولة اختزال المشهد المصري في هذا الإطار ؛ فإن كل المؤشرات التي واكبت الثورة الشعبية المصرية وحتى بداية أسبوعها الثالث؛ تثبت بما لا يدع مجالا ً للشك ، بأن كل المحاولات البائسة التي يطرحها النظام الحاكم ( الذي يحتضر ) لتفريغ الثورة من مضامينها ؛ تلخصت - على الرغم من تلونها - في فعلٍ واحد فقط ، وهو قلب العُملةِ في وجه المتظاهرين .
هذه الخطوة اليائسة - وبحكم طريقة التفكير- ينظر إليها تـُجّار الحكم في مصر، على أنها تـَحَوّلٌ كبير في طريقة إدارة البلاد ، وهذه القناعة؛ هي تراكمات سنين من النظر في المنظار الوحيد الذي يمتلكه النظام الحاكم في مصر.
إن كل التصريحات والخطابات التي ألقاها الحزب الحاكم ومنذ بداية الثورة ، على مسامع الشارع المصري ، لم تخرج عن هذا الإطار وإن كان الشكل يوحي بذلك ، لكن المضامين تتكشف مع مرور الوقت ، لأنهم لو كانوا يؤمنون بهذه الإصلاحات قبل الثورة ، لكان بمقدورهم أن يفعلوها خلال ثلاثة عقودٍ من الحكم ، فهي ليست قناعة ً لديهم ، لكن الفعل الثوري قد جعل ألسنتهم تلهج بذلك ، لكن ما تخفي صدورهم أكبر .
واسترسالا ً في هذا الاستخفاف بدماء الشهداء المصريين ، وإمعانا ً في هدر الجهد ، وحرف الثورة عن مسارها ، وفي محاولة النظام الحاكم إفراغ اللبن من صِعْنْ الثورة ووضع الماء فيه ، لا زال يصم أذنيه عن المطلب الوحيد للشعب ومنذ اندلاع الثورة ، ويقوم بوضع خارطة ٍ للطريق تمهد لانتقال سلمي للسلطة ، ولسوء حظه أن هذا المصطلح مرتبط ٌ في أذهان الشعوب بخارطة الطريق التي رسمتها الإدارة الأمريكية لحل القضية الفلسطينية ، والتي لم توصل المفاوض الفلسطيني إلا ّ إلى الصفر الكبير.
فالنظام الحاكم - والذي تنادي الثورة بإسقاطه – لا يريد وليس لديه أي استعدادٍ أن يفهم هذا المطلب، كما أنه لا يريد أن يَعي أن ما جعل منه نظاما ً هو في الحقيقة، الشعب ، وهو يستدل على حقيقة كونه حاكما ً بأنه يحكم الشعب ، لكن الأمية التاريخية التي يتمتع بها هذا النظام ، قد أنسته تاريخ أرضه ذاتها ، عندما استدل فرعون على إلوهيته ، بأن الماء يجري من تحته ، عندما قال مستخفا ً بشعبه :( أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) لكن قدر الله كان أن يُهلِك فرعون بذات الشيء الذي استدل به على ألوهيته ، فلو كان فعلا ً إلها ً للماء لأطاعه الماء ولم يُغرِقه ، ولو كان النظام الحاكم في مصر حاكما ً بإرادة الشعب؛ لما كان الشعب مصدرا ً لإسقاطه .
إن التغيير الذي ينشدُه الشعب المصري يجب أن يكون وفق إرادته ، لا كما يمليه هذا القطب أو ذاك وفق مصالحه ، ولم تكن مصالح الشعوب في يوم ٍ من الأيام لتتقاطع مع مصالح المحتل ؛ إلا في وجود هذه النخبة من الحكام ، الذين فُرِضُوا على شعوبهم بقوة القمع وخبرة التزوير.
فقد ورد في إحدى وثائق ويكيليكس أن ديفيد هاخام – عضو الوفد "الإسرائيلي" المستشار بوزارة الدفاع – أن الوفد صُدِمَ بمظهر مبارك المتقدم في السن وطريقة كلامه المتثاقلة ، وأن "إسرائيل" تفضل أن يخلف عمر سليمان الرئيس مبارك .
هذا التقاطع لا ينسجم مع مطالب الشعب المصري ، فالحق للشعب في تغيير من يحكمه ، وليس وفق مصالح أطرافٍ خارجية ، تقدم مصالحها على مصالح الشعوب المقهورة .
وانسجاما ً مع هذا الحق ، فإن مطالب الشعب المصري التي تتلخص في إسقاط النظام الحاكم هي واضحة ،؟ ويجب أن لا تتخللها الاستثناءات ، وهذا الحق الذي يجري الآن تحريفه ، ما هو في الحقيقة إلا ّ طباعة ً لنسخة جديدة من ذات العملة السابقة .
إن ما هو مطلوب اليوم من الشارع المصري ، أن يختبر الأطراف الداخلية وأهمها الجيش ، من حقيقة وجهته نحو التغيير ، وهل تنسجم مع ما يصبوا إليه الشارع ، أم أن الجيش لا زال يصلي إلى غير ذات القبلة ، من خلال الزحف للأماكن محل اختبار الجيش ، ليحسم الشعب بذلك شوطا ً مهما ً في لعبة عض الأصابع ، التي يقف فيها طرفا ً في مقابل النظام .
إن من يريد أن يُحدِث التغيير؛ عليه أن يعمل بمقتضى هذا المعنى ، فالقائم على التغيير يجب أن يكون مُتحكما ً بالنتائج ، وإلا ّ فسيطاله التغيير، ليس بفعل من يريد أن يغيره ، ولكن بفعل القناعة بعدم الجدوى من محاولة التغيير، وهي ربما تكون أكثر خطرا ً من أن يحدث التغيير من مؤثرات خارج القناعة .
ومن يسعى لتغيير عُمْلتِه يجب أن لا يقلبها على الوجه الآخر ، ويرفع يديه فرحا ً، ويبدأ بإقناع نفسه والآخرين بنجاحه ، فتغيير الأشياء وفق المنطق يقتضي استبدالها وليس قـَلبها .