سيف الشعوب
أفاد كيكرو أن داموقليس أحد رجال البلاط في قصر الحاكم ديونسيوس الطاغية كان يتباهى في كل مكان من سيراقوسة داخل صقلية اكبر جزر البحر المتوسط أن ملكه ديونسيوس أسعد أهل الأرض ؛ فأمره مطاع مجاب ، كل شبر من مملكته ينطق باسمه ، وكل ميدان يشير إليه ، وكل اجتماع يستهل بذكره ، وما كبر أو صغر لا يخلو من حضور الملك ، الجيش ، الفرسان ، الشرطة ، طبقات الأمة، الجميع يطلب رضاه ، حظوته , ومنادمته.
سمع الملك بجلبة الغبطة ، وانطباعات داموقليس عن الملك فأراد أن يعلمه درسا عمليا ويضعه في تجربة عابرة، لكنها مازالت حكمة باقية منذ أربعة وعشرين قرنا ، فقد وجه ديونسيوس الطاغية دعوة إلى نديمه داموقليس لمأدبة فاخرة دعا إليها علية القوم وقد خصص مقعدا لداموقليس بجانب الملك إشارة إلى أن المأدبة على شرفه ، ولما جلس المدعوون وجلس داموقليس على مقعدة المميز بجانب الملك، شاهد فجأة فوقه سيفا معلقا بشعرة ويوشك السيف على السقوط ليخترق رأسه.
أصيب داموقليس بهلع مكبوح، بتململ عن جلسته يمنة ويسرة ، سأله الملك ، ما شانك ؟
أشار داموقليس إلى الخطر الماثل والموت المحقق، فأجابه الملك أن هذه هي حياة الملوك المحفوفة دائما بالمخاطر التي لا تعرف الراحة أو الاستكانة أو صفاء القلب .
مر الأوربيون بتجارب كبيرة مع شعوبهم وجربوا كل شيء تقريبا وفي كل المستويات ووصلوا إلى حقيقة مفضية إلى ضرورة قطع الرابط شعرة السيف والتي لا تحصل إلا بهدم سجن الباستيل قبل أكثر من مائتي عام ، الذي يشير إلى أن سيف الشعوب قد سقط واستقر في رأس الطاغية ، وبالفعل بدأت سيوف الشعوب تتساقط على ملوكها في كل مكان ، وباستيل كل بلد يتهاوى ويتبدد في أوربا منذ عقود بعيدة.
وكأننا اليوم في عالمنا العربي نشهد مرحلة جديدة من الانقلابات ، ليست كانقلابات الخمسينات والستينات ، التي يستغل فيها العسكري جيش الأمة ليحقق مصالحه الشخصية وحزبه، ويتحالف مع الشيطان ، انقلابات اليوم من نوع جديد إنها انقلاب الشعوب على الجلادين.
في عام 2005 م أعلنت مصادر في الحكومة الأمريكية أن العشر سنوات المقبلة ستشهد تغيرات سياسية في الشرق الأوسط ، لم تكن هذه نبوءة تتحقق في تونس ، مصر ، الأردن ، اليمن، وإنما دراسة لحركة الشعوب والعقل الجمعي وتطوره الذي يبحث عن الإنسانية والكرامة.
الأستاذ / سامي محمد الأسطل
مشرف التاريخ بمديرية خان يونس