غزة - نسمة حمتو
أتم جميع المراحل الدراسية في مدينة خان يونس في قطاع غزة بتفوق كبير، وبعد أن أنهى دراسة الثانوية العامة وحصل على معدل 98%، كان حب هاني الأسطل لمدينته وعدم رغبته في البعد عن أهله أحد الأسباب التي شجعته لإكمال دراسته الجامعية في غزة، على عكس التشجيع الدائم له بدراسة الطب في الخارج، وهذا ما جعله يتفوق ويحقق هدفه ويثبت للعالم أن من غزة تخرج الإبداعات..
ثلاث حروب
السبب الثاني الذي شجع الأسطل على الدراسة في غزة هو وجود جامعات قوية تلبي حاجته وطموحاته، وفي ذلك يقول :"الدراسة في غزة ليست سهلة على الإطلاق، فخلال التحاقي ببرنامج بكالوريوس الطب في الجامعة الإسلامية سنة 2007 عشنا الأمرين من ويلات ثلاث حروب غاشمة أدمت قلوب الجميع".
وأضاف:" خلال سنوات الطب الست عانينا كثيرا من مشكلة انقطاع الكهرباء وتبعات انقطاع السولار والبنزين على المواصلات من والى الجامعة، وصعوبة الحصول على الكتب في كثير من الأحيان، وكذلك صعوبة حضور المؤتمرات الطبية خارج غزة".
دراسة الطب
وعن اختياره لدراسة الطب قال:" كان لدي خياران إما دراسة الصيدلة أو الطب، الصيدلة كونها تخصص والدي الحبيب ومجال عمله، والطب كونه تحديا كبيرا له مكانته في كافة المجتمعات، واخترت الطب بعد عدة مشاورات مع والدي وبعد إصرار من عميد كلية الطب المؤسس المرحوم، الدكتور مفيد المخللاتي والذي اتصل على هاتف البيت شخصياً ليقنع والدتي بذلك، لأكون صريحا أحيانا كثيرة كنت أندم على دراسة الطب بشكل عام كونها تستنزف الوقت على حساب الحياة الاجتماعية".
أنجز الأسطل تعليمه في غزة بالإصرار ودعم الوالدين فكان دائماً يطمح للأفضل خلال دراسته، وأكثر ما ساعده على إكمال دراسته هو التلاحم والتنافس بين زملائه سواء في المرحلة المدرسية أو الجامعية.
ويتذكر الأسطل الصعوبات التي مر بها في المرحلة الابتدائية بالقول:" دائماً أتذكر كيف كانت قدراتي ضعيفة في اللغة الانجليزية، وفي أحد المرات حصلت على علامة صفر في أحد الاختبارات في الصف الثالث الابتدائي ما استدعى أستاذ المادة حينها أن يعطيني ورقتي مرسومت عليها X " من أولها لآخرها".
وتابع قوله:" والدي في حينها وضع جل جهده في تعليمي اللغة الإنجليزية، وما أفتخر به هو فوزي خلال الثانوية العامة بالمرتبة الأولى على مستوى قطاع غزة في مسابقة الإمديست ، وكذلك حصولي على نتيجة عالية في اختبار اللغة IELTS والذي أهلني لمراسلة الجامعات بالخارج بعد حصولي على شهادة الطب والجراحة من غزة".
رحلة الامتياز
بعد حصول الأسطل على البكالوريوس وإنهاء فترة التدريب التي تسمى بالامتياز، حصل على عرض من كلية الطب بالجامعة الإسلامية ليكون معيداً اكلينيكا لمدة عام، خلال هذه الفترة فكر كثيراً في الخطوة المقبلة، وبعد مراسلات عديدة مع عدة جهات خارج غزة وافق على الالتحاق ببرنامج الماجستير البحثي (ما قبل الدكتوراه) في مجال الجهاز الهضمي العلوي في بريطانيا تحت إشراف بروفيسور جراحة الجهاز الهضمي العلوي -الفلسطيني- الدكتور أشرف رشيد.
وتابع قوله :"كانت الصعوبات كبيرة حتى أنني يئست حتى من الحصول على القبول بجامعة ويلز التي أدرس فيها حالياً، ولكن بحمد الله وبعد المقابلة عبر سكايب مع الجامعة جاءني القبول النهائي".
وعن الصعوبات التي واجهته بعد الحصول على القبول لإكمال الماجستير تابع قوله:" من أكثر الصعوبات التي يواجهها الغزي الذي يود الدراسة في الخارج هو كيفية الخروج ، أتذكر أنني أقدمت على أكثر من عشر محاولات فاشلة ما بين تصريح خروج أو خروج عبر معبر رفح أو الحصول على عدم ممانعة للأردن، زادت الأمور تعقيدا مع رفض السفارة البريطانية لطلب الفيزا والتي كنت أنتظرها بفارغ الصبر، حتى أن أحدهم كان يمزح معي قائلا: " معك الآن تصريح وعدم ممانعة وفيزا لبريطانيا .. تفضل بالخروج"!.
وأكمل قوله:" بعد عدة أسابيع من الإحباط وفي ظرف يوم واحد تغيرت الأحوال، وكأن دعاء أمي استجيب، فجاء التصريح وعدم الممانعة في ليلة واحدة ودخلت الأردن، وبحمد الله حصلت على الفيزا بعد تقديمي للمرة الثانية بعد كرامة من الله عز وجل لا يتسع المقام لذكرها اليوم".
تمويل مبدئي
وعن قصة اختياره من قبل اللجنة المحكمة قال:" قبولي كباحث تطلب مني العمل على تطوير مقترح بحث طبي يختص في سرطان المريء، والذي عكفت على تنقيحه لعدة أسابيع ومن ثم تقديمه للجامعة وصولاً إلى المقابلة عبر سكايب والتي يتم بعدها التقييم النهائي".
وأضاف:" مشوار البحث الطبي كونه شحيحا في غزة هو طموح لفهم هذا المجال ومحاولة الإبداع فيه، البحث الطبي يتطلب منك الكثير من القراءة والمتابعة البحثية في أشهر المجلات الطبية، وكتابة الأوراق العلمية واستجلاب المرضى للمقابلات وسحب العينات اللازمة".
ومضى بالقول:" بحمد الله خلال تواجدي في بريطانيا كتبت عدة مقترحات بحثية بعدها حصل على تمويل مبدئي، وأخرى ما زالت في جعبتي يمكن البناء عليها مستقبلا، كما عملت في أحد أهم مختبرات السرطان في بريطانيا في جامعة كامبريدج لعدة شهور ما مكنني من المشاركة مع مجموعات بحثية قوية ووضع اسمي في أبحاث طبية على مستوى راقٍ ما زلت أنقحها حتى الآن".
مزاولة المهنة
وفيما يتعلق بحصوله على شهادة مزاولة مهنة الطب كأول فلسطيني من غزة، قال:" خلال دراستي للماجستير البحثي، كان لا بد أن أحصل على مزاولة مهنة الطب كي أتمكن من إكمال التخصص في المجال الذي أحب".
وأشار الأسطل إلى أن ما زاده إصرارا للحصول عليها هو أنه لم يحصل عليها أي شخص من خريجي جامعات غزة من قبل، فكان يستلزم الحصول على المزاولة المرور بعدة اختبارات ليست بالسهلة خصوصاً مع التغيير الأخير في نمط الاختبارات لجعلها أكثر تحدياً وصعوبة".
تمكن هاني من العبور من الامتحان الأول بنجاح في سبتمبر من عام 2015، وفي عام 2016 كان لزاماً عليه المواصلة لتقديم المتطلب الثاني وهو عبارة عن امتحان عملي يُعرف بمدى تعقيده خصوصاً على خريجي الشرق الأوسط، ليتمكن من الحصول على نتيجة عالية جداً في هذا الاختبار بعد تحضيرات لعدة أسابيع.
علاج السرطان
وعن طموحاته قال:" آمل أن أساعد ولو بالقليل لإيجاد حلول لتشخيص وعلاج السرطان بشكل مبكر، عندما يستهل الباحث مشواره البحثي، يتعلم الكثير من طرق البحث والكتابة والتي تلزم لأي أبحاث طبية مستقبلية، غزة ينقصها الكثير من العمل لخلق واقع طبي يعتمد على الأبحاث الطبية".
وأكمل قوله:" نجح كثير من طلبة جامعتي في عمل أبحاث طبية والمعروفة ب Audit يعد إنجازا رهيبا وذلك تحت إشراف الدكتور خميس الإسي -معلمي- ومؤسس وحدة البحث الطبي في كلية الطب، أطمح بالعمل على إنجاز أبحاث طبية على مستوى كبير يتم نشرها في المجلات العلمية الراقية بمعية زملائي من غزة".
هاني يحاول جاهداً نقل صورة الخريجين الجدد في غزة إلى الغرب كي يعلموا أن أهل غزة طموحون، كما أنه يحاول مع زملائه خلق فرص لجلب بعض طلبة غزة إلى بريطانيا رغم كل التعقيدات.
وقال:" غزة جميلة برغم الصعوبات ومن اكتوى بنار الغربة يدرك ذلك جيداً. رسالتي للخريجين، لا تتوقفوا .. هناك الكثير مما يمكن إنجازه من داخل غزة وأنا على استعداد للمساعدة ما استطعت -على الأقل في المجال الطبي-".