على تلة في مقبرة المجاهدين بشارع صلاح الدين وسط مدينة القدس المحتلة، ينتظر المقدسيون صوت مدفع رمضان ايذانا لهم بالإفطار، والذي تملكه عائلة صندوقة منذ العهد العثماني حتى اليوم، ويعد إرثا إسلاميا حافظت عليه العائلة أبا عن جد.
منذ القدم
يقول المقدسي رجائي صندوقة لمراسلنا: كان جدي هو المسؤول عن إطلاق المدفع منذ القدم؛ حيث كان يعرف توقيت الأذان عندما يقوم شخص من باحة الأقصى بالتلويح لشخص آخر يقف على سور القدس، والذي بدوره يعطي إشارة لجدي لإطلاق المدفع باستخدام مادة البارود، وبالتالي يُعلم الناس عن موعد بدء الامساك والإفطار.
ويشرح صندوقة آلية استخدام المدفع قديما، ويقول: كنا ننظف المدفع، ونضع البارود، ونوجه السبطانة، ونشعل الفتيل القماشي في الوقت المناسب لتزامن الإطلاق مع الأذان.
أما اليوم فتفجر المفرقعات الموجودة في الصندوق الأسود لحظة موعد الإفطار، فتحدث صوتًا مدويًا أشبه بصوت المدفع كي يبدأ المسلمون في القدس بتناول الإفطار.
ويضيف: ورث والدي هذه المهنة عن والده؛ فكنت وأشقائي نذهب مع والدي إلى المقبرة لنتعلم منه كيف يضرب المدفع، وبعد تقدمه في السن كنا نقوم نحن بتلك المهمة.
وقد ورثت الأمر عن والدي عام 1992، ولم يكن ضرب المدفع فقط في رمضان قديما، وإنما كان يتم إطلاقه في جميع المناسبات الدينية كالمولد النبوي، وذكرى الاسراء والمعراج وعشية عيدي الفطر والأضحى لكن مع التضييق الصهيوني لم يعد يستخدم إلا في رمضان، يقول رجائي.
وعن عمله في رمضان يقول: دأبت على إطلاق المدفع منذ أكثر من 27 عاما، والمدفع الموجود اليوم هو من العهد الأردني بعدما نقل المدفع القديم الذي كان منذ العهد التركي، والذي كان يستخدمه جدي إلى داخل المتحف الاسلامي في المسجد الأقصى.
مهمة ليست سهلة
وعن مهمة إطلاق المدفع والمضايقات الصهيونية، أشار صندوقة إلى أنها ليست مهمة سهلة بل إنها شاقة ومتعبة وتحتاج للكثير من التحضيرات، والاجراءات التي تبدأ قبل شهرين من رمضان، وأهمها الحصول على تصريح من بلدية القدس المحتلة، وخبير المتفجرات والأمن والشرطة التابعين للاحتلال.
وتابع: قديما كان جدي يستخدم البارود لإطلاق المدفع لكن بعد عام 2000م منعتنا سلطات الاحتلال من استخدام تلك المادة بحجج أمنية واهية.
ومضى يقول: استبدلت بالقنابل الصوتية، والمفرقعات والألعاب النارية، ويحضرها رجال أمن صهاينة إلى المقبرة قبل موعد أذاني الفجر والمغرب، وينتظرون حتى إطلاق المدفع ومن ثم يغادرون المكان.
"ورغم أنه في كل عام تأتي سلطات الاحتلال بحجة جديدة في محاولة منها للقضاء على ذلك الارث، بعدما أوقفت عمل المدافع في كل من بيت لحم والخليل ونابلس إبان الانتفاضة الأولى ، إلا إني أتحدى ممارساتهم وحججهم وذلك كي لا يتم منع صوت اطلاق المدفع في القدس، يقول صندوقة.