في حوار طويل له مؤخرا مع صحيفة يديعوت أحرونوت، هدد وزير الحرب الإسرائيلي زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" الیمینی "أفيغدور ليبرمن" قطاع غزة بحرب رابعة أقوى من سابقاتها، حال قررت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" منع بناء العائق الحدودي الذي قال ليبرمن إن كيانه ينوي البدء في إقامته على حدود القطاع في يوليو المقبل ضد أنفاق المقاومة.
تهديد وزير الحرب الإسرائيلي بشن حرب شرسة ضد قطاع غزة الذي شهد ثلاث حروب مدمرة خلال السنوات الثماني الماضية، دون تحقيق الأهداف التي رسمتها "إسرائيل" لهذه الحروب، جاء في سياق تهديدات مماثلة أطلقها قادة إسرائيليون خلال الفترة القليلة الماضية.
ما جاء على لسان ليبرمن في الحوار مع صحيفة يديعوت أحرنوت، ليس أول تهديد يطلقه هو ضد قطاع غزة، بل كرر ذلك مرارا بعد استلامه وزارة الحرب في حكومة نتنياهو، وهذه التهديدات باتت تشكل ديدنته وغيره، وطابع مقابلاته وتصريحاته بين حين لآخر، فتارة يتحدث عن شن حرب رابعة "لإنهاء حكم حماس" (حزيران 2016)، وتارة عن "الحرب الأخيرة" ضد القطاع (تشرين الأول 2016)، وأخيرا أكد أنه في المواجهة الرابعة "سنقلب كل حجر في غزة، وليس مسموحا أن نخوض المعركة الرابعة ضد حماس بذات الطريقة التي خضنا فيها حروبنا الثلاث السابقة".
قبل بيان أسباب مثل هذه التهديدات، لابد من التأكيد أن الحرب تمثل ديدنة الکيان الإسرائيلي منذ عام 1948 إلى يومنا هذا، سواء شنها ضد الشمال أو الجنوب أو أي نقطة أخرى، فمادام احتلال فلسطين باق، احتمال وقوع الحرب في أي لحظة وساعة ويوم، يبقى قائما وبقوة، وهذا ليس أمرا مستبعدا أو حالة استثنائية، وإنما هو جزء لايتجزأ من حياة الاحتلال وسياساته.
أما فيما يتعلق بأسباب إطلاق هذه التهديدات، فيمكن تقسيمها بين الداخلية والخارجية، فداخليا لا يخفى أن الکيان الإسرائيلي يعاني هذه الأيام من تصاعد أزمات الائتلاف الحكومي بقيادة بنيامين نتنياهو بسبب خلافاته مع أعضاء هذا الائتلاف، وعلى رأسهم وزير المالية "موشي كحلون"، كما أن التحقيقات حول ملفات فساد نتنياهو مازالت جارية ولم تنته، وليس مستبعدا أن تقدم الشرطة الإسرائيلة لائحة اتهام ضده فور الانتهاء من تحقيقاتها.
جملة هذه العوامل رفعت منسوب تنظيم الانتخابات المبكرة في "اسرائيل"، وهذا ما لوّح به أكثر من مسؤول إسرائيلي. في هذه الأجواء، أول ما يتبادر بأذهان المسؤولين الإسرائيليين هو استغلال هذه الأجواء وتحويلها إلى بازار انتخابي للقيام بالدعاية الانتخابية المبكرة. عليه، من يتبنى لغة أكثر تطرفا مع الفلسطينيين عموما، وقطاع غزة خاصة، أو لبنان، وإيران، تتزايد أسهمه في الانتخابات في ظل تحول المجتمع الإسرائيلي إلى مجتمع أكثر يمينيا ومتطرفا.
أما خارجيا، فثمة عوامل تدفع قادة الکيان الإسرائيلي نحو التصعيد وإطلاق التهديدات بشن حرب مدمرة على قطاع غزة، أهمها:
1ـ فرض معادلة جديدة: سياق تصريحات المهددين الإسرائيليين بشن حرب رابعة على قطاع غزة، يظهر أنهم من خلال هذه التهديدات يستهدفون فرض معادلة جديدة على المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقامة الإسلامية "حماس"، وهي ردعها من الرد على ممارسات الاحتلال، سواء ما يقوم به الجيش الإسرائيلي بعد اطلاق "صواريخ مجهولة" بين حين لآخر تجاه الأراضي المحتلة عام 1948 من قصف مكثف لمواقع المقاومة، أو إقامة العائق الذي يخطط له الكيان داخل حدود قطاع غزة في مواجهة الانفاق.
ومن هذا المنطلق، يسعى الاحتلال الإسرائيلي تكبيد أيدي المقاومة الفلسطينية من خلال تخويفها مما سيترتب على ردودها من حرب مدمرة وأثمان باهظة، ليتحول ذلك إلى معادلة رويدا رويدا، بحيث تصبح للاحتلال اليد العليا في فرض ما يريده من مشاريع دون ردود من المقاومة الفلسطينية، وهذا ما لا تقبل به الأخيرة، والتجربة خلال السنوات الماضية تثبت ذلك جليا.
2ـ الحرب النفسية: أحد أسباب التهديدات الإسرائيلية المتكررة ضد قطاع غزة، هو تصعيد الحرب النفسية ضد هذه المنطقة، إلى جانب الحروب الدائمة الأخرى، منها الحرب الاقتصادية، والحرب الاعلامية، وحرب "الحصار". إضافة إلى الحرب العسكرية التي تشن ضد القطاع بين فينة وأخرى.
وهذا يأتي في سياق "التخويف"، و"الإنهاك"، و"الإرهاق" لهذه المنطقة المحاصرة منذ أكثر من عشر سنوات، وتأليبها على حكم حركة المقاومة الإسلامية حماس.
3ـ التحضير للمواجهة الرابعة: العامل الثالث وراء تلك التهديدات المتواصلة، هو التحضير المستمر للحرب القادمة ضد قطاع غزة لشنها، حينما يحين الوقت المناسب وساعة الصفر.
4ـ منع الرد على اغتيال فقهاء: لعل العامل الآخر الذي يدفع الکيان الإسرائيلي ووزير حربه نحو تصعيد خطابها، وتصاعد التهديد بالحرب المدمرة في الآونة الأخيرة، هو قلق هذا الكيان من رد انتقامي قسامي على اغتيال القائد القسامي "مازن فقهاء".
وهذا في الوقت الذي يحاول مسؤولون إسرائيليون، وعلى رأسهم "أفيغدور ليبرمن" التهرب من مسؤولية هذه العملية، وهذا عكس ما اعتادت عليه "إسرائيل" بعد عمليات الاغتيال التي تقوم بها، حيث تلتزم الصمت، وعلى الأرجح تأتي التلميحات الإسرائيلية بعدم مسؤوليتها عن اغتيال فقهاء في سياق قلق تل أبيب مما قد تفعله كتائب القسام بعد التهديدات النارية التي أطلقها قادة حماس وجناحها العسكري ضد الکيان الإسرائيلي للرد على هذا الاغتيال.
وبما أن الجغرافيا التي اغتيل فيها مازن فقهاء هي قطاع غزة، يريد الکيان الإسرائيلي من خلال تصعيد التهديد بشن الحرب الرابعة ضد القطاع خلال الفترة الأخيرة، القول إن الرد على هذا الاغتيال في أي مكان داخل فلسطين سواء الضفة الغربية، أو فلسطين المحتلة عام 1948، سوف يجلب بمثل هذه الحرب على غزة.
وأخيرا، ما يتوجب قوله إن قطاع غزة اليوم أمام مرحلة صعبة للغاية، فإلى جانب التصعيد الإسرائيلي، وبعد سنوات من الحصار الخانق، والحروب الإسرائيلية التدميرية، بدأت تتخذ السلطة الفلسطينية قرارات كيدية ضد سكان القطاع، آخرها قطع رواتب آلاف الموظفين التابعين لها.
كما هدد رئيس السلطة "محمود عباس" الفلسطينيين في هذه المنطقة بإجراءات أكثر إيلاما خلال الفترة القادمة، فإن وضعنا تلك التهديدات والإجراءات إلى جانب التهديدات الإسرائيلية، وما يقال عن خطة ترامبية للتسوية، يمكننا القول بأن شيئا خطيرا يتم تدبيره وراء كواليس السياسة الإسرائيلية، والأمريكية بمشاركة السلطة الفلسطينية وأطراف عربية ضد قطاع غزة.
الآن السؤال المشروع، هل هذا الشيء الخطير عنوانه الحرب الرابعة أم لا؟ في الإجابة نقول إن احتمالات وقوع حرب جديدة تزايدت في الآونة الأخيرة بشكل كبير، لكن يستبعد أن تحدث هذه الحرب خلال الفترة القريبة المقبلة، قبل أن يجد الکيان الإسرائيلي حلا للانفاق التي تعتبر السلاح الأكثر نجاعة لحركة حماس. فإن استمرت فاعلية هذا السلاح ستكون أي مواجهة جديدة غير مأمونة العقبى للاحتلال، ولن تختلف نتائجها عن سابقاتها.
وفي هذا السياق، إن دخل بناء العائق على حدود غزة مرحلة التنفيذ التي قال ليبرمن في مقابلته، إنها ستبدأ في تموز المقبل، ولأن هذا العائق من المقرر إقامته داخل حدود قطاع غزة وليس حدود فلسطين المحتلة عام 1948، على الأغلب سيواجه ذلك برد دفاعي من المقاومة الفلسطينية في غزة، قد ينتهي إلى مواجهة جديدة. علما بأن هذا العائق عبارة عن سور على امتداد 65 كيلومترًا عند الشريط الحدودي بينها وبين قطاع غزة، قسم منه فوق الأرض وقسم تحت الأرض.
خلاصة القول إن احتمال وقوع عدوان جديد على غزة وارد، لكنه قد لا يكون الخيار المرجح خلال هذه الظروف، بالتالي هذه التهديدات تندرج في إطار الحرب النفسية والعوامل الأخرى التي ذكرناها، ورغم ذلك، كما قلنا فإن أي إجراء إسرائيلي داخل حدود القطاع سيرفع منسوب الحرب، ثم إن تطورات الميدان، والردود الإسرائيلية الجنونية على صواريخ مجهولة مزعومة، والتي تهدف إلى فرض معادلة جديدة، كما أشرنا إليه، لها كلمتها العاجلة والمختلفة أحيانا عن ما يدور في أذهان صناع القرار في الکيان الإسرائيلي أو في قطاع غزة، وهي لا تخضع كثيرا لحسابات مسبقة.