للإيباك، كما هو معروف، مؤتمرها السنوي الضامن لحجيج السياسيين الأميركان لمنبره، وكذا التمثيل الرسمي على أعلى المستويات من حكومة الاحتلال في فلسطين، لذا فمؤتمرها هذا يشكِّل سنويًّا بارومتر التوجُّهات الأميركية المتصهينة بالنسبة للإدارات المتعاقبة ورجال السياسة.
كان اسمها "اللجنة الصهيونية الأميركية للشؤون العامة". هذا حينما تأسست عام 1953، أي بعد أعوام خمسة من نكبة فلسطين وقيام الكيان الغاصب على أنقاضها، وكانت مهمتها دعم هذا الكيان المفتعل بكل ما تستطيعه من سبل الضغط على أصحاب القرار في الولايات المتحدة الأميركية. النظام الأميركي يسمح لها ولسواها من مجموعات الضغط، أو اللوبيات، التي تنشأ في كنفه، بمثل هذا ويجيزه. لكنما، وإثر توتر عابر شاب علاقاتها بإدارة الرئيس ايزنهاور، وهي التي تأسست في عهده، غيَّرت اسمها لا طبيعتها أو هدفها، فأصبحت "لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية"، والتي تختصر في "ايباك".
ومن حينه انفردت بكونها واحدة من أقوى جمعيات الضغط المحكمة القبضة على ولاء العديدين من أعضاء الكونجرس بالذات. ورغم كونها وفق اسمها الأول منظمة صهيونية بالأساس، فعضويتها لا تقتصر على يهود الولايات المتحدة، وإنما تضم ما خلاهم، ومن هؤلاء الأعضاء في كلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري، وبذا تضمن نفوذًا مستدامًا مهما تبدلت الإدارات في البيت الأبيض.
إن هذا لا يعني أن نفوذها هذا هو المسيِّر للعلاقات شبه العضوية بين الولايات المتحدة و"إسرائيلها"، بيد أنها تفيد أيما إفادة من توظيف تقاطع المصالح بين المركز الإمبريالي وثكنته المتقدمة في قلب دنيا العرب، كما تستغل لأبعد حد وجودها في ساحة مجتمع هو بالأساس قام على إبادة الأمم الأصلية هناك وبُني على أنقاضها، ويرى بالتالي في "إسرائيله" أنموذجًا مصغرًا عنه وامتدادًا عضويًّا له، في استدرار شتى سبل الدعم وضمان ديمومة المعهود من التأييد الثابت لها.
وللإيباك، كما هو معروف، مؤتمرها السنوي الضامن لحجيج السياسيين الأميركان لمنبره، وكذا التمثيل الرسمي على أعلى المستويات من حكومة الاحتلال في فلسطين، لذا فمؤتمرها هذا يشكِّل سنويًّا بارومتر التوجُّهات الأميركية المتصهينة بالنسبة للإدارات المتعاقبة ورجال السياسة. مؤتمرها الأخير، مثلًا، حمل العديد من المؤشرات المفصحة عن بعض توجُّهات إدارة ترامب القادمة توًّا للبيت الأبيض، وكنا قد تحدثنا عن هذا في مقال سابق، عندما تعرضنا لدعوة توني بلير لمراجعة مقاربة ما تدعى "المسيرة السلمية" بين طرفي الصراع في بلادنا، أو بالأحرى ضبط إيقاعاتها على رتم التوجُّهات الترامبية، التي هي بدورها لا تبتعد عن رؤية نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية، والتي كنا قد قلنا أيضًا إنها إعادة إحياءٍ لطروحات شارون المعروفة.
في مؤتمر "ايباك" الأخير، وكالعادة، تبارى جناحا السلطة التاريخيان في واشنطن على كسب ود صهاينة الولايات المتحدة، فكان هذا المؤتمر، وكعادته أيضًا، بازارًا دوريًّا لتملقهم التليد، وأيضًا، وكما قلنا، كاشفًا للتوجُّهات الأميركية في نسختها الترامبوية، هذه التي ظلت الوفية لشعاراتها الانتخابية وإن ظلَّت التكهُّنات المستحبة عربيًّا تثار حولها. نيكي هايلي مندوبة الإدارة الأميركية الجديدة لدى هيئة الأمم المتحدة في خطابها أمام "ايباك" تكفَّلت بهذا الجانب. أكملت ما لم يقله بلير، الذي سبقها، ومن على ذات المنبر…ماذا قالت؟!
صوَّرت هايلي "إسرائيلها" بضحيَّة الأمم المتحدة وليس نبتًا شيطانيًّا شرَّعت هذه الأمم اللا متحدة غرسه الكارثي في أرض الغير، ومذ تم غرسها درجت على عدم تنفيذ أي قرار من قرارات من شرَّعت جريمة اختلاقها يتعلق بالحقوق الفلسطينية المهدورة، ناهيك عن ازدرائها وامتهانها لكافة الأعراف والقوانين والقيم الدولية المتعارف عليها… مثلًا، حول القرار 2334 القائل بأن المستعمرات في الضفة غير شرعية، تعهَّدت هايلي أمام "ايباك" بأن مثل هذا "الأمر لن يتكرر أبداً"، قالت، وهي تومئ إلى نفسها كمندوبة لبلادها في الأمم المتحدة، "يوجد شريف جديد في المنطقة"، في إشارة لمأمور الشرطة وفق المصطلحات الأميركية! وتفاخرت بأنها وراء سحب الأمين العام جوتيرس لتقرير ريما خلف الأممي حول "الأبارتهيد" الصهيوني في فلسطين المحتلة، وزادت فعدّت مقاطعة الفلسطينيين أمرًا مشروعًا، وعليه، فإنها قد حالت دون تعيين سلام فياض مبعوثًا للأمم المتحدة في ليبيا، لا لمواقفه، وإنما لأنه فلسطيني، كما ذكَّرتهم بأنها عندما كانت حاكمة لولاية كارولاينا الجنوبية كان لها شرف المبادرة فكانت أول من سن القوانين ضد حركة "بي. دي. أس" العالمية الداعية لمقاطعة الكيان الغاصب.
كل هذه المآثر لنيكي هايلي عددتها قبلنا صحيفة "هآرتس"، والطريف أنه جاء في معرض سخريتها من الاندلاق الأميركي الزائد لاسترضاء الغلاة من صهاينة الولايات المتحدة، وجاء في سياق تعقيبها على خطابها أمام مؤتمر "ايباك"، والأطرف منه أن الخطيبة ليست من "الواسب"، أو البيض، لأنها من أصول هندية سيخية وأبوين مهاجرين، الأمر الذي يذكِّرنا بباراك حسين أوباما، ذي الأب الإفريقي الكيني المسلم، والذي يعترف حتى نتنياهو، رغم ما عرف من افتقاد للود بينهما، بأنه قد أعطى كيانه ما لم يعطه رئيس أميركي سبقه….تقول هآرتس عن مآثر هايلي الإيباكية:
"بنيامين نتنياهو لم يكن ليتجرأ على الحديث هكذا، وكان نفتالي بينت سيضبط نفسه أكثر، ويئير ليبيد كان سيبدو أقل تصميمًا، وداني دانون وداني دايان لا حاجة إليهما، لدينا هايلي سفيرة حكومة إسرائيل، الجناح المتطرف، في الأمم المتحدة، وصديق "بيت إيل" (مستعمرة في الضفة) السفير ديفد فريدمان، يمكن أن يبقى في الولايات المتحدة، وبكعب هايلي العالي يمكن ضرب من ينتقدون إسرائيل، مثلما وعدت".