قلتُ ليائس شريفٍ متقنِّع بالسياسة:
إنك وإن كنتَ جباناً متأوِّلاً فإني أعلم أن فيك بقية نفَسٍ من حرية مبصومة في نُطَف أجدادك، ولا ينبغي لحرٍّ أن يترك سبيل مقاومة عدوٍّ بكل سلاح متاح، ولو كان ما كان في الدونيّة، وذكرتُ له حال طائر الحُبارَى الصحراوي المنقّط ذي الأجنحة الرمليّة الألوان، فهو في أول أحواله يموِّه بلونه فيتخفَّى عن أعين الأعداء بين الأعشاب والشجيرات والأحجار لضعفه عن المواجهة المباشرة، ويصبر في مخبئه رغم قرب القنّاص منه، فإذا كُشِف محلُّه استعان بقدميه لا بجناحيه فتجده يعدو بسرعة لنحو 15 كلم في ساعة.
إذا واجهه الصقرُ القاتلُ نفَشَ له ريشَه، وضخّم هيئته في عينيه ليخاف الصقر منه، وضربه بجناحيه، ورفسه بقدميه، وجرحه بمخالبه الصغيرة، ونقَره بمنقاره المدبّب.
ثم يدير له ظهره وينفش ريش الذيل كالمروحة تثير الغبار، ويخفق بجناحيه حتى يصدر لها صوتٌ متردِّدٌ مخيفٌ، ويحمي رأسه بجناحيه الخافقَينِ.
وآخر أسلحته أن يقذف من مؤخرته مادة لزجة لاصقة تسمّى "الطمل" تعْلق بجناحي الصقر فتعيقه عن الطيران والمناورة، أو تصيب عينيه فيعميها لثوانٍ تكون فرصته سانحةَ للهرب، وكثيراً ما نجا طائر الحبارى من قبضة الصقر، ولكن وثائقيات الشهرة تعرض نجاحات صيادي البرّ القليلة، وتغفل عن إخفاقهم العريض.
ولذلك قالت العرب في أمثالها القديمة: وَعِيدُ الحُبَارى الصقرُ.
فالضعيف يتحدى القوي، ويتوعّده بالهزيمة، إذ لم يمنع الفزعُ الحبارى أن يقاتل صقراً بكل ما أتيح له حتى إنه يجعل سِلاحَه سُلاحَه، وإذا سلَحَ فلانٌ على أحدٍ فقد بال عليه قائماً، وتلك كنايةٌ فيها من السخرية المُهينة ما فيها!