شرائح الجوال "الإسرائيلية".. بوابة مشرعة للاختراق والإسقاط


تم النشر 23 يناير 2017


عدد المشاهدات: 1902

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


"كلمتني أسبوعاً على شريحة جوال، ثم طلبت مني شراء شريحة أورانج؛ لأن الاتصال عليها أوفر".. هكذا بدأت قصة العميل (م.ع) في الانحدار لوحل الإسقاط والعمالة التي انتهت به لحبل المشنقة.

اتصال دولي كان بمنزلة طرف الخيط الذي أوقع (م.ع) فيما لا يُحمد عقباه، حيث تلقى اتصالاً من فتاة جذبه صوتها الناعم لعالم آخر، فبلهجتها العربية ادعت تلك الفتاة أنها أخطأت في الرقم، فأخبرها أن الرقم ليس للاسم الذي تسأل عنه.

في صبيحة اليوم التالي عاودت تلك الفتاة اتصالها، وبررت ذلك بأنها ترغب في الاعتذار عن الخطأ الذي بدر منها آنفاً، وزعمت حدوث خطأ فني في ترتيب آخر رقمين في الرقم الذي تطلبه.

لم تتوقف القصة على الاتصال فحسب؛ بل أخذت منحى آخر، بدأ برنين الهاتف مروراً بحديث معسول وكلمات بتغنج، كادت تحرق بأنفاس كلماتها أذني (م.ع).

بدأ الشاب صاحب البشرة القمحية ينجر في الحديث مع الفتاة يوماً بعد آخر، يسألها عن اسمها وتفاصيل حياتها، وكانت تتجاوب معه بكل سهولة ويسر، فأخبرته أنها سارة من الناصرة، وأنها تعمل في شركة سياحة، وتسافر كثيراً إلى تركيا واليونان.

لم يتوقع (م.ع) أن تمر عليه الدقائق والساعات متسارعة حيث باتت سارة شغله الشاغل حتى عن الصلاة والتزامه الديني المعهود عليه منذ نعومة أظافره.

توالت المكالمات والاتصالات مع سارة التي طلبت من "م" مع مرور الأيام أن يُسجل رقمها الذي تستخدمه في الناصرة شريحة أورانج لأنها ستعود لأراضي فلسطين المحتلة.

ويروي (م.ع) تفاصيل القصة التي تسببت بوقوعه في وحل العمالة بقوله: بعد عدة اتصالات ومكالمات عبر الفيديو وإغراءات من الفتاة المزعومة، عرفتني على أبو زياد ضابط مخابرات فيما بعد وأصبحت تقلُّ اتصالاتها معي إلى أن انقطعت تماماً، وبدأ أبو زياد يسألني عن أخبار المنطقة وبعض رجال المقاومة، فشككت في أمره، وبدأت بالتهرب منه.

وتابع العميل: سقط القناع، وأخبرني أنه ضابط مخابرات، وأنه سيرسل الفيديو الذي كنت أتعرى فيه ومحادثتي مع سارة على الجوال والإيميل إلى أهلي وشباب المقاومة في الحي، فخفت من الفضيحة، وخفت أن أفقد زوجتي التي أحبها إن علمت بما كان بيني وبين سارة، وخفت أن أفقد احترام الناس وخاصة أبي وإخوتي، فبدأت أتجاوب معه.

رقابة صارمة

الأجهزة الأمنية في غزة بدورها، لم تجلس مكتوفة الأيدي حيال هذه المحاولات التي تستهدف المجتمع الفلسطيني وأمنه؛ فتابعت موزعي هذه الشرائح وصادرت عددًا كبيرًا منها، كما يقول ملازم أول أحمد سكر مسئول قسم جرائم الاتصالات في جهاز المباحث العامة.

وقال سكر إن المباحث حصرت الموزعين، وفرضت عليهم رقابة صارمة، مضيفاً: تابعنا المعابر ووضعنا عددًا من مندوبينا عليها، وذلك بمساعدة وزارة الاتصالات الفلسطينية.

وأوضح أنه استُدعي بعض أصحاب المحلات وبعض موزعي الشرائح الإسرائيلية، وكُتبت عليهم تعهدات بعدم تداول الشرائح الصهيونية في السوق المحلي.

وبيّن أنه تشكّل فريق مشترك مكون من ثلاثة مهندسين من ذوي الخبرة والاختصاص، مشيراً إلى أن الفريق يشترك فيه جهاز المباحث العامة ووزارة الاتصالات جهة الاختصاص في هذه المسألة.

توعية المجتمع

ولفت إلى أنه يتم متابعة السوق أولاً بأول من خلال حملات تفتيشية على محال الاتصالات للتأكد من كونها لا تتداول تلك الشرائح.

وفي ذات السياق قال سكر إن قسم جرائم الاتصالات في جهاز المباحث قام بعدد من المحاضرات التوعوية حول مخاطر استخدام الشرائح الإسرائيلية في الاتصال والإنترنت.

وحذر رئيس قسم جرائم الاتصالات في جهاز المباحث المواطنين من استخدام هذه الشرائح لخطورتها على أمنهم الشخصي، من خلال كشف ملفاتهم الخاصة واختراق حساباتهم عبر الإنترنت، أو استغلالها أدواتِ تجسس في البيوت أو للإسقاط الأمني.

سرية معرضة للخطر

من جانبه، أوضح المختص في الشأن الأمني محمد أبو هربيد خلال حديثه عن مخاطر استخدام الشرائح الإسرائيلية، قائلا: أصبح العالم بصفةٍ عامةٍ تكنولوجياً بالدرجة الأولى، ما جعل السرية والخصوصية معرضة للخطر.

وبيّن أن شرائح السيلكوم شرائح تابعة لشركة إسرائيلية، وتكون في العادة تحت إشراف الأجهزة الأمنية.

وأضاف: الآن نحن المواطنين الفلسطينيين نُمثل دائرة الاستهداف الأولى للاحتلال وأجهزته، وعندما نستخدم هذه التكنولوجيا يستفيد الاحتلال من متابعة المكالمات والرسائل النصية، موضحاً أنه مع استخدام الإنترنت المجاني عليها سنكون في هذه الحالة أكثر متابعةً منه.

وحذر أبو هربيد أيضاً من أن استخدام الإنترنت على شبكات الخلوي الفلسطينية غير آمن؛ فباستطاعة أجهزة أمن الاحتلال مراقبة جميع الاتصالات في المنطقة وخصوصاً التي تكون عبر الإنترنت المستخدم على الهواتف المحمولة كون أي جهاز خلوي له رقم تسلسلي ورقم شريحة.

ولفت إلى أن ذلك ساعد أجهزة أمن الاحتلال في متابعة الشباب الفلسطيني عبر بيع شرائح السيلكوم لبعض التجار، مستغلة جهل البعض من الشباب بخطورتها على أمنه الشخصي.

وأوضح أن الشركات الإسرائيلية تستخدم الجيل الثالث والرابع من شرائح الاتصالات، ما يعطي سرعة فائقة لإنترنت الجوال، الأمر الذي أغرى الشباب باستخدام هذا الإنترنت المجاني.

فيروس تجسس

وقال أبو هربيد إن الاحتلال يرفض إعطاء تقنية شرائح الـG3 للشركات الخلوية الفلسطينية حتى تبقى له الأفضلية في قوة الاتصال، وليضمن عدم منافسة الشركات الفلسطينية له.

ولفت إلى أن الشباب عندما يستخدم شرائح السيلكوم فإن ذلك يشبه وضع فيروس تجسس في الجوال الشخصي، فيسهل الوصول إلى البيانات الشخصية والصور الموجودة على الهاتف المحمول.

ونبه أبو هربيد إلى أنه من خلال شريحة الهاتف المحمول يمكن متابعة سكنات وحركات أي شخص في العالم.

إلى ذلك، حذر المختص الأمني أبو هربيد من أن خطورة الشرائح الإسرائيلية تكمن في كونها غير مسجلة لدى الشركات الفلسطينية، فيمكن استغلال هذا الأمر من بعض المجرمين وارتكاب بعض الجرائم عبرها.

اتصالات مكشوفة

بدوره، قال الخبير التقني أشرف مشتهى إنه ولأن تلك الشرائح تابعة لشركات الاتصالات الصهيونية، فذلك يعني أنه لا توجد سرية ولا خصوصية لمستخدمي تلك الشرائح، موضحاً أن جميع الاتصالات ستكون مكشوفة ومتابعة بكل سهولة.

ولفت إلى أن خطورتها تتمثل في إمكانية التنصت على محادثات المستخدم، وإمكانية سرقة المعلومات الموجودة في داخل جهازه الخلوي الذي يستخدمه في عملية الاتصال، وإلى إمكانية تعقب وتتبع المستخدم، إلى جانب تحديد مكان وجوده.

وفي هذا السياق، أكد أن عملية الاختراق لا تتم إلا من خلال برنامج وسيط يزرَع داخل الجهاز الخلوي، مبيناً أن هناك طرقاً ووسائل يمكن من خلالها عملية زرع البرامج الضارة في الجهاز.

وأردف بقوله: مع وجود أجهزة الاتصالات الذكية الحديثة التي يستخدمها معظم حاملي تلك الشرائح اليوم ستكون عملية زرع البرامج الضارة (برامج الاختراق) سهلة ومنتشرة بشكل كبير، حيث تشكل تهديداً خطيراً لمستخدميها، فتصبح تلك البرامج هي الوسيط الذي يمكّن المخترق من إمكانية الوصول للجهاز المستخدم لتلك الشرائح والتطبيقات.

وعدَّ مشتهى أن استخدام شرائح الإنترنت الإسرائيلية يضر بالاقتصاد الفلسطيني بالدرجة الأولى، مشيراً إلى أن استخدامها سيحل محل الخدمات التي تقدمها شركات الاتصالات الفلسطينية المختلفة.

شرائح غير قانونية

وتعدّ وزارة الاتصالات الفلسطينية الجهة الوحيدة المخولة بمنح التراخيص اللازمة لشركات الاتصالات لتعمل بشكل قانوني داخل قطاع غزة.

وفي هذا الصدد، قال المهندس زياد الشيخ ديب مدير التراخيص في وزارة الاتصالات: من أول يوم تم فيه منح ترخيص للشركات الوطنية مثل شركة جوال ووطنية منعت جميع شرائح الشركات الإسرائيلية وحظر تداولها داخل قطاع غزة.

وأردف: خوطبت في حينه وزارة الاقتصاد والنيابة العامة بهذا الخصوص، عادًّا أن تداول الشرائح الإسرائيلية غير قانوني، ويضر بالمصلحة الفلسطينية.

وأوضح الشيخ ديب أنه حُدّدت بعض المعارض والمكاتب التي تبيع الشرائح الإسرائيلية، لافتاً إلى أنهم بلغوهم بعدم قانونية بيعها.

ختاماً، يمكن القول أن قطاع الاتصالات والإنترنت في الأراضي الفلسطينية بشكل عام وفي قطاع غزة بشكل خاص، ليس بمنأى عن المراقبة والاستهداف من أجهزة أمن الاحتلال، إلا أن خطورة الشرائح الإسرائيلية تبرز بشكل أكبر من خلال تبعيتها المباشرة لشركات إسرائيلية وعدم وجود سيطرة عليها من قطاع الاتصالات الفلسطينية، الأمر الذي وجب التعامل معها بكل حذر ومسئولية، لاسيما من الشباب الفلسطيني.

المصدر: موقع وزارة الداخلية والأمن الوطني

 




- انشر الخبر -