عملية القدس ورسائلها السياسية عوني صادق


تم النشر 13 يناير 2017


عدد المشاهدات: 1543

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


انتهى العام 2016 بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الذي استنكر الاستيطان والاحتلال «الإسرائيليين» بصفتهما غير شرعيين. والمعنى الضمني للقرار يعترف بشرعية المقاومة بكل أشكالها. وجاءت عملية الدهس التي نفذها الشهيد فادي نائل قنبر (28 عاماً) من سكان جبل المكبر بالقدس، إيذاناً بافتتاحية قوية للعام الجديد، حاملة معها رسائل أمنية وسياسية للقادة «الإسرائيليين»، وللرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي تعهد بنقل السفارة الأمريكية للقدس داعماً الاحتلال والاستيطان، وكذلك للفلسطينيين المراهنين على «عملية السلام» الفاشلة.

عملية الدهس التي كانت ساحتها حي (أرمون هتسيف) الاستيطاني في القدس، استهدفت تجمعاً للجنود، وأسفرت عن قتل أربعة منهم وجرح 16 آخرين وصفت حالات بعضهم بأنها «حرجة»، ما يعني أن عدد قتلى العملية قد يرتفع. منفذ العملية، الشهيد قنبر، أسير محرر. وكاميرات المراقبة التي وثقت العملية، أظهرت هروب جنود «النخبة» في «الجيش الذي لا يقهر» المدججين بالأسلحة، ما دفع الجيش «الإسرائيلي» لفتح تحقيق في أسباب الهروب الفاضح.

بعد العملية، شنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة امتدت لليوم التالي، وشملت تسعة من عائلة الشهيد، وعدداً آخر من المواطنين، بينهم الأسيران المحرران مهند جابر أبوسل وأحمد عبد الرحمن أبو سل، من مخيم العروب القريب من الخليل. في الوقت نفسه شن المستوطنون حملة أعمال انتقامية استهدفت المواطنين في غير منطقة في الضفة الغربية.

الرسائل التي حملتها العملية الجريئة عديدة؛ أولها وأهمها: عدم جدوى الادعاءات وزعم الجهات «الإسرائيلية» التي ادعت قبل أسابيع بأن "الهبة الشعبية" التي انطلقت في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2015 قد انتهت وتم القضاء عليها، فجاءت العملية الجديدة لتثبت أن "الهبة" مستمرة. في الوقت نفسه، أثبتت العملية فشل كل الإجراءات والاحتياطات الأمنية التي تتخذها، وأن الشباب الفلسطيني المصمم على مواجهة الاحتلال قادر على اختراق كل تلك الإجراءات والاحتياطات الأمنية، خصوصاً أن الشهيد منفذ العملية أسير محرر، أي أنه تحت الرقابة المستمرة.

وعلى المستوى السياسي، كانت العملية ضربة للنهجين المتبعين «إسرائيلياً» وفلسطينياً. فقد أسقطت العملية أوهام نتنياهو الذي يُصِرُّ على أن «الحل» يتحقق بالتجاهل وعبر «التفاهم مع الأنظمة العربية وتطبيع العلاقات معها»؛ حيث أظهرت العملية أنه مهما كان نجاح هذا النهج، فإنه ساقط بفعل ضربات المقاومة. أما فلسطينياً، فقد أظهرت العملية أن نهج المساومة والمفاوضات العبثية لا يعني أولئك الذين نذروا أنفسهم لمواجهة وإنهاء الاحتلال. ولعل الأكثر إضحاكاً في ردود فعل القيادة «الإسرائيلية» على العملية، اتهامها السلطة الفلسطينية بأنها المسؤولة عن العملية بحجة «التحريض» الموجود في المناهج الدراسية! وكأن الفلسطيني الذي يتعرض لكل أنواع الظلم والمهانة والحرمان من سبل العيش، في حاجة إلى أن يقرأ التحريض في الكتب! وكأن كل ما تفعله السلطة الفلسطينية في إطار «التنسيق الأمني» لا يكفي منعاً للتحريض! ودولياً، أظهرت العملية أن إدانة الاحتلال والاستيطان في قرارات لا تساوي في نظر حكام «تل أبيب» أكثر من الحبر على الورق، لا تكفي لوضع حد لغطرسة وتوسّعيّة المستعمرين الصهاينة. وأن دعم وتأييد الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب، وتعهداته قد تحرق السهل كله، لكنها لن توفر الهدوء لأصدقائه الصهاينة.

من أبرز الأدلة على ارتباك رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو وعجزه عن تفسير منع وقوع العملية، أن لجأ إلى الزعم بأن منفذ العملية هو من أنصار «داعش»، في وقت قالت فيه الشرطة إنها «لا تملك أية معلومات عن منفذ العملية»! وسُخْف الطرفين واضح. فتصريح نتنياهو جاء بعد أقل من ساعتين على وقوع العملية، وكان تحقيق الشرطة لم يبدأ بعد، فعن أية أدلة يتحدث؟! أما الشرطة، فكيف لا تملك أية معلومات ومنفذ العملية أسير محرر؟ والجدير بالذكر أن العملية ليست الأولى من نوعها، فقد تكررت عمليات الدهس منذ بداية "الهبة الشعبية" الحالية، لكن عمليات الدهس تعود إلى أيام الانتفاضة الأولى قبل أن توجد «داعش» وتوجد «القاعدة» أيضاً، حيث وقعت أول عملية دهس تم رصدها يوم 18 فبراير/ شباط 1987 ونفذها فلسطيني ضد دورية لحرس الحدود كانت في مخيم عسكر قرب نابلس، وأسفرت العملية عن جرح جنديين، ثم قام الجنود بإعدام المنفذ.

لن تتوقف مقاومة الاحتلال مهما ابتدعت أجهزة الأمن «الإسرائيلية» من سبل، ومهما سنَّ الكنيست من تشريعات، وسيظل في الشعب الفلسطيني من هو مستعد لمقاتلة هذا العدو الغاصب حتى يرضخ للقواعد التي تضعها الشعوب المصرة على الانعتاق والتحرر.

المصدر: الخليج الإمارتية

 




- انشر الخبر -