الذكرى الثامنة لعدوان 2008-2009م / بقلم أ. مهند الأسطل
منذ توقيع اتفاق التهدئة بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي بوساطة مصرية يوم 18 يونيو 2008م، الذي نص على الموافقة على وقف متبادل لكل الأعمال العسكرية، وتحديد ساعة الصفر بدءاً من الساعة السادسة من صباح يوم الخميس الموافق 19/6/2008م، وتكون مدة التهدئة (6شهور) كما اتفق عليه فصائلياً برعاية مصرية في حزيران (يونيو) 2008م، ظلت الحركة على المعابر، كما هي، فبقي معبر رفح مغلقاً 163 يوماً وفُتح جزئياً 20 يوماً، كما ظلّ معبر بيت حانون مغلقاً بالكامل طوال تلك الفترة، فيما أُغلق معبر المنطار في وجه الصادرات والواردات من قطاع غزة وإليه طوال 149 يوماً ، وهذا يدلل على عدم التزام (إسرائيل) باتفاق التهدئة، وبرفع الحصار والسماح بدخول البضائع إلى قطاع غزة.
رفضت حماس تمديد التهدئة، ورهنت (إسرائيل) تمديد اتفاق التهدئة بالتزام حماس بالتهدئة، لكن الأيام الأخيرة من فترة التهدئة صعدّت (إسرائيل) من عدوانها على قطاع غزة، وصولاً إلى شن عدوان كبير على قطاع غزة في 27 كانون أول (ديسمبر) 2008م.
أعلنت (إسرائيل) مجموعة من الأهداف للعدوان على قطاع غزة، من أهمها: اجتثاث المقاومة من غزة وتفكيك بنيتها ونزع سلاحها، واقتلاع سلطة حماس من غزة؛ و(تحرير) الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، ومنع وصول أي سلاح أو ذخيرة لفصائل المقاومة في غزة، ونزع فكرة المقاومة من أذهان الشعب الفلسطيني، وتدمير صمود المجتمع المدني بضرب محطات المحروقات ومخازن التموين.
وفي المقابل وضعت المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام أهدافاً عسكرية دفاعية منذ بداية العدوان، تمثلت بالاحتفاظ بالسلطة في قطاع غزة بيد حماس، والمحافظة على بنية المقاومة وتنظيماتها وقدراتها العسكرية قدر الإمكان للقيام بعمليات عسكرية ميدانية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومنع قوات الاحتلال من الوصول إلى مخبأ الأسير جلعاد شاليط.
بداية العدوان:
بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي أعنف موجة من القصف في تاريخ قطاع غزة، في ساعات ما قبل الظهر يوم السبت الموافق 27 كانون أول (ديسمبر) 2008م، بسلسلة من الطلعات الجوية مستهدفة جميع مراكز الشرطة والأمن ومقرات القيادة بضربة واحدة في أنحاء القطاع، حيث بدأت الساعة 11:30 صباحاً حيث ألقت أكثر من 50 طائرة من طراز إف 15 وإف 16 حوالي 100 قنبلة وصاروخ على 50 هدفاً في قطاع غزة خلال 3 دقائق فقط؛ أسفرت عن استشهاد 334 فلسطينياً، منهم 238 شرطياً، بمن فيهم قائد جهاز الشرطة في غزة اللواء توفيق جبر، لكن المواطن الغزي استطاع أن يمتص الضربة الجوية الأولي، ويصمد في وجه العدو الإسرائيلي، برغم من ارتفاع عدد الشهداء والجرحى في اليوم الأول.
واستمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي أسبوعاً كاملاً في العملية الجوية قبل البدء في عمليتها البرية، التي بدأت في 3 كانون ثان (يناير) 2009م بدخول الدبابات عبر معبري المنطار وبيت حانون، ومطار غزة الدولي، وباشرت تلك القوات بتقسيم قطاع غزة إلى عدة مناطق وتقدمت مئات الأمتار في داخل نطاق الأحياء السكنية على مستوى محافظات القطاع، منتهكة بذلك وبشكل متعمد قواعد القانون الدولي الإنساني، التي توفر الحماية للمدنيين وممتلكاتهم في وقت الحرب، وتزامن ذلك مع تجاهل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وبكل استهتار وصلف، لكل الدعوات الدولية، والرسمية، والشعبية، التي اجتاحت العالم مطالبة إياها بوقف العدوان.
وذكر ضابط رفيع في سلاح الجو الإسرائيلي لم يُذكر اسمه، أن المروحيات المقاتلة قامت بـ 1500 غارة على أهداف في قطاع غزة، وأطلقت ألف صاروخ من نوع هيلفير Hellfire وعوريف Orev.
وجاء في تقرير أول بعثة طبية بريطانية مستقلة وصلت قطاع غزة بعد انتهاء العدوان، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ألقت على قطاع غزة خلال العدوان، نحو 1.5 مليون طن من المتفجرات، مما يدلل على إجرام قوات الاحتلال الإسرائيلي، وحرصها على قتل المواطنين الفلسطينيين.
في المقابل كان للمقاومة الفلسطينية دورٌ كبيرٌ في الدفاع عن أبناء شعبها، فقد ذكرت كتائب القسام أنها تمكنت من قتل 49 جندياً صهيونياً بشكل مباشر ومئات الجرحى، خلال عملياتها للتصدي للعدوان، وكما حققت بعض الإنجازات العسكرية منها: استمرار إطلاق الصواريخ خلال العدوان الإسرائيلي، واتساع مدى أهدافها من خلال استخدام عدد كبير من الصواريخ بعيدة المدى، وامتلاك قوة ردع ودفاع ناجحة حيث أن (إسرائيل) لم تتمكن من احتلال كل قطاع غزة، كما نجحت المقاومة في التكيف مع الظروف المتغيرة على أرض المعركة، والنجاة كمنظمة مع سلامة معظم قيادتها.
قرار وقف العدوان:
أعلن رئيس وزراء (إسرائيل) ايهود أولمرت بتاريخ 17 كانون ثان (يناير) 2009م، وقف العدوان على قطاع غزة من طرف واحد، وذلك بعد اجتماع مطّول لمجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر، وقال أولمرت: إن (إسرائيل) ستوقف إطلاق النار في الساعة 2:00 صباحاً من فجر يوم الأحد 18 كانون ثان (يناير) 2009م.
ومن جانبها أطلقت فصائل المقاومة الفلسطينية عدداً من الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة، ثم أعلنت صباح اليوم التالي 18 كانون ثان (يناير) 2009م، وقف إطلاق النار، في خطوة رمزية تهدف إلى إثبات أن وقف إطلاق النار لم يكن متبادلاً، وإنها هي التي قالت الكلمة الأخيرة، وأن قوات الاحتلال لم تستطع فرض شروطها.
بذلك انتهى العدوان على قطاع غزة في 18 كانون ثان (يناير) 2009م، بعد 22 يوماً من القصف والتدمير؛ خلّف دماراً غير مسبوق في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة.