الله سبحانه المتحبب إلينا القريب منا: لفضيلة الشيخ ياسين الأسطل


تم النشر 20 ديسمبر 2016


عدد المشاهدات: 1762

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً{70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً{71} }الأحزاب .أما بعد : فان أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ، أيها المؤمنون ، يا عباد الله :

 

{الله سبحانه المتحبب إلينا القريب منا }

 

إننا - من رحمة الله تعالى بنا- في آلاء ربنا نَتَقَلَّبُ ، شكر منَّا من شكر ، وكفر بربنا سبحانه من كفر ، لا يبتغي جل وعلا من العباد جزاءً ولا نوالا فهو الغني ، ولا يخاف نقصاً ولا يرجو كمالا فهو القوي ، وإنما الإنعامُ منه توددٌ إلى عباده وتحبب ، فهو السميع العليم ، وهو الكريم الرحيم ، خلقنا وهو سبحانه الأعلمُ بما خلق ، ورزقنا وهو الأحصى سبحانه لما أنعمَ ورزق ، لا يخفى عليه من أمورهم شيء ، فالله تقدست أسماؤه ، هو الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ، وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ، فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ، والله جل شأنه منا ومن خلقه قريب ، فلنتقرب إليه سبحانه وتعالى ، ودلائلُ قربه قائمة ، والآيات الحكيمة العديدة والأحاديث الصحيحة السديدة شاهدة :

* ففي سورة البقرة جاء قوله تعالى :{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) } .

وفي سبب نزول هذه الآية جاء في تفسير ابن كثير وهو في لباب النقول للسيوطي رحمهما الله وهذا سياق الإمام ابن كثير : 

( قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن المغيرة، أخبرنا جرير، عن عبدة بن أبي برزة السِّجستاني عن الصَّلْت بن حَكيِم بن معاوية بن حيدة القشيري، عن أبيه، عن جده، أن أعرابيًا قال: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}) اهـ.

وفي الصحيح وهو عند النسائي في الكبرى وأحمد قال البخاري رحمه الله :

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

" يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ " ) اهـ .

* وفي سورة الأعراف قال جلت حكمته :{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)}.

وفي مجموع الفتاوى قال ابن تيمية رحمه الله : ( ..وَقَالَ تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ مَعَ عُلُوِّهِ عَلَى عَرْشِهِ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ فَلَا يَمْنَعُهُ عُلُوُّهُ عَنْ الْعِلْمِ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ . وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ " الْأَوْعَالِ " الَّذِي فِي " السُّنَنِ { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ وَيَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ } وَلَمْ يَأْتِ فِي لَفْظِ الْقُرْبِ مِثْلُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ : هُوَ فَوْقَ عَرْشِهِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ؛ بَلْ قَالَ : { إنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } وَقَالَ : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } ) اهـ.

وقال رحمه الله : {وَإِنَّمَا اُخْتُصَّ أَهْلُ الْإِحْسَانِ بِقُرْبِ الرَّحْمَةِ لِأَنَّهَا إحْسَانٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ وَإِحْسَانُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا يَكُونُ لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ وَكُلَّمَا أَحْسَنُوا بِأَعْمَالِهِمْ أَحْسَنَ إلَيْهِمْ بِرَحْمَتِهِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْإِحْسَانِ فَإِنَّهُ لَمَّا بَعُدَ عَنْ الْإِحْسَانِ بَعُدَتْ عَنْهُ الرَّحْمَةُ بُعْدٌ بِبُعْدِ وَقُرْبٌ بِقُرْبِ فَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيْهِ بِالْإِحْسَانِ تَقَرَّبَ اللَّهُ إلَيْهِ بِرَحْمَتِهِ وَمَنْ تَبَاعَدَ عَنْ الْإِحْسَانِ تَبَاعَدَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَحْمَتِهِ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَيُبْغِضُ مَنْ لَيْسَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ وَمَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ فَرَحْمَتُهُ أَقْرَبُ شَيْءٍ مِنْهُ وَمَنْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ فَرَحْمَتُهُ أَبْعَدُ}اهـ .

وقال الإمام السعدي في كتابه[بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار ]  : ({ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف : 56 ] أي المحسنين في عبادة الله ، المحسنين إلى عباد الله .) اهـ .

إخوة الإسلام والإيمان ، ومن الآيات في ذلك :

* قوله سبحانه في سورة هود:{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)}.

* وفي سورة سبأ : {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50)}.

* وفي سورة الإسراء : {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)}.

* وفي سورة ق : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) }.

* وفي سورة الواقعة : {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) }.

و قال البخاري في الصحيح:

( حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ قَالَ : ( كَانَ ابْنٌ لِبَعْضِ بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا ، فَأَرْسَلَ : " إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى ، وَكُلٌّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ " . فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ فَأَقْسَمَتْ عَلَيْهِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُمْتُ مَعَهُ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَلَمَّا دَخَلْنَا نَاوَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبِيَّ وَنَفْسُهُ تَقَلْقَلُ فِي صَدْرِهِ حَسِبْتُهُ قَالَ كَأَنَّهَا شَنَّةٌ ، فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : أَتَبْكِي ؟!.. فَقَالَ: " إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ " .

وأخرج الإمام مسلم أبو داود والنسائي في سننه والإمام أحمد في المسند اللفظ لمسلمٍ قال: وحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

" أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ " .

عباد الله ، يا إخوة الإسلام  : ألا يجدر بنا أن نلتفت إلى الله وهو القريب منا الغني عنا بأن نتقرب إليه بالأعمال الصالحات وأعلاها وأجلها توحيده مع التعظيم والتمجيد له ، وكذا رحمة عباده ، والإحسان إليهم ، فعليك يا من توليت من أمر العباد ما توليت القبول منهم ، والتجاوز عنهم ، يتقبل الله منك ، ويتجاوز عنك ، أو ترد إليهم أمانتهم ، إن أنت لم تقم فيما بين يديك مما توليت بأمر الله وفق السُنَّة والهدى ؛ فإن ركبت مركب الشبهة والهوى فأنت مجزي بين يدي ربك عاجلاً أو آجلاً أو على الحالين ، واعلم أن الجزاء من جنس العمل ، كما تدين تدان ، وما تزرعه اليوم تحصده غدا، يسلط الله عليك من يسلب منك من الولاية ما استلبت ، إذ لم تقم فيها بالقسط ، فتقسم بالسوية ، وتجزل في العطية ، وتعدل في الرعية ولا يلومنَّ مقصرٌ إلا نفسه  ، فلنطع يا قومنا ولي أمرنا ، ولنرص وإياه صفوفنا ، ولنقم بالعبادة معتصمين بحبل الله جميعاً بين يدي ربنا ، ولنجمع على الهدى كلمتنا ، ولنصلح ذات بيننا ، بما هو سبيل السنة والكتاب ، وما عليه التابعين والأصحاب بعيداً عن القيل والقال وكثرة السؤال ، ليصلح لنا وبنا كل الأحوال ، وننفي عن أنفسنا معرة

هذا الاحتلال والاختلال .

اللهم سبحانك أنت الغني ونحن الفقراء ،فأغن اللهم فقرنا ، أنت القوي ونحن الضعفاء ،فارحم ربنا ضعفنا ، واجبر كسرنا ، ويسر أمورنا ، واشرح للإسلام صدورنا ، ندعوك سميع الدعاء ، مجيب الرجاء ، رب العالمين ، يا أرحم الراحمين ، لا يعجزك شيء ، أنت القادر على كل شيء ، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين .

أيها المؤمنون يا عباد الله : أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين .

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله - سبحانه - ما طرفت عين ، فهو المستحق - وحده - لا مَيْن ، والصلاة والسلام على صاحب الوَحْيَيْن ، رسول الله إلى الثقلين ،  محمد بن عبد الله كريم الأصلين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا في أسمائه ولا في صفاته ، ولا في ألوهيته ولا في ربوبيته ، بفضله جل وعلا قامت السماوات والأرض ، وبرحمته عز جنابه صلحت الدنيا والآخرة ، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، أما بعد :

أيها المسلمون ، يا عباد الله :  إن الله يفرح بمن تقرب إليه ناصحاً تائبا ، وإن ألم من الذنوب بما ألم ، وركب من الآثام البحر الخضم ، روى مسلم في الصحيح قال : (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ عَمُّهُ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

 " لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ - حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ - مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ، فَأَيِسَ مِنْهَا ، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ - مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ - :  [ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ ] أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ " ) اهـ .

روى الإمام أحمد والدارمي والسياق لأحمد في مسنده قال :

 (حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

" يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا أَوْ أَزِيدُ ، وَمَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَجَزَاؤُهَا مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ ، وَمَنْ عَمِلَ قُرَابَ الْأَرْضِ خَطِيئَةً ثُمَّ لَقِيَنِي لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا جَعَلْتُ لَهُ مِثْلَهَا مَغْفِرَةً ، وَمَنْ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَمَنْ اقْتَرَبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) اهـ .

وروى الإمام أحمد ومسلم في الصحيح واللفظ له قال :

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا " اهـ .

 

هداني وإياكم بالقرآن كتاب الله العظيم ، والحكمة سنة النبي العربي الكريم ، ألا وصلوا على البشير النذير ، و البدر السراج المنير ، سيد الأولين والآخرين ، وقائد الغر المحجلين ، فقد أمركم سبحانه بذلك أمراً بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته فقال في سورة الأحزاب :{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) } ، اللهم صل وسلم ، وبارك وأنعم ،على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك ومنك وكرمك، يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام و المسلمين ، واحم حوزة الدين ، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما ، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروما ، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوما ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم اهد التائهين ، واغفر للمذنبين ، ورد الضالين ، اللهم تب على العصاة من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم الخطائين المخطئين ، وارحم اللهم عبادك أجمعين ، اللهم إنا نستعيذ بك من شرور أهل الشرك والفساد ، والكفر والعناد ، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ،  اللهم أعزنا ولا تذلنا ، اللهم ارفعنا ولا تضعنا ، اللهم أغننا ولا تفقرنا ، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا ، اللهم خذل لنا ولا تخذلنا ، اللهم ربنا يا الله إنا نسألك مما سألك منه نبيك محمدٌ صلى الله عليه وسلم  وعبادك الصالحون ،ونستعيذك مما استعاذك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون ، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ، وأجدادنا وجداتنا ، وأزواجنا وأبنائنا وبناتنا ، وأعمامنا وعماتنا ، وأخوالنا وخالاتنا ، وأقربائنا وقريباتنا ، وجيراننا وجاراتنا، وجميع المسلمين يا -رب العالمين ، اللهم ربنا وفقنا لما تحب وترضى ، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك ، ولا تجعلها فيمن نابذك وعصاك ، اللهم احفظ ولي أمرنا بحفظك الأئمة المسلمين ، وارعه برعايتك أوليائك المتقين ، واشمله بنصرك وتأييدك السابقين الأولين ، اللهم وفقه وإخوانه ولاة أمر المسلمين وخذ بأيديهم لسياسة الدنيا وحراسة الدين ، وارزقهم البطانة الصالحة التي تأمرهم بالخير وتحثهم عليه ، وجنبهم البطانة السيئة التي تأمرهم بالشر وتحثهم عليه ، اللهم يا الله نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعل لنا خير الآخرة والأولى ،برحمتك يا أرحم الر احمين ، وصل اللهم وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين .

الاستماع للخطبة 

حمل الملف المرفق



- انشر الخبر -