وجوب القيام على الجيل لتحقيق مَثَلِهم في الإنجيل د. يونس الأسطل


تم النشر 18 ديسمبر 2016


عدد المشاهدات: 1580

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


وجوب القيام على الجيل لتحقيق مَثَلِهم في الإنجيل

في رحاب آية 

د. يونس الأسطل 

( وجوب القيام على الجيل لتحقيق مَثَلِهم في الإنجيل ) 

[رمز] مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا  [رمز] 

الفتح (29) 

لا زال الحديث موصولاً عن ضرورة الاهتمام بالوِلْدان والغِلْمان، هذا الجيل الذي لم يدركْ مرحلة الابتلاء في سجون السلطة، ولا اكتوى بنيران الفلتان، ولم يكن مُتَفَتِّحاً في حرب الفرقان، ولذلك فإن ظاهرة هجر الصلاة فيهم بارزة، فضلاً عن التأثر بمظاهر الغزو الثقافي والأخلاقي؛ بحكم الانفتاح على العالم بواسطة الفضائيات من ناحية، وبوسائل التواصل الاجتماعي من ناحيةٍ أخرى، فضلاً عن مَسْخِ المناهج الدراسية إلى حدٍّ كبير؛ سمعاً وطاعة لمطالب الاحتلال وفق التعاون الأمني، ولتنشئة الجيل على القبول بشرعية الاحتلال، والتخلي عن مقاومته، وربما التطبيع معه؛ كما فعل أزلام أوسلو؛ إسرافاً وبِداراً أن تستحوذ الحركة الإسلامية على غالبية الشعب الفلسطيني. 

إن آية المقال تخبر عن مَثَلِنا في التوراة، وصِفَتِنا في الإنجيل، قبل أن نُوجَدَ بمئات السنين، فإذا بالتوراة تذكر نُعُوتَ جيل الآباء والقادة، وأما الإنجيل فهو يتحدث عن الأجيال الجديدة من الصبيان والأشبال، وهي تنصرف إلى الصحابة ابتداءً، ثم تنسحب على الذين اتبعوهم بإحسان. 

فأما صِفاتُنا في التوراة؛ فهي أننا أشداءُ على الكفار؛ بحيث إذا ثَقِفْناهم في الحرب شَرَّدْنا بهم مَنْ خلفهم بالإثخان والغِلظة، ثم إننا رحماء بيننا، فنحن أذلةٌ على المؤمنين، نخفض جناحنا للمؤمنين، ويحبُّ أحدنا لإخوانه ما يحبُّ لنفسه، وقد يؤثرهم على نفسه، ولو كان به خصاصة. 

ثم ركزت الآية على الصلاة، فذكرت عِشْقَنا لها، حتى لكأنما كلما رأيتنا وجدتنا رُكَّعاً سُجَّداً، طالبين بذلك فضل الله ورضوانه، فأما الفضل فهو الجنة، وأما الرضوان فهو أكبر من نعيم الجنة، إذْ فيها من النعيم النفسي بالشعور بالرضا المتبادل مع الله، ما لا يُضاهيه فاكهةٌ مما يتخيَّرون، ولا لحمُ طيرٍ مما يشتهون، ولا حورٌ عينٌ كأمثال اللؤلؤ المكنون. 

وإن أمارة كثرة الركوع والسجود أن تكون سيماهم في وجوههم من أثر السجود، فملاحة الإيمان، وبهجة الطاعة، يتميز بها المؤمنون، بخلاف الذين يُدْعَوْنَ إلى السجود وهم سالمون، فلا يسجدون، كما أنهم إذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون، أولئك الذين ترهقهم قترة، كأنما قُدَّتْ وجوههم من البلاستيك القاتم المُعْتِم، أو أُغشيت قِطَعاً من الليل مظلماً. 

وأما مَثَلُنا في الإنجيل فهو قيامنا على براعمنا الجديدة؛ لنؤازرها بالتغذية على العقيدة الصحيحة، والأخلاق الحسنة؛ ليكونوا مِثْلَ جيل التأسيس، فما تلبثُ أن تستغلظ، وتستويَ على سُوقها، وهم بعدُ في سنٍّ مبكرة؛ حيث يكونون في مصافِّ الرجال وَعْياً وهمةً، وأمثالهم في المراهقة يرتعون ويلعبون، ولعل أهمَّ ما يؤهلهم لذلك هو تنشئتهم على الصفات الواردة لنا في التوراة، ومنها الإكثار من الصلاة والسُّجود، وهي رمز قوة الإيمان بالله، والتجرد للآخرة، ما داموا يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، سيماهم في وجوههم من أثر السجود. 

إن الإيمان بالله واليوم الآخر هو أكبر دافع للاستمساك بالذي أُوحِيَ إلينا، وأكبر محرِّض على القتال، إذْ ليس البِرَّ أن تولوا وجوهكم قِبَلَ المشرق والمغرب، ولكنَّ البرَّ من آمن بالله واليوم الآخر مع بقية أركان الإيمان، وكان من آثاره أنه آتى المال على حُبِّه ذوي القربى، واليتامى، والمساكينَ، وابن السبيل، والسائلين، وفي الرقاب، زيادةً على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والوفاء بالعهد، والصبر في البأساء والضراء وحين البأس، كما أنك لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوادُّونَ من حادَّ الله ورسوله، ولو كانوا آباءهم، أو أبناءهم، أو إخوانهم، أو عشيرتهم، ومن كان على هذه الدرجة من الولاء والبراء فقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، كما كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة، وإن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر هم الذين إنْ تنازعوا في شيءٍ رَدُّوه إلى الله والرسول، وهم الذين يعمرون مساجد الله، وهم الذين لا يَعْضُلُون النساء أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف، حتى لو خرجن من العدة في الطلاق الرَّجْعي، ما لم تقع الطلقة الثالثة، وحتى في العقوبات؛ فإن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر لا تأخذهم بالمحدودين رأفةٌ في دين الله. 

فإذا جئنا للجهاد؛ فإنه لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، وارتابت قلوبهم، فهم في ريبهم يترددون. 

ومن عجبٍ أن آية المقال قد جاءت بعد إخبار الله عزَّ وجلَّ أنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، وهذا يعني أن الفائزين بشرف تحقيق هذا الوعد الصادق هم المتحققون بِمَثَلِ التوراة، الساهرون على الجيل الجديد لتحقيق مَثَلِهم في الإنجيل؛ إيماناً بالله واليوم الآخر، يتجلَّى في الشدة على الكفار، والتراحم بيننا، وفي النَّهم في الصلاة نهماً ينعكس في جمال الوجوه وحُسْنها، ومن كانوا كذلك فقد وعد الله الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات مغفرةً وأجراً عظيماً، فضلاً عن الاستخلاف، والأمن، والتمكين. 

 

ومَنْ أحسنُ من الله صِبغةً، ونحن له عابدون

 




- انشر الخبر -