سأتطرق في هذه المناسبة لهذا الحدث الوطني الكبير في مقالتين، الأولى: نشأة حركة الإخوان المسلمين في فلسطين، والثانية: حماس وتطورها خلال 3 عقود الماضية.
لم يكن يوم 14/12/1987 الإعلان عن انطلاق حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الذي حمله البيان الأول، وإنما شكل انعطافة جديدة لتاريخ هذه الحركة التي بدأت نشاطها الفعلي على أرض فلسطين منتصف الثلاثينيات إبان الاحتلال البريطاني من القرن الماضي. فقد عَرفت الحركة نفسها منذ البداية "جناح من أجنحة حركة الإخوان المسلمين في فلسطين".
كما أشارت التسمية إلى أن "حماس" هي أحد أشكال المقاومة التي قرر الإخوان المسلمون الفلسطينيون تبنيها ضمن تاريخهم الطويل والممتد في العمل الشعبي الاجتماعي والتربوي الدعوي المقاوم في فلسطين، وهي استمرار للشُعَب الأولى التي تشكلت في القدس وقادها النائب الشيخ صبري عابدين وشعبة حيفا التي كان يرأسها الشيخ محمود أفندي النحيلي والشيخ فهمي الأغا الذي قاد شعبة خانيونس، وبيسان الذي قاد الشعبة فيها الشيخ محمد فخر الدين، وغزة الشيخ عمر صوان، ورفح بقيادة الشيخ رشاد الشريف، كما امتد التواجد الإخواني في مدن يافا وعكا والمثلث والجليل.
وتؤكد وثائق حركة الإخوان المسلمين مشاركة رجال الحركة في فلسطين في معارك عام 1935 مع القائد الشهيد الشيخ عز الدين القسام الذي كان على صلة دائمة وتنسيق معهم ومع الشيخ الشهيد المؤسس حسن البنا الذي تواصل بدوره مع مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني مؤكدًا تأييده ووقوفه الثابت مع هبة البراق عام 1929 بعد عام واحد من تأسيس الحركة الأم في الإسماعيلية عام 1928.
كما أرسل الشيخ حسن البنا بعدد من رفاقه من قيادة الحركة في مصر لشد أزر إخوانهم في حركة الإخوان المسلمين في فلسطين ومشاركتهم في الثورة الشعبية التي حملت السلاح وامتدت إلى كل أرجاء الوطن التي حفلت بمعارك دموية في معظم المدن والقرى في مواجهة القوات البريطانية والعصابات الصهيونية، وقد سقط العديد من أبطال الحركتين شهداء دفاعا عن أرض الرباط التي اعتبرها الشهيد البنا واجبًا تفرضه العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة والأخوة الكاملة والأحكام العادلة والجهاد في سبيل الله، وأكد على ضرورة واجب إعداد جيش مستعد في البر والبحر يصون أحكام الإسلام ويحمي دولته، فقضية فلسطين هي في صميم قلب كل مؤمن، وإليها تهوى الأفئدة، وتحن القلوب، وتهفو الأرواح، فهي مهد المسيح وفيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.
لقد حملت حركة الإخوان المسلمين في جناحها الفلسطيني ومنذ البدء واجب الدفاع عن عروبة فلسطين في المعارك التي امتدت حتى عام 1948، وقد اجتمعت وحداتهم العسكرية مع أشقائهم في حركة الإخوان المسلمين من الدول العربية، وقد جاء على رأس قوة عسكرية من العراق المراقب العام للحركة الشيخ محمود الصوان، ومن الأردن المراقب العام الشيخ محمد أبو فورة، ومن سوريا ولبنان المراقب العام د. مصطفى السباعي، ومن مصر قوة كبيرة وعلى رأسها أحد قادة الحركة الشيخ محمود عبده.
كما أن قائداً مصرياً آخر هو البطل أحمد عبد العزيز الذي كان يقود مجموعة أخرى كانت في جلها من مجاهدي حركة الإخوان المسلمين إلى جانب وحدة ثالثة جاءت في مرافقة الشيخ المؤسس الشهيد حسن البنا الذي جاء إلى فلسطين في آذار عام 1948 قبيل إعلان قيام دولة المستوطنين في فلسطين في أيار 1948.
لقد تضافرت جهود هؤلاء جميعاً في مواجهة المجازر الدموية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية وبتواطؤ النظام العربي الرسمي الذي أرسل وحداته العسكرية إلى فلسطين بأمر من الخارجية البريطانية لتنفيذ مهمة ذات بعدين: أولاها الحفاظ على حدود التقسيم والتي أعطت الصهاينة ما مساحته 56% من الوطن الفلسطيني ففشلت القوات العربية في ذلك فتمددت العصابات الصهيونية لتحتل 78.4% من الأرض، وهو ما يوازي ما كانت قد اغتصبته بالدعم الاحتلالي البريطاني بما مقداره 11 ضعفاً، ومهمة الجيوش العربية الثانية كانت مصادرة سلاح المجاهدين الفلسطينيين، وقد حققت في ذلك نجاحاً كبيراً تحت دعاوى أنها قدمت لتحرير فلسطين!!
لقد كانت الوحدات الإخوانية المقاتلة التي تداعت ووصلت إلى أرض المعركة إبان المواجهات المحتدمة دفاعا عن عروبة فلسطين هي الوحدات المنظمة الوحيدة التي قابلت وأبلت بلاء حسنا وقدمت عديد الشهداء، وكان للدور المساند الذي لعبه القائد الأردني المرحوم عبد الله التل في لواء القدس أبرز الأثر وبالتعاون مع وحدات الشهيد أحمد عبد العزيز وقوات الإخوان المسلمين الأخرى في هزيمة القوات الصهيونية وتحرير القسم الشرقي من مدينة القدس بعد معارك طاحنة قتل وجرح وأسر فيها المئات منهم.
إن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وهي تحتفل اليوم بذكرى انطلاقتها المتجددة في 14/12/1987 إنما تستعيد أمجاد هذا التاريخ الحافل المجيد الذي يعطي للثورة الفلسطينية دماء أصيلة متجذرة تمتد عميقًا في أسفار الجهاد الخالدة وتشكل ضمانة للاستمرار المؤكد والمنتصر.