إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71) }الأحزاب .
أما بعدُ، فإن أصدق الحديث كتابُ اللهِ، وخيرَ الهَدْيِ هَدْيُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمورِ مُحْدَثَاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار، وبعد ، أيها المسلمون :
{ محمد رسول الله والذين معه - صلى الله عليه وسلم- }
محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والذين معه ، هم خير البرية طُرَّا ، أعلاها عند الله ذكرا ، وأعظمها في البلاد والعباد أثرا ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، جعلنا الله وإياكم معهم ، وسلكنا في سبيلهم ، فمن سار على الدرب وصل ، ومن تطلع لرزق الله بأسبابه حصل ، فابتغوا عند الله الرزق ، لا سيما التقوى فمن اتقى فقد أحسن الله له رزقا ، وليكن الصدق والأمانة لكم شعارا ، والتسديد مع المحبة لكم دثارا ، ومن أحب قوماً حشر معهم ، لأن المحب الصادق الأمين يطلب دوماً مرضاة الحبيب ، لا يهتم لمال ولا جاه ، ولا يعمل لأجل دنياه ، ويتبع هدى الله مولاه ، لا ما يدعوه إليه هواه ، صدقاً من قلبه ، ورضاءً من نفسه ، وطمأنينةً من قلبه ، انظروا أيها الكرام هذا حال راعي غنم خالط الإيمان مشاش قلبه ، روى النسائي عن شداد بن الهاد :
( أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، فآمن به واتبعه ، ثم قال : " أهاجر معك " . فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه ، فلما كانت غزوةٌ ، غنم النبي صلى الله عليه و سلم سبيا ، فقَسَم وقَسَم له ، فأعطى أصحابه ما قسم له ، وكان يرعى ظهرهم ، فلما جاء دفعوه إليه ، فقال ما هذا؟! قالوا : قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذا ؟ قال "قسمته لك " ، قال : ما على هذا اتبعتك ، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة . فقال: " إن تصدق الله يصدقك " ، فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو فأتى به النبي صلى الله عليه و سلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " أهو هو ؟! " قالوا : نعم . قال : " صدق الله فصدقه " . ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه و سلم ، ثم قدمه فصلى عليه فكان فيما ظهر من صلاته : " اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا أنا شهيد على ذلك " .
قال الشيخ الألباني : صحيح .
اللهم صل على نبيك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه الصلاة الأوفى ، وبارك عليه وعليهم وسلم السلام الأتم الأَولى ، وفقنا ربنا باتباعه - صلى الله عليه وسلم - لنيل محبتك ، والنجاة من نارك ، ودخول جنتك ، إنك أنت السميع العليم ، البر الرحيم .
عباد الله ، أيها المسلمون :
محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والذين معه ، وصفهم جل شأنه في التوراة والإنجيل وذكر هذا الوصف في القرآن في سورة الفتح فقال:
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً(29) } .
وفي سنن الدارمي روي أبو صالح - عن كعب الأحبار وهو حبرٌ يهوديٌ أسلم زمن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه- قال:قال كعب نجده مكتوبا :
( محمدٌ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، لا فظٌّ ، ولا غليظٌ ، ولا سَخابٌ بالأسواق ، ولا يجازي بالسيئة السيئة ؛ ولكن يعفو ويغفر ، وأمته الحمادون ، يكبرون الله عزوجل على كل نجد ، ويحمدونه في كل منزلة ، ويتأزرون على أنصافهم ، ويتوضؤن على أطرافهم ، مناديهم ينادي في جو السماء ، صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء ، لهم بالليل دويٌ كدوي النحل ، ومولده بمكة ،ومهاجره بطيبة ، وملكه بالشام )اهـ .
ولما كان قيام الليل دأب الصالحين ، وسبيل العابدين ، وديدن الأواهين ، بين يدي مولاهم ، يأنسون بنجواهم ، وهم في ذلك ألذ من أهل الهوى في هواهم ، ويرحم الله من قال : (لأهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ) اهـ ..لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل ويصلي بهم بطائفة منهم كما قال سبحانه في سورة المزمل :
{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20)}. وهكذا من جاء من بعد النبي صلى الله عليه وسلم وإلى اليوم يبتغون سبيل العبادة الصحيحة على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكريم رضوان الله عليهم ، فالخير كل الخير في اتباع من سلف ، والشر كل الشر في ابتداع من خلف ، روى البيهقي في سننه الكبرى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ :
( انْطَلَقْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْوِتْرِ فَقَالَ : أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ بِوَتْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ قُلْتُ : مَنْ؟ قَالَ : عَائِشَةُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا فَأْتِهَا ، فَسَلْهَا ثُمَّ أَعْلِمْنِى مَا تَرُدُّ عَلَيْكَ. قَالَ : فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهَا فَأَتَيْتُ عَلَى حَكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ فَاسْتَصْحَبْتُهُ ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى عَائِشَةَ فَاسْتَأْذَنَّا فَدَخَلْنَا فَقَالَتْ : مَنْ هَذَا؟ قَالَ : حَكِيمُ بْنُ أَفْلَحَ. فَقَالَتْ : مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قُلْتُ : سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ. قَالَتْ : وَمَنْ هِشَامٌ؟ قُلْتُ : ابْنُ عَامِرٍ. قَالَتْ : نِعْمَ الْمَرْءُ كَانَ عَامِرٌ ، أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ. قُلْتُ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِى عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَتْ : أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ قُلْتُ : بَلَى. قَالَتْ : فَإِنَّ خُلُقَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ الْقُرْآنَ. قَالَ : فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ فَبَدَا لِى فَقُلْتُ : أَنْبِئِينِى عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَتْ : أَلَسْتَ تَقْرَأُ ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) قَالَ قُلْتُ : بَلَى. قَالَتْ : فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ الْقِيَامَ فِى أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ حَوْلاً حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ ، وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَىْ عَشَرَ شَهْرًا فِى السَّمَاءِ ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ التَّخْفِيفَ فِى آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ ، وَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ. قَالَ : فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ فَبَدَا لِى وِتْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِى عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَتْ : كُنَّا نُعِدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ يَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ ، ثُمَّ يُصَلِّى تِسْعَ رَكَعَاتٍ لاَ يَجْلِسُ فِيهِنَّ إِلاَّ عِنْدَ الثَّامِنَةِ ، فَيَدْعُو رَبَّهُ وَيُصَلِّى عَلَى نَبِيِّهِ ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلاَ يُسَلِّمُ ، ثُمَّ يُصَلِّى التَّاسِعَةَ فَيَقْعُدُ ، ثُمَّ يَحْمَدُ رَبَّهُ وَيُصَلِّى عَلَى نَبِيِّهِ ، وَيَدْعُو ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً يُسْمِعُنَا ، ثُمَّ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ ، فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَىَّ ، فَلَمَّا أَسَنَّ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَخَذَ اللَّحْمَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ ، وَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ يَا بُنَىَّ ، وَكَانَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا ، وَكَانَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا غَلَبَهُ قِيَامُ اللَّيْلِ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ، وَلاَ أَعْلَمُ نَبِىَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِى لَيْلَةٍ ، وَلاَ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ وَلاَ صَامَ شَهْرًا قَطُّ كَامِلاً غَيْرَ رَمَضَانَ. فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْتُهُ بِحَدِيثِهَا فَقَالَ : صَدَقَتْ ) اهـ .
اللهم اجعلنا مع الصادقين ،ووفقنا لنكون من المخلَصين ، اللهم آمين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله بما هو أهله من المحامد ، والصلاة والسلام على المبعوث بأتم وأعلى المقاصد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ولا ولدٌ ولا والد ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم والتابعين الأماجد ، وبعد ، عباد الله يا إخوة الإيمان :
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من أولئك القوم الذين صدقوا الله ما عاهدوه عليه ، وبه سبحانه نعيذ أنفسنا وأنفسكم أن نكون من أولئك الخلوف الذين بدلوا وغيروا ، وخرجوا عن الصراط وأخرجوا ، وابتدعوا في دينهم ما خالفوا الأولين والآخرين من المؤمنين الصادقين ، فقد قال سبحانه في آل عمران:
{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) }.
روى مسلم بسنده عَنْ أَبِى رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِى أُمَّةٍ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ ». والسلف رضي الله عنهم ومن اتبعهم بإحسان إلى يومنا هذا في ذلك يجاهدون بالعلم والدعوة إلى الله أهل الأهواء والجهل والضلال والنفاق سواءً النفاق الاعتقادي أونفاق العمل ممن يصر على مخالفة الكتاب والسنة وسبيل المؤمنين بلا دليل ولا حجة إلا اتباع الهوى ، وتحريف وتأويل الأدلة من الكتاب والسنة على غير وجهها المشروع والمنقول عن أهل العلم من السلف والخلف منذ عهد النبي صلي الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا.
وسلف أولئك القوم الذين بدلوا وغيروا هم المنافقون والزنادقة ، الذين اعترضوا على نبي الله صلى الله عليه وسلم ، كما في قصة الرجل غائر العينين ، وقد رواها البخاري ومسلم من طريق عبد الرحمن بن أبي نعم قال سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول : ( بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من اليمن بذهبية في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها ، قال : فقسمها بين أربعة نفرٍ ، بين عيينة بن بدر وأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل ، فقال رجل من أصحابه : كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء ، قال فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال: ( ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء ) . قال فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار فقال يا رسول الله اتق الله قال ( ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله ) .قال ثم ولى الرجل . قال خالد بن الوليد يا رسول الله ألا أضرب عنقه ؟ قال ( لا لعله أن يكون يصلي ) . فقال خالد وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم ) . وكان هذا في غزوة حنين . ومن ذلك ما أخرجه صاحب كنز العمال عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( كنا نقعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغدوات في المسجد ، فإذا قام إلى بيته لم نزل قياما حتى يدخل بيته، فقام يوما فلما بلغ وسط المسجد أدركه أعرابيٌ فقال: يا محمد احملني على بعيرين فإنك لا تحملني من مالك ولا مال أبيك ، وجذب بردائه حين أدركه فاحمرت رقبته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ، وأستغفر الله لا أحملك حتى تقيدني ، قالها ثلاث مرات، ثم دعا رجلا فقال له: احمله على بعيرين، على بعير شعير وعلى بعير تمر. "ابن جرير". ما أحلمك يا رسول الله ، وما أطيبك ، وما أزكى سيرتك العطرة .
يا إخوة الإسلام :
هذا هو رسولكم صلوات ربي وسلامه عليه ، وهؤلاء هم صحبه رضوان الله عليهم ، ألا فانهلوا من سنته الشريفة ، واتبعوا سيرته المنيفة ، فاصبروا واصفحوا عن جهل الجاهلين ، والدين المعاملة ، ألا هل بلغت ، اللهم فاشهد .
ألا وصلوا وسلموا عباد الله على رسولكم وآله وصحبه، ومن تبعهم محسنا إلى الممات ، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبي المرحمة ، ونبي التوبة ، البشير المنير ، والسراج المنير ، محمد بن عبد الله ، من شرفته على سائر الأنام ، ورفعته إلى أشرف محل ومقام ، وجعلته دليلًا لنا إلى دار السلام ، فاسلكنا ياربنا في زمرته ، واجعلنا ممن اهتدى بسنته وفاز بمحجته وسعد بمحبته وائتم بشرعته ، اللهم أكرمنا بشفاعته وأورثنا حوضه ، واسقنا بيده الشريفة شربةً لا نظمأ بعدها أبدا ، واجزه عنا خير ما جزيت نبيًّا عن أمته ، اللهم وارض عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء ذوي القدر العلي والشرف الجلي - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - ومن سار على نهجهم اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًّا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين ،اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا ، واجمع به كلمة أهل فلسطين على الحق والهدى يا رب العالمين ، وتوحيد كلمتهم وتنقية أجوائهم وتحقيق المصالحة بين فئاتهم يا حي يا قيوم ، اللهم أسبغ عليه لباس الصحة والعافية ، وإخوانه وأعوانه اللهم أعزهم بطاعتك يارب العالمين ، اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - .اللهم احفظ على هذه البلاد عقيدتها وقيادتها وإيمانها وأمنها واستقرارها يا ذا الجلال والإكرام ، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ، اللهم احفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من كيد الكائدين ،واجعله منصوراً عزيزا إلى يوم الدين ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
الاستماع للخطبة
حمل الملف المرفق