بقلم - د. وليد القططي
في المؤتمر السابع لحركة فتح المنفض منذ أيام حدد الرئيس محمود عباس معالم البرنامج السياسي للحركة باعتبارها حزب السلطة وقائدة منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني. وأهم معالم هذا البرنامج تحديد أهدافه والوسائل التي سيتم بواسطتها تحقيق هذه الأهداف. والأهداف التي حددها السيد عباس هي : إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967م ، وإنهاء الاحتلال العسكري لأرض دولة فلسطين , وايجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين استناداً لقرار الجمعية العامة ( 194 ) ... وحدد وسائل لتحقيق هذه الأهداف وهي : تعزيز صمود الشعب على الأرض ومقاطعة منظومة الاستيطان , وترسيخ المقاومة الشعبية السلمية وتطويرها , ودعم عقد المؤتمر الدولي وفقاً للمبادرة الفرنسية , والنضال الدبلوماسي والسياسي والإعلامي والقانوني والثقافي في الخارج والمحافل الدولية لتعزيز مكانة ( دولة فلسطين القانونية وشخصيتها السياسية ) .
فيما يخص أهداف البرنامج السياسي لحركة فتح التي حددها السيد عباس في المؤتمر السابع للحركة والتي تُعتبر أهدافاً لمنظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني ، فمن المفيد التذكير بأنها أهداف مُعدّلة عن الأهداف الأصلية التي نادت بتحرير كل فلسطين , ويُمكن التأريخ لهذا التعديل ابتداء من عام 1974 م عندما تبنى المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة في القاهرة برنامج النقاط العشر المُقدّم من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين , الذي يقوم على فكرة " إقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على كل جزء من الأرض الفلسطينية يتم تحريرها " . وبعد مسيرة كفاحية وسياسية دامت ما يُقرب من عشرين عاماً تم التوقيع على اتفاقية أوسلو , التي على أساسها أُقيمت السلطة الوطنية الفلسطينية على أراضي الضفة والقطاع , ولكنها سلطة لم تُقم على أرض محررة كما إنها ليست مقاتلة , بل سلطة تحت الاحتلال وإلى جانب الاستيطان ووجودها مرهون باستمرار التنسيق الأمني وأموال المانحين .
والفرضية التي تم على أساسها ه عن أهداف المشروع الوطني الفلسطيني الأصلية ( تحرير كل فلسطين ) واستبدالها بأهداف مرحلية – أصبحت دائمة – تتمثل في ( تحرير الأراضي المحتلة عام 1967 ) مبنية على الواقعية السياسية أو الواقعية الثورية التي ترتكز على ما يمكن تحقيقه وإنجازه فعلياً ، والتي تفترض أن العدو سيترك لنا جزءاً من فلسطين إذا تنازلنا عن الجزء الأكبر منها بمساعدة وسائل الضغط الدولي والنضال السياسي والمقاومة السلمية والصمود الشعبي وإغراء العدو بالسلام والتطبيع ...ومما لا شك فيه أن هذه الفرضية لم تثبت مصداقيتها في إنجاز مشروع الدولة على جزء من أرض فلسطين , بعد أن أخذت أكثر من وقتها الافتراضي (خمس سوات) ، بل امتدت إلى أكثر من عشرين عاماً بسنوات , وتحوّلت الواقعية إلى جمود وشلل واستسلام وتعايش مع الاحتلال والاستيطان، والمرحلية إلى وضع دائم سمح بترسيخ الاحتلال وتمدد الاستيطان وتهويد القدس .
والوسائل التي حددها السيد عباس لإنجاز الأهداف الوطنية لبرنامجه السياسي جميعها وسائل مطلوبة ومشروعه ولكنها تبقى عرجاء بدون المقاومة المسلحة . فتعزيز صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه من أهم وسائل النضال الوطني , فالوجود السكاني الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر فوق فلسطين التاريخية , والصمود عليها والتشبث بها والمحافظة على الهوية الوطنية الفلسطينية وامتدادها القومي والديني هو البُنية التحتية للمقاومة , والركيزة الأساسية لإبطال الرواية الصهيونية التي أُقيم عليها المشروع الصهيوني ( أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ) , وهي سلاح ديموغرافي استراتيجي لمحاربة الوجود اليهودي الصهيوني على الأرض الفلسطينية . والمطلوب فقط تفعيل الآليات التي حددها الرئيس لتحويل الصمود إلى واقعاً فعلياً داعماً للمقاومة بكافة اشكالها وفي مقدمتها المقاومة المسلحة .
والمقاومة الشعبية السلمية وتطويرها وسيلة مهمة ومطلوبة ضرورية ولكنها لن ترقى إلى إنجاز هدف التحرير ومعها كل الوسائل الأخرى إذا ما اُعتبرت بديلاً للكفاح المسلح ضد الاحتلال , بل تحقق فائدة إذا ما اُعتبرت رديفاً للكفاح المسلح وإلى جانبه , أما إذا ما اقتصر الأمر على المقاومة الشعبية السلمية فإنها أفضل وصفة لإطالة عمر الاحتلال والاستيطان والكيان . فبدون أن نجعل الاحتلال مُكلّفاً وباهظ الثمن ونحوّل الاستيطان إلى مشروع خاسر للكيان بارتفاع تكلفته الأمنية والبشرية والاقتصادية لن ننجز مشروع التحرير – تحرير الضفة الغربية على الأقل - ، ليصل الكيان الصهيوني إلى مأزقه الأمني والوجودي الذي يضطر فيه إلى الاختيار بين الاحتفاظ بالضفة الغربية مع تهديد وجوده , أو الرحيل عنها مع الحفاظ على وجوده في فلسطين المحتلة عام 1948 م إلى حين .
واستمرار التعويل على المؤتمر الدولي على أساس المبادرة الفرنسية هو إعادة انتاج الفشل فخيار المؤتمر الدولي كان هو الأساس الذي انطلقت منه مسيرة أوسلو بعد مؤتمر مدريد عام 1991 م, وكان غطاءً للمفاوضات المباشرة وليس بديلاً عنها , والمبادرة الفرنسية تعتبر المؤتمر الدولي مدخلاً للمفاوضات الثنائية المباشرة المجربة الفاشلة ، ولا تشترط وقف الاستيطان أثناء المؤتمر والمفاوضات , وهذا يسمح بابتلاع مزيدٍ من الأراضي الفلسطينية , وهي تتجاهل حق العودة وتتحدث عنه بطريقة غامضة من خلال التحدث عن حل عادل ومتوازن وواقعي متفق عليه أي ترهنه بالموافقة "الإسرائيلية" الرافضة لحق العودة. والمبادرة لم توضح كيف ستجبر (إسرائيل) على حل الدولتين!.
والنضال الدبلوماسي والسياسي والاعلامي والقانوني والثقافي في الخارج والمحافل الدولية لتعزيز الكيان السياسي الفلسطيني أو ما أسماه الرئيس بمكانة دولة فلسطين القانونية وشخصيتها السياسية لا غبار عليه , ولكنه في النهاية انعكاس للنضال الوطني على الأرض ومدى قوته أو ضعفه ، فبدون البندقية الفلسطينية لم يكن الزعيم الراحل ياسرعرفات ليصل إلى الأمم المتحدة أو يعترف به العرب والعالم كحركة تحرر وطني، وبدون