معنى العبادة
طاعة الله تعالى وطاعة رسوله هما أصل كل الأوامر والوصايا؛ فكل أمْرٍ أمَر الله تعالى به واجب الطاعة وواجب التنفيذ والتطبيق بحب ورضى وانقياد وبلا تردد ولا تسويف، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله عز وجل، قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ ، وليس هذا هو الأمر الوحيد في سورة الأنفال بطاعة الله ورسوله؛ فقد تكرر ثلاث مرات في قوله تعالى في الآية الأولى وفي قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ، وقوله تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ ، وكما تقرن الأوامر والتكاليف بتقوى الله عز وجل، فكذلك تقرن بطاعة الله ورسوله، لأن طاعة الله تعالى هي العبادة، والتقوى هي ثمرة العبادة، والعبادة هي التي من أجلها أرسل الله تعالى الرسل وأنزل الكتب، وهي التي من أجلها خلق الله تعالى الخلق... فما معنى العبادة؟
معنى العبادة:
لغة: يقال: أعبدني فلانًا: ملّكنيه، وتعبد فلان وتنسك. وطريق وبعير معبد: أي مذلل. وأصل العبودية: الخضوع والذل، والتعبيد: التذليل، والعبادة الطاعة.
المعنى في الاصطلاح: العبادة: (هي توحيد الله والتزام شرائع دينه) ، والعبادة التي خلق الله تعالى لها الخلق وأخذ عليهم الميثاق وأرسل بها رسله وأنزل كبته، ولأجلها خلقت الدنيا والآخرة والجنة والنار (هي اسم جامع لكل ما يحب ويرضى الإله السامع وهو الله عز وجل من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة؛ فالظاهرة كالتلفظ بالشهادتين وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والحج والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإغاثة الملهوف ونصر المظلوم وتعليم الناس الخير، والدعوة إلى الله عز وجل وغير ذلك، والباطنة كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وخشية الله تعالى وخوفه ورجاءه والتوكل عليه والرغبة والرهبة إليه والاستعانة به، والحب والبغض في الله والموالاة والمعاداة فيه وغير ذلك مع العلم بأن الأعمال الظاهرة لا تقبل ما لم يساندها عمل القلب. ومناط العبادة: غاية الحب مع غاية الذل، ولا تنفع عبادة بواحد من هذين دون الآخر، وللعبادة ركنان لا قوام إلا بهما: الإخلاص والصدق؛ وحقيقة الإخلاص؛ أن يكون قصد العبد وجه الله عز وجل والدار الآخرة؛ كما قال تعالى ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾ ، وكما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) ، وأما الصدق فهو بذل العبد جهده في امتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه، والاستعداد للقاء الله، وترك العجز وترك التكاسل عن طاعة الله، وإمساك النفس بلجام التقوى عن محارم الله، وطرد الشيطان عنه بالمداومة على ذكر الله، والاستقامة على ذلك؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ ، مع العلم أنه لا يقبل منه ذلك إلا بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيعبد الله بما شرع؛ وهو دين الإسلام؛ فهذه الأركان الثلاثة شروط في العبادة لا قوام لها إلا بها..)
والعبادة لها جناحان:
هما الخوف والرجاء؛ قال تعالى ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ ، وقال تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ ، والخوف إنما يكون من الله تعالى ومن عقابه ومن ناره.. والرجاء إنما يكون في رحمته وعفوه والطمع في جنته؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ ؛ سألت السيدة عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا تقبل منهم: ﴿ أولئك الذين يسارعون في الخيرات ﴾ . ومن هنا فإن طاعة الله عز وجل هي عبادته بامتثال أوامره واجتنابه ما نهى عنه وحبه سبحانه وتعظيمه، والخوف منه والرجاء فيه والإخلاص له والصدق في التوجه إليه سبحانه ببذل الجهد في مرضاته وأن يكون هو وحده المقصود سبحانه وأما طاعة الرسول فلأنه المرسل من عند الله المبلغ عن الله دينه ورسالته، ولا تقبل عبادة إلا بالشرع الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وبالطريقة التي دعا إليها صلى الله عليه وسلم.
إن وظيفة الدعاة هي تبليغ رسالة الإسلام ودعوة التوحيد، وبذل الجهد لتحقيق العبودية لله عز وجل وحده، ومنهج الدعوة الإسلامية يبدأ بالدعوة إلى التوحيد ثم ترسيخ الإيمان ثم الخضوع للتكاليف، الشاق منها والسهل، لا أن نأخذ بعضها ونترك البعض الآخر، وعلى الدعاة أن يشرحوا الإسلام كاملًا للناس؛ عقيدة وشريعة وأخلاقًا؛ ومن ثم فقد وجبت الدعوة والجهاد لإقامة الدين؛ قال تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ﴾ .