قد يتبين لاحقا أن فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية هو الحدث الأبرز الذي وفر البيئة السياسية لاندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية. وقد يتبين أن احتفاء اليمين المتطرف في "إسرائيل" بهذا الفوز سابق لأوانه على اعتبار أن الأحداث في المستقبل قد تثبت أن الكثير من قوى اليمين الحاكم في تل أبيب ستدفع ثمن باهظا بسبب الافتراض بأن فوز ترامب يعني منح الكيان الصهيوني الضوء الأخضر لتطبيق كل خطط التهويد والاستيطان والضم. فقد جزم قادة اليمين، ومنهم وزراء كبار في حكومة نتنياهو ونخب وازنة في التيار الديني الصهيوني بأن فوز ترامب يعني توفير الأرضية اللازمة لتطبيق الخط الأيدولوجي لليمين الديني في الكيان الصهيوني بدون مواربة.
لقد استند اليمين الحاكم في تل أبيب في تقييمه هذا إلى ما نسب إلى ترامب وكبار مستشاريه أثناء الحملة الانتخابية، حيث إن ترامب دافع عن المشروع الاستيطاني، في حين إن العديد من كبار مستشاريه تجاوزوا اليمين الديني المتطرف في تل أبيب عندما قالوا إن الظروف مواتية لضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية للكيان الصهيوني مرة وللأبد. ليس هذا فحسب، بل إن أحد مستشاري ترامب وصل إلى حد أن حاول أن يثبت أن ضم المستوطنات اليهودي للكيان الصهيوني لن يؤثر على التفوق الديموغرافي لليهود بين نهر الأردن وحوض البحر المتوسط.
من هنا، لم يكن مستهجنا أن يخرج وزير التعليم الصهيوني نفتالي بنيت، الذي يتزعم حزب "البيت اليهودي"، الذي يمثل التيار الديني الصهيوني والمتدينين الصهاينة ليعلن بشكل واضح وصريح أن فوز ترامب يعني "إسدال الستار على فكرة الدولة الفلسطينية". ليس هذا فحسب، بل إن كلا من مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وبلدية الاحتلال في القدس المحتلة قد أفرجا عن خطط لبناء عشرات الآلاف من الوحدات السكنية من أجل إحداث تغيير جذري على الواقع الديموغرافي والسياسي في الضفة الغربية من أجل جعل الحديث عن دولة فلسطينية ضربًا من الخيال.
ليس هذا فحسب، بل إن الجماعات اليهودية الدينية التي تجاهر برغبتها في تدمير الحرم القدسي الشريف وتستعد بشكل معلن لبناء الهيكل المزعوم تشعر بالتشجيع، حيث إن هذه المنظمات تعمل بشكل وثيق مع دوائر في الحكومة والبرلمان. وقد عقد اجتماع في البرلمان شارك فيه وزراء ونواب وقادة هذه الجماعات للاتفاق على الخطوة القادمة بشأن مخططات العدوان على الحرم.
وقد كان لافتا أن عددا من كبار الوزراء في الائتلاف الحاكم، ومن بينهم وزير الأمن الداخلي الليكودي جلعاد أردان والوزير الليكودي زئيف إلكين، ووزير الاستيطان والزراعة أوري أرئيل ونائب وزير الحرب إيلي بن دهان قد شاركوا في الاجتماع، ودعوا بشكل صريح لتغيير الوضع القائم في الحرم وبأقصى سرعة.
ولم يكتف الوزراء والنواب وقادة الجماعات اليهودية بتغيير الواقع في الحرم، بل إنهم طالبوا بشكل واضح وصريح بأن يتم الشروع في مخططات التقسيم الزماني كمرحلة أولى على الأقل على أن تكون الخطوة التي تليها التقسيم المكاني، مع كل ما يعنيه الأمر من تهويد للحرم القدسي.
لكن سيتبين لاحقا أن هذا الجنون لن يخدم في الواقع المصالح الصهيونية؛ حيث إنه سيوفر الأرضية ليس فقط لاندلاع انتفاضة ثالثة، بل إنه سيسدل الستار على أية محاولة لترتيب مسألة خلافة عباس التي تدعي مصادر صهيونية أن وضعه الصحي صعب، وأن مسألة مغادرته المشهد السياسي تقترب بشكل كبير.
من هنا، فقد برز بشكل لافت حقيقة أن نتنياهو لا يشاطر زملاءه حالة النشوة بفوز ترامب رغم أنه حاول أن يبدو مبتهجا بالفوز، بل إن هناك من المعلقين الصهاينة من دلل على أن نتنياهو كان يفضل فوز المرشحة الديموقراطية هيلاري كلنتون، حيث إنه يخشى أن يفقد القدرة على المناورة في مواجهة بقية الوزراء المتحمّسين للتهويد والاستيطان والضمّ.
وكما ينقل عنه الصحافي براك رفيد، فإن نتنياهو يعي أن الاستجابة لمطالب زملائه يعني اندلاع انتفاضة ثالثة، حيث إنه يفزع من هذا السيناريو على اعتبار أنه يتزامن مع احتمال مغادرة عباس المشهد السياسي وفي ظل المؤشرات على بدء تفكك السلطة الفلسطينية. لكن مشكلة نتنياهو تكمن في أنه في ظل وجود ترامب رئيسا، فلن يكون بوسعه التحجج بالمعارضة الأمريكية لكي يصد محاولات وزرائه المتحمسين للتهويد والضم، وهذا سر معضلته.
لكن فوز ترامب سيمثل ضربة قوية أيضا لجهود ما يعرف بالرباعية العربية التي تحاول فرض خليفة متفق عليها لأبو مازن. فمن الواضح أنه في ظل مشاريع الضم والتهويد والاستيطان التي يتجه اليمين في الكيان الصهيوني لتطبيقها فسيكون من المستحيل أن ينجح أي شخص في قيادة السلطة وفق الخط الذي ينتهجه عباس حاليا.
إقرأ المزيد
https://palinfo.com/190839
جميع الحقوق محفوظة - المركز الفلسطيني للإعلام