على بريطانيا تحمل جناية بلفور
إن مطالبة بريطانيا بالاعتذار والتعويض عن جريمة بلفور وما سببته من ويلات ومذابح ومجازر وشتاث وتبديد حق المصير؛ لا يعني قطع العلاقة مع بريطانيا أو إقامة دعوة جزائية ضدها وفق مواد القانون الدولي؛ فقد كانت في هذا الصدد سابقة يمكن البناء عليها؛فمثلا كانت مسألة الاعتذار والتعويض بين ألمانيا وإسرائيل مثالا على تحمل المسئولية دونما قطيعة؛ فقد قدمت ألمانيا تعويضات مالية ضخمة لإسرائيل تقدر بمليارات الدولارات عما اقترفته النازية من إعدام ملايين الأشخاص، والعلاقات لم تتضرر، بل تطورت ووصلت حدالتحالف، وحقيقة الأمر أن ألمانيا تحملت تعويضاتعن الحكومة النازية التي انتهى أمرها ودمرت بعد هزيمة الحرب العالمية الأولى، والأكثر غرابة أن الدولة التي تلقت التعويض لم تكن قائمة أصلا إسرائيل، ويمكن القول أن دولة انتهت عام 1945م "ألمانيا النازية" عوضت دولة لم تكن موجودة أصلا "إسرائيل" التي أنشئت عام 1948م.
لقد كان وعد بلفور صفقة تجارية مالية هذه الصفقة التي تم فيها بيع فلسطين، بيع الشعب، الأرض، التراث، في خمسة سطور مبهمة، خلفت مائة عام من المعاناة، الجرائم، الطرد، التهجير، اللجوء، المجازر، المذابح، الشتات...
لا بد من المطالبة بالتعويض؛ حتى لا نتراجع أكثر مما تراجعنا فيه، ففي أحد وجوه تصريح بلفور منح الحكم الذاتي للفلسطينيين من خلال القول: "على أن يفهم بوضوح ألا يجري شيء يضر بالحقوق الدينية والمدنية للجماعات غير اليهودية في فلسطين". هذا القول جدار خرساني لم يتجاوز أبدا حد السيادة المسقوفة بالوطن القومي لليهود، ومنذ تلك اللحظة ونحن لم نخرج من إطار الحكم الذاتي سواء كان ذلك تحت الانتداب البريطاني 1917 -1948م، أوالحكم العربي 1948 – 1967م أو تحت الحكم الوطني 1994 – 2016م، نتمنى أن لاتسوقنا الأقدار في هذه الأوقات إلى المطالبة بتطبيق وعد بلفور، وأن لا يصبح مطلبا وطنيا.
لقد سبق وأن رفضنا لجنة بيل 1937م القاضية بتقسيم فلسطين ومنح اليهود ثلث فلسطين، كما وأننا رفضنا قرار تقسيم فلسطين رقم 181 في عام 1947م ثم قبلناه ثم نسيناه، ورفضنا قرار 194 القاضي بعودة اللاجئين ثم قبلناه، ثم رفضنا السلام ثم قبلناه، ورفضنا كامب ديفيد ثم قبلناها، وهكذا تختمر قضايانا بعد فترة طويلة ونقبل بالتي أقل من تطلعات الفلسطينيين، لذلك لا بد من تمكين الشعب الفلسطيني في كل قضاياه، واحترام فترة الانتخابات سواء كانت محلية أو عامة أوحتى نقابية ومؤسساتية.
لا شك أن الشعب الفلسطيني سر القوة والتحرر ولم يغب هذا الفكر عن الساسة الإسرائيليين، فقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول عقب انتصاره في حرب عام 1967م، "نحن لسنا أمام عدو فحسب بل نحن أمام شعب" وهذه هي القوة الحقيقية التي يجب الالتفاف حولها وعدم تهميشها.
أمام ما سبق لا بد أن يتناسب حجم جهدنا مع جناية بلفور، من أجل الوقوف أمام استحقاقنا لا بد من تشكيل شبكة من اللجان والمختصين لفرض دفع بريطانيا على الاعتذار ثم التعويض، فقد مر مائة عام من الدراسات والبحث، دون جدوى، مائة عام دون خطة لمحاسبة المسئولين في الجانب المدني من القانون الدولي وليس الجزائي، نحن الآن عضو مراقب في هيئة الأمم وعضو في محكمة الجنايات ويمكننا العمل والتنفيذ من خلال:
1- تشكيل لجنة من الإعلاميين من مناصري القضية الفلسطينية والمهتمين بقضايا حق تقرير المصير حول العالم على مستوى الاعلام الرسمي والاجتماعي، فمثلا 99% من البريطانيين لا يعرفون بلفور ولم يسمعوا عن وعد بلفور فضلا عن مقتضياته.
2- تشكيل لجنة حقوقية تضم نخب من اتحادات الحقوقيين العرب والعالم من أجل رفع دعوى في المحاكم الدولية من أجل الوصول الى الحق المدني للفلسطينيين جراء ما أصابهم من السياسات البريطانية.
3- تفعيل الجاليات الفلسطينية والمؤسسات الوطنية وجمعيات الأخوة الثنائية لتوضيح المسألة الفلسطينية وجرائر جريمة بلفور.
4- تقوم السفارات الفلسطينية بدورها على المستوى الدولي والمؤسساتي من أجل بيان تبعات وعد بلفور المستمرة.
5- دعوة الدول العربية لتضمين المناهج فلسطين والقدس