نظّم المُستوطنون تظاهرة كبرى في مُحاولة للاعتراض على قرار المحكمة العليا الإسرائيلية إخلاء جزء كبير من مستوطنة عمونا في الضفة الغربية لأنها أُقيمت على أراض فلسطينية خاصة. وكانت الحكومة الإسرائيلية قد قرّرت العمل على بناء مستوطنة جديدة لإقامة المستوطنين الذين يُخلون من عمونا، وهو حلّ قاد إلى صدام علني مع الإدارة الأميركية من دون أن يُرضي المستوطنين.
وكشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عمد في محاولة لإقناع المستوطنين بتليين موقفهم إلى إبلاغهم أن الأشهر القليلة الباقية من حكم الرئيس الأميركي باراك أوباما تُشكّل خطراً، وهو ما يستدعي التأني خشية الإضرار بالمشروع الاستيطاني برمته.
وهكذا قبل شهرين من آخر موعد لتنفيذ قرار المحكمة العليا الإسرائيلية إخلاء مستوطنة عمونا، نظّم المستوطنون مسيرة كبيرة ضمّت الآلاف لمنع إخلاء أربعين عائلة مستوطنين تُقيم هناك. وقال رئيس لجنة النضال لإبقاء عمونا أفيحاي بوارون إنه لا يجوز هدم أحياء بكاملها، فقط لأنه كانت هناك عيوب قانونية في إنشائها. وأكد أنّ المُشكلة ليست قانونية وأنّ على الحكومة الإسرائيلية إيجاد حلّ سياسي لها. واتّهم بوارون نتنياهو بأنه لو أراد رئيس الحكومة والوزراء لأفلحوا بسرعة في تمرير القوانين التي تمنع إخلاء المستوطنة. وقال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن نجح في يوم واحد في إقرار قانون ضمّ هضبة الجولان.
ورفض بوارون التقارير التي نُشرت عن أن نتنياهو اجتمع مع مُمثلي المستوطنين وطلب إليهم التصرّف بحكمة في ضوء المرحلة الحسّاسة قبيل انتهاء ولاية أوباما. وقال إن نتنياهو أشار في اجتماعه مع المستوطنين إلى موقف الأسرة الدولية لا إلى موقف إدارة أوباما. وشدّد على أن رئيس الحكومة قال لنا إنه في نهاية ولاية أي إدارة أميركية تُوجد ضغوط من الأسرة الدولية، فضلاً عن وجود عامل آخر اسمه المحكمة الدولية. وصحيح أن الأسرة الدولية لا تُحبّ الاستيطان اليهودي. نتنياهو لم يتحدّث عن أوباما بل عن الإدارات الأميركية عامة.
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد نقلت عن نتنياهو قوله لمستوطني عمونا إن أوباما هو خطر وجودي على الاستيطان اليهودي. وحسب القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي شنّ نتنياهو هجوماً حاداً ضدّ أوباما، في حديث مُغلق أجراه بعد يوم الغفران مع مستوطنين من عمونا وعوفرا، محذّراً من خطوة أحادية الجانب يُحاول أوباما أن يفرضها في الفترة القصيرة الباقية له حتى نهاية العيد.
وأشار نتنياهو إلى أن المسألة ليست فقط عمونا، في الفترة القريبة المقبلة، بين الانتخابات في الولايات المتحدة وحتى نهاية ولاية أوباما، الاستيطان كلّه في خطر وجودي.
وبعد نشر كلام نتنياهو، أعلن ديوان رئيس الحكومة أن رئيس الوزراء لم يقل ما نُسب إليه، بل أشار إلى أنه كان في الماضي رؤساء مع انتهاء ولايتهم عملوا على مبادرات لم تنسجم مع المصالح الإسرائيلية، وأن نتنياهو يأمل ألا يتكرّر الأمر ويتوقّع من الولايات المتحدة ألا تُغيّر سياستها التقليدية منذ عشرات السنين، في منع قرارات مناهضة لـ"إسرائيل" في مجلس الأمن في الأمم المتحدة.
وبحسب ما نُشر، فإن نتنياهو كان يقصد أن في "إسرائيل" مخاوف جدّية من أن أوباما سوف يُحاول بعد الانتخابات الأميركية أن يُمرّر قراراً مُعادياً لـ"إسرائيل" في مجلس الأمن الدولي، يُبيّن فيه رؤيته لحلّ الدولتين، وكذلك موقفه من القضايا الجوهرية: الحدود، والقدس ومسألة اللاجئين. والخشية الكبرى في "إسرائيل" هي أن يمرر قرار كهذا، وفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يُجيز فرض القرار بالقوة، أو باستخدام العقوبات، ما يجعل تنفيذ القرار ملزماً.
ومعروف أن الحكومة الإسرائيلية تستعدّ منذ أشهر، لما تعدّه تسونامي سياسياً. وأخيراً هاتف نتنياهو وزير الخارجية الأميركي جون كيري موضحاً له أن حكومته تنتظر من إدارة أوباما أن لا تُغيّر سياستها وأن لا تدعم قرارات بشأن "إسرائيل" في مجلس الأمن الدولي. وقد أبلغ كيري نتنياهو أن الإدارة الأميركية لم تتّخذ بعد أي قرار بهذا الشأن.
وقال مسؤول إسرائيلي إنّ نتنياهو عرض مع كيري موقف "إسرائيل" واستعداده لحثّ تدابير تقود إلى السلام بالطريقة التي تحدّث فيها أثناء خطابه أمام الأمم المتحدة. وكان نتنياهو قد أشار في خطابه ذاك إلى أن العمود الأساس في العلاقات الإسرائيلية الأميركية هو دعم أميركا الثابت لـ"إسرائيل" في الأمم المتحدة. ومعلوم أن المرة الوحيدة التي استخدمت فيها أميركا حقّ النقض الفيتو في عهد أوباما كانت ضدّ مشروع قرار مُضادّ لـ"إسرائيل" في مجلس الأمن في عام 2011.
المصدر: السفير