لست أدري على وجه اليقين هل معركة الموصل التي بدأت أول من أمس الإثنين، هل هي لاقتلاع داعش كمنظمة متشددة، أم هي لاقتلاع السنة من أهم معقل لهم؟! ثمة في وسائل الإعلام الجديد من يقول إنها لاقتلاع السنة، وهم يقولون إن كل أعداء السنة حاضرون في المشهد، والغائب الوحيد هم أهل السنة؟! أهل السنة في الموصل بين مطرقة داعش، وسندان الشيعة؟!
المشهد في ظاهره يقول هذا من حيث المشاركين في المعركة وعلى رأسهم الحشد الشيعي، والمستشارون الإيرانيون، والتحالف الدولي، والمستشارون الأمريكيون والبشمركة الكردية. بينما يعترض حكام العراق على مشاركة الأتراك، والأتراك يريدون المشاركة لحماية السنة كما يقال من الحشد الشيعي، ولحماية سكان الموصل من الاستبدال، والإحلال، بعد التهجير. وإن تجارب الحشد الشيعي تفضحه في ديالى وتكريت والفالوجا وغيرها من المدن والقرى التي دخلها.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل داعش بتشددها وسلوكها تمثل أهل السنة؟! جلّ قيادات أهل السنة في العالم انتقدت داعش، ورأتها تسلك سلوك الخوارج قديمًا، فهي لا تمثلهم. ولكن يبدو أن تخوف المتخوفين الآن لا ينصب على داعش وعناصرها وقواتها، وإنما يتجه إلى سكان الموصل المعرضين إما للقتل، أو التهجير، وترك ديارهم. أي إلى تداعيات المعركة.
وهؤلاء ينظرون إلى الحرب على أنها ضد داعش من ناحية، وضد أهل السنة في مدينة الموصل من ناحية أخرى، وأن الذي يترصد بأهل السنة شرا هو الحشد الشيعي على وجه الخصوص، لذا تجد من قادة سنة الموصل من يرفضون مشاركة الحشد الشيعي في المعركة، ويؤيد المشاركة التركية.
المعركة بدأت أمس، والقوات المشاركة تبلغ خمسين ألفًا، إضافة إلى قصف التحالف الدولي، فهل تبلغ قوة داعش هذا المبلغ الذي يستحق هذه المعركة الكبيرة أم أن هناك لعبة سياسية دولية إقليمية أكبر من الواقع الموجود في الموصل؟!
في أميركا يبدو أن الديمقراطيين في حاجة إلى صورة نصر ولو إعلاميًا على الأقل على داعش، لأن هذا يخدم المرشح الديمقراطي في الانتخابات، والعبادي في حاجة لصورة النصر بشكل أو بآخر لتقوية مركزه الداخلي، والبشمركة تريد الصورة نفسها لأنها تريد أن تضع يدها على أراضٍ متنازع عليها مع بغداد، والحشد الشيعي يريد أشياء كثيرة لم يفصح عنها، والغائب الوحيد الضعيف هم سنة العراق، الذين لا يجدون طريقا يبسا يسلكونه للدفاع عن حقوقهم، والسنة العرب في الإقليم.
العالم الغربي يرقب معركة الموصل، وإسرائيل ترقب المعركة من الخارج وتترقبها من الداخل على حد سواء، وتركيا تتخوف من تداعيات المعركة عليها، وعلى سكان الموصل، ولا تثق بالوعود الدولية بعد أن جربتها، لذلك تجدها مصرة على المشاركة في المعركة لحماية مصالحها. إن معركة الموصل كمعركة حلب ليست عراقية خالصة، وتلك ليست سورية خالصة، وتداعيات المعركة ربما تكون هي الأخطر على السكان من المعركة نفسها، وإن لعبة الأمم تجري على قدم وساق في الموصل، وفي حلب. وإن الخاسر الأبرز هم العرب والمسلمون.