"بعد استيلاء قوات الاحتلال على شرقي القدس في عام 1967 قامت بإزالة الأسوار التي تفصلها عن غربي القدس، وعهدت إلى "الجامعة العبرية" الصهيونية بإجراء حفائر على امتداد سور القدسي الشريف. وبدأت هذه الحفائر بالفعل في عام 1968، وكشف التقرير الذي نشره بنيامين "مازار" عن أنه لم يعثر على شيء ذي قيمة يتشبث به لإثبات التواجد التاريخي لليهود بالقدس.
وقد نجم عن هذه الحفائر تصدع بعض الآثار الإسلامية القريبة من الحرم، الأمر الذي رأت معه هيئة اليونسكو أن هذه الإجراءات الإسرائيلية باتت تمثل تهديدا للتراث الإنساني والحضاري القائم في مدينة القدس، ومن ثم فقد بادرت إلى تسجيل المدينة على قائمة التراث العالمي، وطالبت (إسرائيل) بأن تمتنع عن استئناف حفرياتها، ووقف التعديلات التي تحاول إدخالها على التنظيم المدني والتخطيط العمراني للمدينة. وأصدرت اليونسكو قراراً مميزاً رقم 343 جاء فيه:
(إن المؤتمر العام إذ يدرك الأهمية الاستثنائية التي تتسم بها الممتلكات الثقافية الواقعة في مدينة القدس القديمة ولا سيما الأماكن المقدسة لا بالنسبة للبلاد المعنية مباشرة فحسب وإنما أيضا للإنسانية جمعاء بسبب ما لهذه الآثار من قيمة فريدة في النواحي الفنية والتاريخية والدينية، ويأخذ في الاعتبار القرار 2253 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 4 يوليو 1967 بشأن مدينة القدس ويقضي هذا القرار باعتبار جميع الإجراءات التي اتخذتها (إسرائيل) في القدس غير مشروعة، ويدعوها إلى إلغائها والامتناع عن اتخاذ أي عمل من شأنه تغيير وضع المدينة. يوجه إلى (إسرائيل) نداء دوليًّا ملحًّا في إطار قرار الأمم المتحدة المشار إليه:
أ- لكي تحافظ بمنتهى الدقة على المواقع والمباني الأثرية وغيرها من الممتلكات الثقافية فيه، ولا سيما في مدينة القدس القديمة.
ب- لكي تمتنع عن القيام بأي عملية من عمليات التنقيب عن الآثار أو نقل هذه الممتلكات أو تغيير معالمها أو طابعها الثقافي والتاريخي.
ت- ويدعو المدير العام إلى أن يستخدم كل ماله من نفوذ وما لديه من وسائل لكي يكفل بالتعاون مع جميع الهيئات المعنية تنفيذ هذا القرار على أكمل وجه.
ثم تلا ذلك إصدار اليونسكو قرارات عدة لاحقة، بلغت حتى اليوم قريباً من سبعين قراراً، وكان فحوى كل قرار:
القرار يعطي جرعة إضافية للمقدسيين والمرابطين وعموم الأحرار، في مواجهة الاحتلال وتعزيز الدفاع عن القدس عامة وعن المسجد الأقصى على وجه الخصوص
أ- يؤكد جميع القرارات المشار إليها آنفا، ويصرّ على تنفيذها.
ب- يدين (إسرائيل) لموقفها المناقض للأهداف التي تتوخاها المنظمة كما وردت في ميثاقها التأسيسي باستمرارها في تغيير معالم مدينة القدس التاريخية وفي إجراء الحفائر التي تشكل خطرًا على آثارها، وذلك عقب احتلالها غير الشرعي لهذه المدينة.
ت- يدعو المؤتمر العام إلى عدم تقديم أي عون في ميادين التربية والعلم والثقافة إلى (إسرائيل)، وذلك إلى أن تحترم بدقة القرارات المشار إليها سابقاً".
التطور الجديد: إن مصادقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو"، على قرار خصوصية "المسجد الأقصى" و"ساحة البراق" للمسلمين تحديداً، حيث جاء القرار تحت عنوان "فلسطين المحتلة"، له فوائد متعددة يجملها العديد من الفلسطينيين في الجوانب التالية:
* القرار يفند الادعاءات الإسرائيلية الكاذبة والرواية التلمودية المفتراة بشأن المسجد الأقصى المبارك وساحة البراق. وأنه ليس لـ(إسرائيل) -وهي القوة المحتلة- أو للمستوطنين اليهود، أي حق في المسجد الأقصى، وأن أي دخول للإسرائيليين للمسجد الأقصى هو تعدٍّ على المواثيق والقوانين الدولية.
* القرار يعطي جرعة إضافية للمقدسيين والمرابطين وعموم الأحرار، في مواجهة الاحتلال وتعزيز الدفاع عن القدس عامة وعن المسجد الأقصى على وجه الخصوص.
العمل الدبلوماسي الصحيح ليس بالاكتفاء برفع التقارير التقليدية للجهات الأممية؛ وإنما من خلال المطالبة باسترجاع الحقوق وفرض العقوبات على المحتل
* يؤكد هذا القرار للجهات الراعية للمقدسات، فلسطينيين وأردنيين، أن استخدامهما لحقهما في الدفاع عن المقدسات أمر طبيعي، ولا يجوز تأخيره، كما يؤكد للفلسطينيين تحديداً، أن العمل الدبلوماسي الصحيح ليس بالاكتفاء برفع التقارير التقليدية للجهات الأممية؛ وإنما من خلال المطالبة باسترجاع الحقوق وفرض العقوبات على المحتل.
* يفتح هذا القرار مجالاً جديداً أمام المدافعين عن الحقوق الفلسطينية، من أنصار حركات المقاطعة لـ(إسرائيل)، ليطالبوا بفرض المزيد من المقاطعة والمزيد من العقوبات على الكيان، وكذلك سحب الاستثمارات. أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن تكاتف الجهود من كافة الأطراف العربية والإسلامية ووقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة سيحدث مزيدا من الحراك الدولي الإيجابي لصالح القضية الفلسطينية وشعبنا المظلوم
* هناك رسالة جديدة من خلال تصويت 24 دولة لصالح القرار مقابل معارضة 6 دول وامتناع 26 عن التصويت، فحوى الرسالة أن موضوعاً في غاية الأهمية في اعتبارات الكيان الإسرائيلي بات مهدداً، ألا وهو السيطرة على المسجد الأقصى، وأن العدل بات يأخذ مجراه رغم سطوة الاحتلال وفسادِ أعوانهِ دولياً وإقليمياً.
ما المطلوب؟
* المطلوب من الكيانات الإسلامية عموماً، وخاصة الفلسطينيين والأردنيين، القيام بالدور الملقى عليهم تجاه القضية الفلسطينية عامة، والقدس والمسجد الأقصى خاصة، على النحو الذي يجب دينياً وقومياً، ودون تلكؤ أو تأخير.
مطلوب العمل فلسطينياً وأردنياً وعربياً وإسلامياً، لمنع الإسرائيليين من دخول المسجد الأقصى إطلاقاً، وكذلك حماية موظفي الأوقاف وحراس المسجد، وإسباغ صفة الحصانة عليهم، وتمكينهم من أداء دورهم بعزة وأمان
* مطلوب من الفلسطينيين إعطاء الأولوية الكبرى للإلحاح في تقديم المطالب الرسمية من المؤسسات الأممية، وتقديم الشكاوى الموثقة وطلب إيقاع العقوبات على الاحتلال، وعدم الاكتفاء برفع تقارير صحفية للجهات الدولية ذات العلاقة؛ وذلك بهدف استدراك أخطاء وخطايا خطيرة في السياسة الدبلوماسية الفلسطينية.
* من هذا المنطلق مطلوب العمل فلسطينياً وأردنياً وعربياً وإسلامياً، لمنع الإسرائيليين من دخول المسجد الأقصى إطلاقاً، وكذلك حماية موظفي الأوقاف وحراس المسجد، وإسباغ صفة الحصانة عليهم، وتمكينهم من أداء دورهم بعزة وأمان، ومطلوب كذلك رفع الحظر عن المصلين من أنحاء فلسطين من الوصول إلى مسجدهم.
* مطلوب ملاحقة المستوطنين والقوات الإسرائيلية المخالفين لقرار اليونيسكو الأخير، أمام المؤسسات الأممية والدولية.
* مطلوب كذلك من الفلسطينيين الإصرار على اليونسكو بإرسال بعثة خبراء إلى الأماكن المقدسة، لرصد التدمير الذي ألحقته وتلحقه (إسرائيل) بالمواقع التاريخية ومواقع التراث الثقافي، حيث تنشئ (إسرائيل) في هذه المواقع بنىً تحتية بغرض تسويق الرواية اليهودية لها. كذلك إصرار الفلسطينيين بتعيين مندوب دائم لليونسكو في القدس الشريف لمتابعة أسرلة هذه المواقع وتدميرها.
وأخيراً..
فبقدر شكرنا لكافة الجهود التي بذلت من قبل المجموعة العربية، فلسطينيين وأردنيين وعرب، نحو استصدار هذا القرار المهم، فإننا نتمنى أن يكون صدوره دلالة إضافية على انحسار الدور الأمريكي البريطاني في المنطقة.
* وزير القدس الأسبق