محمد المسفر
قدر لي أن أشهد انتخاب كورت فالدهيم المرشح للمرة الثالثة عام 1982 (النمسا) والسيد سليم أحمد سليم (تنزانيا) لشغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة، الأول مؤيد لتجديد ولايته للمرة الثالثة من الولايات المتحدة الأمريكية، والثاني مؤيد الصين، وجرت عدة جولات للانتخاب في الجمعية العامة بالتصويت السري، ولم يوفق أي من الاثنين للحصول على المنصب. ولم يكن الاختلاف بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن أقل من الاختلاف حول المرشحين في الجمعية العامة، أعني كان هناك فيتو من الصين على فالدهيم، وفيتو من أمريكا على سليم (تنزانيا)، الأمر الذي أدى إلى إدخال طرف ثالث فكان خافير بيريز دي كويار (البيرو). في فترة فالدهيم (1972 ـــ 1982) كانت الحرب الباردة على أشدها بين الشرق والغرب. كانت إفريقيا منشغلة بحروب التحرير في معظم الدول الإفريقية وراح ضحية تلك الحروب الأمين العام للأمم المتحدة السيد داج همرشول في الكونغو(1960)، وصراعات مسلحة في الكاريبي والحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 وما ترتب عليها من آثار أزمة الطاقة (البترول العربي في المعركة)، مصطلح الإرهاب بدأ في الانتشار بعد حادثة ميونخ (منظمة سبتمبر الأسود تحتجز فريق رياضي إسرائيلي1972) وانشغال الأمم المتحدة بتعريف الإرهاب الذي حتى هذه الساعة لم يجمع المجتمع الدولي على تعريف له. شهد فالدهيم بداية الحرب العراقية الإيرانية وحرب الناقلات، وعمل بكل جهد من أجل إيقاف تلك الحرب، لكنه ترك منصبه ليواجه من يخلفه الأزمة.
وعاصرت انتخاب خفير دي كويار ليكون أمين عام الأمم المتحدة الذي جاء في ظروف عربية ودولية غاية في السوء، الحرب العراقية الإيرانية (1980 ــــ 1988) حرب الخليج الثانية (العراق والكويت1990) وكان الأمين العام خافير دي كويار في موقف لا يحسد عليه، انهيار الاتحاد السوفيتي، حرب الفوكلاند (الأرجنتين وبريطانيا) الغزو الأمريكي لجزيرة غرنادا في الكاريبي، الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان، والحق أن خافير بيريز دي كويار لم يتهن بمنصبه لكثرة الصراعات الدولية والأزمات التي كانت تواجه الأمانة العامة للأمم المتحدة وعدم فاء بعض الدول بتسديد حصتها في ميزانية المنظمة الدولية.
أستطيع القول بأن الأمم المتحدة كانت تعيش في خضم الأحداث الدولية وكانت قاعاتها (قاعات الاجتماعات) تعج بالصراعات السياسية والفكرية بين مندوبي الدول الأعضاء، وممراتها وقاعات الوفود تحاك فيها المؤامرات على هذه الدولة أو تلك. أنها والحق يقال كانت خلية نحل على مدار العام. مررت هذا العام على مقر الأمانة العامة وحضرت جلسات في الجمعية العامة ولجانها واللجنة الحية (الثالثة) والمكتظة بالوفود وشهود يناصرون هذا الفريق أو ذاك وكان أهم تلك المجادلات يدور حول الصحراء "البوليساريو" والمملكة المغربية التي أعدت أكثر من 90 متدخلا لصالحها (انظر مقال الجمعة للكاتب)
(2)
يدور الفلك دورته، وأحضر إلى الجمعية العامة عشية انتخاب أمين عام جديد ليحل محل بان كي مون الذي تنتهي ولايته نهاية العام الحالي، المعروف أن المناصب القيادية في الأمم المتحدة موزعة توزيعا جغرافيا مثال ذلك منصب الأمين العام، ورئيس الجمعية العامة، والعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن على سبيل المثال لا الحصر، ومنصب الأمين العام في الدورة الحالية هي لصالح أوروبا الشرقية حسب التوزيع الجغرافي، لكن يقول العارفون إن مجموعة أوروبا الشرقية لم تتفق على مرشح من بينهم، وتسابقت الدول على تولي المنصب فكان هناك تسع دول تقدمت بترشيحاتها لشغل المصب، وتوافق أعضاء مجلس الأمن الدائمين الذين لهم قول الفصل في هذا الشأن على ترشيح أنطون غوتيريس (البرتغال) وفقدت أوروبا الشرقية حقها في شغل المنصب، وبذلك تشكل سابقة في الأمم المتحدة على الخروج من دائرة التوزيع الجغرافي.
لقد أجمع مجلس الأمن على ترشيح أنطوان غوتيريس لشغل منصب الأمين العام لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد والذي كان قد شغل رئيس وزراء البرتغال سابقا وشغل منصب المفوض السامي لشؤون اللاجئين (2005 ـــ 2015) ويبلغ من العمر 67 عاما، وكما قال المندوب الدائم لروسيا الاتحادية رئيس مجلس الأمن لشهر أكتوبر "لقد وجدنا الرجل المناسب الذي نستطيع التعامل معه".
(3)
والحق أن هذا الإجراء وجه بنقد من المجموعات الجغرافية لكونه خرج عن السوابق المتعارف عليها طيلة عمر المؤسسة الدولية. وتحدث مندوب الجزائر أمام الجمعية العامة باسم مجموعة عدم الانحياز، وأعرب عن امتعاض المجموعة في طريقة تعيين الأمين العام الحالي وقال "إن مركز الأمين العام يعتبر من المناصب الهامة الذي يعمل لتحقيق السلم والأمن الدوليين، وعلى ذلك يجب أن يتم اختياره بشفافية وبطريقة ديمقراطية ويجب أن يكون للجمعية العامة دورا في تعيين الأمين العام ولا يجوز أن يقتصر الأمر على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وتحدث في هذا الشأن مندوبو المجموعات الجغرافية مطالبين بتفعيل دور الجمعية العامة.
(4)
لقد حسم دور الأمين العام الجديد ولم يبق سوى إجراءات شكلية ليتم بعدها تنصيبه في نهاية شهر ديسمبر القادم. لكن السؤال الذي يجب طرحه على الأمين العام الجديد هو هل سيكون رهينا لنفوذ الدول دائمة العضوية كسابقيه، أم أنه سيكون صورة من فالدهيم، وداج همرشولد؟ ماذا عليه أن يفعل تجاه التدخل الروسي في سوريا بموجب طلب حكومة يرفضها الشعب السوري وثار عليها، دي مستورا المكلف بالملف السوري من قبل الأمين العام كل تصرفاته تصب في صالح النظام السوري المرفوض من شعبه، وماذا سيفعل مع ابن الشيخ مندوب الأمين العام في اليمن، وماذا سيقول في شأن الانروا واللاجئين الفلسطينيين. وماذا سيقول في شان المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وما يتعرض له الشعب الفلسطيني.
لا نستطيع أن نتنبأ بما سيفعل الأمين العام الجديد وما علينا إلا أن ننتظر.
آخر القول: في المجال العربي علينا حسم المسألة اليمنية بكل الوسائل التي تؤدي إلى عودة الحكومة الشرعية إلى العاصمة صنعاء.
المصدر: فلسطين الآن