صحيفة "يني شفق" التركية المقربة من حزب العدالة والتنمية بدأت يوم الاثنين الماضي تنشر وثائق خطيرة متعلقة بـ"فتح الله كولن"، زعيم جماعة كولن المعروفة باسم "الكيان الموازي"، لتسليط الضوء على جوانب مظلمة وخفايا في حياة مؤسس الجماعة وزعيمها المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية.
وتكشف الوثائق الأولى التي نشرتها الصحيفة قبل يومين انتماء فتح الله كولن إلى تنظيم الماسونية منذ شبابه وتشير إلى أنه حصل على وسام الشرف الماسوني مقابل خدماته الجليلة التي قدمها للتنظيم. ومن بين الوثائق التي نشرتها صحيفة "يني شفق" بيان القسم الذي يؤديه العضو الماسوني عند انضمامه للتنظيم وكذلك عند ترقيته فيه، بالإضافة إلى دعوات وجِّهت إلى كولن للاشتراك في اجتماعات التنظيم.
السياسي التركي "قاسم غولك" الذي شغل منصب أمين عام حزب الشعب الجمهوري ما بين عامي 1950 و1959 يبرز اسمه في جميع المزاعم حول ارتباط فتح الله كولن بالولايات المتحدة وتنظيم الماسونية وحصوله على غرين كارد، وهو معروف بانتمائه لهذا التنظيم العالمي، بالإضافة إلى أخت زوجة غولك التي كانت تعمل في الجيش الأمريكي برتبة العقيد. وكثمرة علاقات كولن بعائلة غولك، تبرعت "نليفر غولك"، زوجة قاسم غولك، بأراض تبلغ مساحتها 70 ألف دونم لجامعة فاتح الأهلية التي تملكها جماعة كولن، كما أنه يذكر علاء الدين قايا، أحد رجال فتح الله كولن والمالك السابق لصحيفة "زمان" التابعة للجماعة، في كتابه.
جمعية المحفل الكبير للماسونيين الأحرار والمقبولين في تركيا أصدرت بيانا تكذّب فيه ما نشرته صحيفة "يني شفق" حول عضوية فتح الله كولن في المحفل الماسوني، كما أن الجماعة تنفي الوثائق المنشورة وتزعم أنها مزورة. وهذه ردة فعل طبيعية إذ لم يكن متوقعا، لا من الجمعية الماسونية ولا من الجماعة، أن تؤكد صحة ما نشرته الصحيفة.
وبغض النظر عن صحة تلك الوثائق أو عدمها، فإن آراء كولن حول اليهود وإسرائيل معروفة لدى الجميع. ويذكر الصحفي التركي المعارض "فاتح آلتايلي" أنه قال لفتح الله كولن في لقاء جمعهما: "آراؤكم وأهدافكم مشابهة لآراء الماسونيين وأهدافهم" ثم سأله: "هل يمكن أن نسميكم الماسوني الإسلامي الجديد؟"، وأجاب كولن قائلا: "نعم بالطبع، لأن الماسونية ليس بشيء سيء". ولعل القراء يتذكرون معارضة كولن الشديدة لأسطول الحرية الذي انطلق لكسر الحصار المفروض على غزة ومقولته الشهيرة التي شدد فيها على ضرورة أخذ الإذن من السلطات الإسرائيلية قبل الإبحار نحو القطاع.
الماسونية تنظيم سري عالمي يهدف إلى خدمة اليهود، وسواء كان كولن ينتمي إلى هذا التنظيم أو لا، فإن جماعته بنيت على السرية التامة مثل الماسونية، وتمارس التقية إلى أبعد حدها للتغلغل في أجهزة الدولة. ويرى بعض المراقبين أنها أخطر من الماسونية نفسها لكونها تتستر وراء لباس الدين.
الوثائق التي نشرتها صحيفة "يني شفق" لم تقتصر على تلك التي تشير إلى علاقة زعيم جماعة كولن بالماسونية، وآخر وثيقة نشرتها الصحيفة في عددها اليوم، هي تقرير استخباراتي أعدَّته قيادة الحكم العسكري بعد انقلاب 12 آذار/ مارس عام 1971. وجاء في التقرير أن فتح الله كولن كان يقوم بالوشاية الأمنية ويبلغ العسكر عن أنشطة جماعات إسلامية أخرى.
لم تكن جماعة كولن تخوض حربا ضد خصومها بشكل علني كما تفعل اليوم، بل إنها كانت تحاربهم وتسقطهم من خلال نفوذها في القضاء والأمن والسياسية والإعلام، وهي لأول مرة تخوض حربا شاملة كهذه أمام الرأي العام ولكن خصمها هذه المرة يمثل الإرادة الشعبية ويتمتع بتأييد أكثر من نصف الشارع التركي في هذه الحرب. وكان من المتوقع أن يتم تسليط الضوء على جوانب كثيرة حرصت الجماعة على إبقائها بعيدة عن أعين الرأي العام.
الحرب بين الحكومة التركية وجماعة كولن على أشدها، وبدأ كلا الطرفين يكشف جميع الأوراق التي بيده واحدة تلو الأخرى. وهناك خشية من أن تحرك الجماعة خلاياها النائمة لتقوم بأعمال تخريبية بالتعاون والتنسيق مع المنظمات الإرهابية لإحراج الحكومة قبيل الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في السابع من حزيران/ يونيو المقبل. ولا تبدو في الأفق تهدئة على الأقل حتى إجراء الانتخابات بعد حوالي شهرين.