من دروس رمضان لفضيلة الشيخ ياسين الأسطل


تم النشر 18 يونيه 2016


عدد المشاهدات: 1724

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


دروس رمضان عظيمة القدر ، جليلة الرتبة ، غزيرة الفائدة ، ومنها دروس الصيام . حقاً إن الصيام سبيل إلى صفاء النفس ، ونقاء القلب ، ورقي العبد في مدارج السمو ، ومعارج القبول ، ففيه التجرد من أسر الشهوات ، والتخلص من ضغط الملذات ، فيكون الصائم بحق في طاعة ربه ، ورضى خالقه ، سواءً في استيقاظه أم منامه، وقيامه أم قعوده، وصمته أم كلامه ، وهذا يتجلى في قوله تعال :   يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ   (البقرة183) .فجاءت كلمة ( لعلَّ ) التي تفيد تعليق ما بعدها على ما قبلها ولتفيد رجاء حصول التقوى للصائمين ، فهي مقصود الصيام العظيم ، وفي الحديث : " قَالَ رَسُول ُ : { الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ } (م الصيام).

انظر يا أخي المسلم كيف يتولى الله عز وجل الجزاء للصائمين، ويؤخر بيانه الى يوم الدين ، وانظر يا أخي المسلم كيف ينسب رب العزة والجلال عمل ابن آدم له إلا الصيام فيختاره لنفسه رب العالمين ، ففي الحديث القدسي : " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  : { قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ } (خ الصوم).

سبحان الله العظيم ما أعظمها من عبادة ، سبحان الله العظيم ما أكرمها من زيادة ، سبحان الله العظيم ما أحلاها من منة ، يتذَوَّق فيها الصائمون لذة الشوق ، كما يتذوقون لذة التعبد ، فللصائم فرحتان كما في الحديث فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه .

لهذا يا أخي المسلم ويا أختي المسلمة الحرص الحرص ، والإخلاص الإخلاص ، والاقتفاء الاقتفاء للأثر النبوي الكريم ، والنهج السلفي القويم في كل العبادات على العموم وفي هذه العبادة على الخصوص حتى نتذوق كما ذاقوا ، ونستلذ كما استلذوا ، ونجتني كما اجتنوا ، وإيانا جميعاً وتخرصات الخالفين ، وابتداعات المتنطعين ، التي تذهب برونق العبادة  ، وبهاء العمل .

من دروس رمضان الصدقة : حيث كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة .

حيث إن الصدقة هي دليل الصدق فمن كان صادقاً كان سخياً كريماً ، جواداً رحيماً يجود بالخير ، كما يجود بالعلم ، كما يجود بالمال ، بل وبكل ما يحب وكمـا قال الله تعالى :   لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ   (آل عمران92) وفي حديث النبي " الصدقة برهان " .

لهذا يندب للصائم أن يتصدق ولو بشق تمرة فمن فلم يجد فبكلمة طيبة فمن لم يجد يحجز نفسه عن الشر فهذه صدقة منه على نفسه .

ولهذا المعنى الكبير ، شرعت زكاة الفطر أو صدقة الفطر ، وكانت نهاية عظيمة للعبادة العظيمة  ( الصيام ) ، فالصيام تهذيب للطبع ، والصدقة بركة للمال وطهارة للعمل ، وحق لأصحابها المبذولة إليهم ، وقد قال  الله تعالى :   قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (الأعلى 14-15) ، فصدقة الفطر وصلاة العيد من صور تحضيض      النبي على الصدقات في رمضان دعوته إلى تفطير الصائم في قوله : " مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا " . (رواه الترمذي)

ومن دروس رمضان الذكر وقراءة القرآن ومدارسته : حيث جاء عن النبي أنه كان يتلو كتاب الله عز وجل ، ويدارسه إياه جبريل ، وهكذا كان السف من بعده من الصحابة والتابعين ، فالقرآن الكريم أنزل في رمضان فقد إبتدأ نزوله في ليلة القدر التي هي أعظم من ألف شهر ، كما قال تعالى :    إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر ِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ *  تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (سورة القدر) ، كما قال سبحانه :   إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ  (الدخان3).

والقرآن الكريم روح من الله تعالى يهدي به الأمم التائهة ، والنفوس الضعيفة الميته ، فتعز بعد ذل ، وتغتني بعد فقر ، وتنتصر بعد هزيمة ، وترتفع بعد ضِعة ، كيف لا والقرآن الكريم فيه الهداية من الضلال ، والثبات واليقين من التردد والشك ، ولهذا كانت عناية الرسول بالقرآن ظاهرة مشهورة وكان أصحابه يحرصون على تعلمه وتعليمه ، وتفهمه وتفهيمه ، وهكذا من بعدهم الى عصرنا هذا .

ومن دروس رمضان القيام : حيث إن قيام الليل من آكد السنن ، فهو شعار الصالحين ، ودثار المتقين ، ونهج السالكين ، وكما قيل: لأهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في   لهوهم ، حيث يخلو العبد لربه ، فيخرج من حجب الشهوات ، وشواغل المشكلات وصوارف التقاليد والعادات ، الى مناجاة رب الأرض والسموات ، يقف بين يديه متذللاً ، ويشرق وجهه بالذكر متهللاً ، ويتصل لسانه بقلبه ذاكراً متبتلاً ، فالعبد في النهار لمولاه صائم لا يفطر ، وفي الليل في حب سيده وفي رضاه قائم لا يفتر ، واستحق القائمون المغفرة من الله كما جاء عن النبي : { مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } (رواه البخاري).

إن القيام بين يدي الله   في الدنيا يقرب إليه سبحانه في الآخرة وهو يهيئ العبد للتكاليف الجليلة ،  المنوطة بالرجال:   صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا   (الأحزاب23).

ومن دروس رمضان الجهاد في سبيل الله تعالى : وتفكر معي أخي السلم هل كانت معارك الإسلام الكبرى أو مواجهاته الفاصلة إلا في رمضان ، فهذه بدر وهذا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان على ماء بدر ، وهذا فتح مكة ودخول البيت الحرام ، وهذا يوم حطين وآخر هذه السلسلة الخالدة لمواقف وبطولات المسلمين كانت أخيراً حرب رمضان والتي ما أخذت مجراها إذن لكان شأن آخر عن ما هو عليه الأمر الآن .

ولا يمكن أن تتم للإسلام ذروة سنامه (الجهاد) الا بعد تمام قواعده وأسسه ، كما في الحديث { رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ } (رواه الترمذي) .

ولنا في الأمم السالفة الاعتبار، فهذا طالوت الملك الذي أرسله على قومه نبي بني اسرائيل في زمانهم لما قالوا له   ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ البقرة (246) ، أراد اختبار قومه وتحملهم وذلك بقوله لهم :   إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ   (البقرة249) ، قال الله تعالى : فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ  (البقرة249)،فمن لم يصبر على شربة ماء كيف يصبر على سفك الدماء ؟ !




- انشر الخبر -