الجمعُ بينَ عِبادَتَينِ إِمَّا أَن يكونَ في الْوَسائِل؛ كالوضوء والغسل أَوْ فِي الْمَقَاصِدِ كالصلاة والصوم :
أولاً - َإِنْ كَانَ فِي الوسائل فإِنَّ الكُل صحيحٌ كما لو اغْتَسَل يومَ الْجُمُعَةِ لِلجمعةِ وَلِرَفعِ الجَنَابَةِ ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُ وَحَصَل لَهُ ثوابُ غُسْل الْجُمُعةِ عند عامةِ الفُقهاءِ.
ثانياً - َإِنْ كَانَ التشرِيكُ فِي المقاصدِ ففيه أقسام منها :
وعليه فالراجح في مسألتنا عدم جواز التشريك ويجب على السائل الكريم أن يصوم كل عبادة منفردة عن الأخرى، فإن كان فعل ذلك فالأقرب أنه يقع عن القضاء فقط، والله تعالى أعلم.
اتفقَ الفقهاءُ على جوازِ نظرِ الطَّبِيبِ إِِلَى العورَةِ وَلَمْسِهَا لِلتَّدَاوِي؛ للحاجة الملجئة؛ لأن في التحريمِ حينئذٍ حرجاً، فللرجلٍ مداواةُ المرأةِ وعكسُهُ، ولا يَكشفُ الطبيب إِلاَّ مَوْضِعِ الْمَرَضِ فقط. إِذِ الضَّرُورةُ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، مَعَ غَضِّ بَصَرِهِ مَا استطاعَ إِلاَّ عَنْ مَوْضِعِ الدَّاءِ، وليكنْ ذلكَ بحضرةِ محرمٍ أو زوجٍ أو امرأةٍ ثقة.
وبناء عليه فيجوز أن يعالج طبيبٌ نصراني امرأةً مسلمةً لكن بشروط ذكرها العلماء منها:
وقد ذكر البلقِينِيُّ من الشافعية: أنه يُقَدَّمُ فِي علاجِ المرأَةِ طبيبة مُسْلِمَةٌ، فَامْرَأَةٌ كَافِرَةٌ، فَمَحْرَمٌ مُسْلِمٌ، فَمَحْرَمٌ كَافِرٌ، فَأَجْنَبِيٌّ مُسْلِمٌ، فأجنبي َكَافِرٌ .
هذا إن استووا في المهارة أو تقاربوا أما لو تفاوتوا فإنه يقدم الأمهر، وقد َنَصَّ الشافعِيةُ عَلَى تقديمِ الأمهرِ مطلقًا ولو مِنْ غيرِ الجِنسِ والدِّينِ عَلَى غَيْرِهِ .
لَمْ يَقُل بِكُفْرِ المسلم الْمُنْتَحِرِ أَحَدٌ مِنْ الأئمةِ الأَْرْبَعَةِ، ومَا جَاءَ فِي الأَْحَادِيثِ مِنْ خُلُودِ الْمُنْتَحِرِ فِي النَّارِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنِ اسْتَحل الاِنْتِحَارِ، فَإِنَّهُ بِاسْتِحْلاَلِهِ يَصِيرُ كَافِرًا ؛ لأَِنَّ مُسْتَحِل الْكَبِيرَةِ كَافِرٌ عِنْدَ أَهْل السُّنَّةِ .
واستدلّوا عَلَى أَنَّ الْمُنتحِرَ لا يَخرُجُ بِذَلِكَ عن كونِهِ مُسْلِمًا، بحديثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَال: لَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَمَرِضَ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ(نصال السهام)، فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ (أصابعه) فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْل بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ، فَقَال لَهُ : مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ ؟ قَال : غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال : مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ ؟ قَال : قِيل لِي : لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ، فَقَصَّهَا الطُّفَيْل عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ ) ( أي اللهم اغفر ليديه أيضاً) رواه مسلم .
ولذا فإن الأئمة الأربعة يرون أَنَّ الْمُنْتَحِرَ يغسل ويُصَلَّى عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الإِْسْلاَمِ بِسَبَبِ قَتْلِهِ نَفْسَهُ، وَلِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال : صَلُّوا عَلَى مَنْ قَال لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.
إلا أن الحنابلة والمالكية قالوا لا يصلي الإمام على المنتحر ويصلي عليه سائر الناس لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَل عَلَى قَاتِل نَفْسِهِ ولَمْ يَنْهَ عَنِ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ فقال ( أَمَّا أَنَا فَلاَ أُصَلِّي عَلَيْهِ ) أخرجه النسائي بإسناده صحيح.
جاء في كتاب الإْقناعِ الحنبليّ: " وَلاَ يُسَنُّ لِلإِْمَامِ الأَْعْظَمِ وَإِمَامِ كُل قَرْيَةٍ - وَهُوَ وَالِيهَا فِي الْقَضَاءِ - الصَّلاَةُ عَلَى قَاتِل نَفْسِهِ عَمْدًا، وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهِ فَلاَ بَأْسَ" .
وخالف في هذا َالأَْوْزَاعِيُّ وأبو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فقالا: لاَ يُصَلَّى عَلَى قَاتِل نَفْسِهِ بِحَالٍ، لأن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال في الذي نحر نفسه : ( إِذَنْ لاَ أُصَلِّي عَلَيْهِ) . أخرجه أبو داود بإسناده صحيح.
ولعل الراجح هو قول الحنابلة والمالكية أنه يُغسلُ ويُصلي عليه سائر الناس إلا الإمام . والله تعالى أعلم.
اتَّفَقَ الفقهَاءُ على أَنَّ تَفْلِيجَ الأسنانِ بالمبرد ونحوه لأجل الحسنِ حرامٌ، لما فيه من الخداع وإظهار عدم الرضا بقضاء الله تعالى، وذلِكَ لِلحديث الصحيح ( لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ، وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ). لكِنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ مُطْلَقَةً، وَإِنَّمَا هِيَ مَقْصُورَةٌ عَلَى مَنْ يفْعَل ذَلِكَ لِلْحُسْنِ .
أَمَّا لَوِ احْتِيجَ إِلَيْهِ لِعِلاَجٍ أَوْ عَيْبٍ فِي السِّنِّ وَنَحْوِهِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ، كما ذكر النووي وابن حجر وغيرهما. والحقيقة أن استعمال الأسنان ليس من قبيل التفليج المحرم كما يعتقد البعض.
وبناء عليه فإن استعمال أسنان صناعية مكان الأسنان المنزوعة أمرٌ مباح لا حرج في فعله؛ لأنه لم يقصد به لا التدليس، ولا يدل على عدم الرضا بما وهب الله تعالى؛ بل وجود الأسنان من الأمور التي يحتاجها كل إنسان. وقد جاء في السنَّة ما يستأنس به على جواز ذلك، بل ويجوز أن تكون ذهباً إن لم يقُم غيره مقامه .
فقد روى الترمذي وأبو داود والنسائي وحسَّنه الشيخ الألباني ( أنّ عَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ قُلِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكِلاَبِ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ ) . هذا والله تعالى أعلم.