أكاديمي فلسطيني يقود أضخم مشروع بحثي في أفريقيا


تم النشر 12 يونيه 2016


عدد المشاهدات: 2314

أضيف بواسطة : أ.محمد سالم


 

على خطى الرحالة ابن بطوطة يسير الباحث الفلسطيني أسامة الأشقر في رحلة استكشافية لمعالم السودان وعدد من الدول الإفريقية، بمشروع بحثي يُعد الأضخم في القارة الإفريقية، مطلقًا على رحلته اسم "أرض السمر"، في إشارة إلى بشرة القارة السوداء.

وكالة "صفا" تابعت الأشقر في رحلته الاستكشافية التي سماها "السودان كما لم تره من قبل"، والتي استمرت نحو أسبوعين، وقطع خلالها مئات الكيلومترات بين الصحاري والجزر النيلية التي تحتويان على وحوش وتماسيح.

ويقول الأشقر في بداية حديثه إن: الرحلة تهدف للتعرف على بيئات غيرِ مكتشفة ومناطقَ مجهولة على امتداد مسارات نهر النيل وروافده، نرصد فيها تاريخ الإنسان وتفاعله مع المكان، في رحلة مع التاريخ والآثار والتقاليد والحكايات والأساطير والحرف والثقافات.

ويوضح أن نتاج رحلته سيُصاغُ في سلّسلةً وثائقية تَعمُّ شرق إفريقيا ووسطها بطريقة "الراوي البطل"، واختارتني الجهة المنتجة لأروي حكاية الإنسان مع المكان وأستنّطق الصورة المتحركة والساكنة، وأعبّر عن الحجر والأثر والشجر والحيوان والصيد والتراث.

ويلفت إلى أن المشروع سيتحول إلى سلسلة ضخمة ستكون في نحو 52 حلقة بعدد أسابيع السنة، ومدة كل حلقة ساعة تلفزيونية، تحمل اسم "أرض السمر".

ويرافق الأشقر فريق إعلامي للتوثيق مكون 12 شخصًا، على رأسهم المخرج السوداني سيف الدين حسن وهو منتج المشروع، والمخرج عثمان عكاشة.

ويصاحبه فريق علمي بحثي يزوده بالمعلومات المهمة في الرحلة، منهم الأمين العام لاتحاد الكتاب والأدباء السودانيين فريد محمد أحمد، وهو من أبناء النوبة ويتكلم لغتها بطلاقة ويعيش بمنطقة كرّمة التاريخية مع خبرة واختصاص بمعالمها.

الرجل النوبي

في بداية رحلته رست مركب الأشقر وفريقه في مسار النيل من مقترنيه الأزرق والأبيض في جزيرة توتي بمدينة الخرطوم، ثم اتجه شمالاً مع انحناءاته وانكساراته حتى خط22 الفاصل بين مصر والسودان عند مدينة حَلّفا الغارقة تحت بحيرة النوبة الواقعة خلف السد العالي.

ويلفت إلى أن رحلته بكامل تفاصيلها تتميز بالغرائبية والعجائبية؛ حيث إنك تتحرك في بيئة لم تُكتشف بعد، وشعوب تمتزج بشكل كبير فيما بينها؛ فتجد أن القبائل العربية تتركز في الوسط، وشعوب النوبة من الدناقلة والمحس والسكّوت والحلّفاويين في الشمال.

ويلفت إلى أن ما يجمع بين تلك القبائل هو فائض الكرم وبساطة الحياة وشدة الانتماء والتكافل، فلا تكاد تميز بين النوبي والعربي لتشابه الخصائص والأشكال والسحنات.

وعن طبيعة الرجل النوبي، يقول الأشقر إنه: "شخص مسالم حنون بطبعه ورقيق القلب وشديد الاعتزاز بهويته، ولا تجد أحدًا منهم يضع خنجرًا أو أداة حادة قريبًا منه.

ويلفت إلى أن النوبي يحب النيل فلا تكاد تجد أحدًا يغسل ملابسه أو أوانيه المنزلية فيه، ولا تجد من يرمي فضلةً فيه، ومعظم صيادي السمك لغرض التجارة عندهم ليسوا من النوبة إذ لا يصيدون سوى حاجتهم وقوت عيالهم.

 ويشير إلى أن أغرب ما وجده هناك هو عنايتهم بالطير والرفق بالحيوان  حول مساجدهم القديمة قرب النيل، فلا تستغرب إن وجدّت صُحوّنًا معدنية  معلقة ومظللة تحت الشجر أو العريش تتيح للطير الماء والحَبّ وفُتات  العيش.

هل وصل الفلسطيني؟

 ويقول إن: "أهل النوبة كانوا مدهوشين لرؤية ذلك الأكاديمي من الأصل  الفلسطيني يتجولُ باحثًا في ديارهم ويناقشهم في تاريخهم وقبائلهم  وأنسابهم وعاداتهم، ثم يتحولون من متحدثين إلى مستمعين".

 ويضيف الأشقر أن: أخبارَ مَقدِمه كانت تنتشر بسرعة من قرية إلى قرية،  والسؤال يدور: "هل وصل الفلسطيني إليكم؟".

 ويتابع بقوله: "هناك تأتيك الحكايات عن علاقتهم القديمة بفلسطين  والقدس وغزة ويافا والخليل، ويروون القصص عن أجدادهم فتفيض مشاعرهم وعيونهم بذكر فلسطين وجهاد شعبها؛ إنهم عاشقون بالفطرة لفلسطين وأهلها".

ويضيف: بعضهم كان جدّه في الهجّانة-فرقة عسكرية سودانية تركب الإبل-دخلت فلسطين عام 1948 مع الجيش المصري، وبعضهم ذهب لتقديّس حجّه في القدس، وبعضهم كانت تصل تجارته إلى غزة.

ويشير إلى أن بحثه أوصله إلى بعض الفلسطينيين ممن وصل قديمًا إلى مناطق النوبة؛ ويقال لهم وَدْ الفلسطيني "ابن الفلسطيني"، ولقي خلالها امرأة غزّية عجوز تعرف باسم "زينب الفلسطينية"، وتتحدث اللغة النوبية بطلاقة وتعيش هناك منذ أكثر من 50 عامًا.

"أوشي"

وكعادة الرحل الاستكشافية، واجه فريق الأشقر عطلًا في إحدى السيارات جعلهم يبيتون في إحدى الطريق الصحراوية؛ إلى أن نسائم الهواء اللطيفة بتلك المنطقة صرفت عنهم غائلة البعوض والحشرات.

وفي مسيرهم، حطّت رحالهم في قرية "كويكة" النوبية، بضيافة العرب الكبابيش والنوبة، فاجتهد مدير الإنتاج في فريقنا بإحضار عشاءً للفريق من مدينة "عَبْري" المجاورة، إلا أنه عندما وصل بالطعام جُن جنوّن أصحاب المضافة الذين جهزوا لنا أطيب طعامهم".

ويضيف: أوّسعوا صاحبنا شتمًا بغضبٍ عاصف، لم تنفع فيه توسلاتنا ولم يقبلوا من صاحبنا اعتذارًا إلا بعد إعلانه أن ما فعله هو فعل الجاهل أيّ مثل "أوشي" وتعني في لغة النوبة العبد المسترَق، وهو الذي لا يعرف عادات الناس.

وكان مدير الانتاج مصابًا بالسكري، وطلبنا الرحمة من مضيفيه لأن الضغط عليه قد يقتله، فقالوا إنه: "لو مات فسيرمون جثته عند كراكير النيل وهي حفر بين صخور جروف النيل".

ويتابع بقوله: "أصروا على رمي طعامنا وهددونا بالطرد من ديارهم لهذه الإهانة الكبيرة، وكان استرضاؤهم صعبًا ولم نغادرهم حتى أكرموّنا بعفّوهم وضيافتهم، وعلمنا أن معدن الكرم ما زال يشع فيهم".

التلة الحمراء

وشد انتباهه جزيرة "صاي" وهي ثاني أكبر جزائر النيل، وطولها 12 كلم وعرضها أكثر من 6 كلم، وتسكنها نوبة "السكّوت"، وفيها ترمي شباكك على بعد متر من الضفة فتمتلئ بسمك البلطي النيلي الأحمر.

وطاف مع فريقه بزورقين بين جزر النيل، إلى أن وصلوا للحمامات الكبريتية، والتي يعود أقدم تاريخ للعمارة العلاجية فيها إلى عهد الملك النوبي "كاشا" من الأسرة الخامسة والعشرين الفرعونية وتمنى لو جرى الاعتناء بها أكثر.

وأثناء وقوفه على أطلال مدينة "دُكي قِيل" أو التلة الحمراء في كرمة بشمال السودان، يوضح أن معظم مطالعته عن المدينة كانت نظرية لكن وقوفه عليها جعله أكثر جرأة على وصفها بأنها المدينة ذات العماد.

حيث كانوا يعبدون الشمس بالوقوف على سطوح آلاف الأعمدة المنتصبة والتي تنتشر أقراصها الدائرية بهالاتها الشعاعية في أرجاء المدينة التي لا يزال معظمها تحت الرمال وبساتين النخيل.

وعندما يميل بك الطريق إلى قرية "قنس" شمال السودان المفقودة من على الخريطة، تجد المزارع الضحوك العم داود، حيث أكرمنا بقهوة على نار الحطب، وكان لها طعم مستساغ رشفت منه رشفتين كاملتين قبل أن أعطيها لصديقي العزيز مهندس الصوت.

عقارب

وفي مسير الأشقر، استقرّ ترّحاله في مضافة أحد فضلاء "نُوبة السكّوت" شمال دنقلا على الضفة الشرقية للنيل، ويقول: "تناولنا عشاءَنا ورقدنا في مَضاجعنا تحت النجوم، إلا أن الغبار ثار فصَمَدْنا تحت أغطيتنا لشدة الحر داخل المضافة".

ويضيف: قُبيل الفجر أيقظَنِي المُضِيف ملهوفًا فزعًا للدّغ عقرب سامة شقيقته؛ ظانًا أنني طبيب فقد كان الفريق ينادونني "دكتور"، إلا أن أمله خاب كوني مجرد أستاذ جامعي لا أفيده، لكن مدير الإنتاج هبّ مسرعًا لنقلها لمستشفى قريب.

ويتابع: "أذّن الفجر فتهيأنا للصلاة فوجدت عقربًا سامة داخل سجادة الصلاة، وكادت أن تلدغني لولا اكتشافي حركتها الغريبة؛ فهويت بحذائي عليها وأصبتُها في مقتل".

تطلّعات بحثية

وحول طبيعة تحوّل الأشقر-المختص بالدراسات المقدسية-إلى هذا العمل البحثي، يقول إنه: "قد يكون مستغربًا أن أتجه هذا الاتجاه، لكن في حقيقة الأمر ينسجم هذا الاتجاه مع تطلعاتي البحثية؛ حيث إنني ما زلتُ أكوّن نظريتي حول جغرافية التوراة أو العهد القديم".

ويضيف: من المفيد لي أن أستكمل بحوثي النّظرية في هذا المربع، فـ "الصهاينة" يتحدثون عن الملك الفرعوني الوثني "تهارقا" الذي قَدِم من مصر وأنقذ مملكة بيت المقدس اليهودية من هجمات الآشوريين.

ويوضح أن "تهارقا" نوبي من أسرة الفراعنة السود وهي الأسرة الخامسة والعشرون التي حكمت ومصر والسودان وفلسطين قبل نحو 600 عام قبل ميلاد المسيح، وكانت ولادته ومدفنه في السودان.

ويوضح أنه تجوّل في مناطق نفوذه ومعابده التي أنشأها لإلهه "آمون رع" في النقعة والمصورات والبجراوية والكُرو وصُلِب وصادنقا وجبل البركل ومناطق كثيرة.

 ويشير إلى أن ما قطعه في هذه الرحلة في  مسار النيل بلغ حتى الآن مسافة تقدر بنحو 1600  كلم، ولاسيما أننا توغلنا في بعض المناطق بعيدًا  عن النيل، مشيرًا إلى أن التصوير ما زال جاريًا وهو  بحاجة إلى عام آخر حتى ينجز المشروع.

 ويضيف إلى أنهم سيتجهون لاحقًا في مسار  النيل الأزرق حتى منابعه ثم مسار النيل الأبيض،  ثم إلى ديار البجا شرقي السودان ثم إلى ديار                                                                       دارفور في الغرب، ويلفت إلى أن هناك نية أيضًا                                                                     للتوجه إلى عدد من الدول الإفريقية.




- انشر الخبر -