إلى الجنوب من مدينة الخليل تتمدد بلدة كبيرة في هضبة مرتفعة على أطراف نهايات جبال الخليل تمتد بعدها صحراء النقب وتحيط بها من الشرق والجنوب البريّة الصفراء.
هناك تجد اختلاطاً عجيباً بين الخضرة والصخر والصحراء والجبل، تجد الزيتونة الجبلية تواجه الرمال وهي تتشبث بالحجارة، وتجد الحقول الخضراء تزدان بسيقان الحبوب في بيئة شديدة المِراس.
يقولون إنها بلدة نشأت أيام العثمانيين ولا يعطون تاريخاً دقيقاً لنشأتها، لكن ما فيها من خِرَب وآثار وأطلال يحكي قصة حياة قديمة لم تنقطع، بل إن كهوفها البعيدة قرب قرية "مسافر يطا" ما تزال تسكنها عائلات فلسطينية توارثت السكن فيها جيلاً بعد جيل.
طبيعة يطّا الجبلية المفتوحة على الصحراء جعل منها ملاذاً آمناً لمئات الباحثين عن الأمان والحرية عبر الزمان، فهناك تكون قريباً من الجبل ومن الصحراء معاً، ويمكنك الاختفاء والتداري عن عيون الطالبين، ويمكنك أيضاً أن تكتشفهم بسهولة لاسيما أن تلك الهضبة قد امتلأت بأولئك الناس الذين استوطنوها وشكّلوا معاً عائلات جديدة مترابطة لها امتداداتها في كل فلسطين، وهم يحمون بعضهم ويحملون بعضهم عند كل طارئ.
وقد ساعد في نمو هذه البلدة أن أربعة أخماس أراضيها كانت وقفاً على حرم الخليل، ولكن هذه الأوقاف كانت ضعيفة التحصيل فيما يظهر فأهملها القائمون عليها مما جعل الناس يتوافدون عليها ويتكاثرون .
هذه البيئة الاستثنائية حوّلت أهالي البلدة إلى مجتمع خاص يحمي الغريب، ويكرم الضيف وعابر السبيل، ويفتح عينيه عليه أيضاً لئلا يكون مبعوثاً لعدوّ، فجمعوا بين الغَيْرة النبيلة والنباهة اليقظة والشجاعة والعناد، ولا يخلو تاريخ المقاومة الفلسطينية من أسماء كبيرة عطّرت بدمها أنحاء فلسطين وما حولها أو ذاقت مرارات السجون الطويلة.