أطلق الوزير الإسرائيلي والقيادي السابق حاييم رامون حركة شعبية جديدة سماها "إنقاذ القدس اليهودية" ضمت بين أعضائها شخصيات سياسية وعامة يسارية وغير يسارية، مشدداً على طابع حركته الشعبي البعيد عن الفهم السياسي التقليدي.
وجاء في بيان الحركة التأسيسي "أقيمت حركة إنقاذ القدس اليهودية عبر تحقيق الانفصال عن أراضي 28 قرية ومدينة فلسطينية تم ضمها لحدود المدينة بعد حرب عام 1967، رغم أن هذه القرى لم تكن يوما جزءاً من القدس".
وكانت أولى هذه التصريحات في العام 2010 ، عندما صرح يكير سيجف والذي كان يشغل حينها منصب "مسؤول ملف شرقي القدس" في بلدية الاحتلال بأن الأحياء التي تقع إلى الشرق من الجدار تشكل جزءاً من مدينة القدس. وأضاف سيجف -الذي كان يتحدث حينها في مؤتمر بعنوان "المساواة البلدية في شرقي القدس- بأنه لا يعرف أحداً -عدا أحزاب اليمين "شبه المتوهمة"- يرغب في أن يفرض السيادة الإسرائيلية على تلك الأحياء.
وأضاف أن لبناء الجدار أهدافاً سياسية ديموغرافية، وليس فقط أهدافاً أمنية. وكانت هذه المرة الأولى التي يصرح فيها أحد مسؤولي بلدية الاحتلال علناً بالرغبة في التخلص من الأحياء المقدسية خارج الجدار.
أما رئيس بلدية الاحتلال نير بركات فقد صرح علناً برغبته في التخلي عن هذه المناطق لأول مرة عام 2011. ففي يناير/كانون الثاني 2011 نقلت عنه الصحف الإسرائيلية قوله "يجب التنازل عن مناطق نفوذ البلدية الموجودة خارج الجدار". كما أوضح بركات أن الجدار في منطقة القدس يشكل "عازلاً أمنياً ووطنياً، ويجب أن يتم تحويله كذلك إلى دليل على ابتداء السيادة وانتهائها، أي أن كل ما يقع خارج هذا الجدار، ويكون أقرب إلى مناطق الضفة، ليس ضمن نفوذ البلدية، وكل ما يقع داخل هذا الجدار، أي أقرب إلى مركز المدينة، هو تحت نفوذ وسيادة البلدية.
وفي يوليو/تموز 2012، التقى يوسي هايمين مدير بلدية القدس مع منسق الحكومة في الضفة الغربية وطلب منه أن يتحمل الجيش المسؤولية عن الأمور البلدية في الأحياء المقدسية ما وراء الجدار، بمعنى آخر نقل هذه الأراضي والأحياء إلى نفوذ الإدارة المدنية.
محاولات عزل
وقد أظهرت تقارير صادرة عن مجموعة الأزمات الدولية عام 2012 أن رئيس البلدية يعمل من أجل إخراج الأحياء العربية في الجهة الشرقية من الجدار خارج المدينة، مع تشديد السيطرة على الأحياء العربية الموجودة إلى الغرب منه. وقد ورد في التقرير أن أحد مستشاري بركات قال في مقابلة خاصة للتقرير "لماذا نستثمر في تلك المناطق؟ في نهاية الأمر لن يكونوا جزءاً من إسرائيل".
والتنازل عن تلك الأحياء لا يعني نقل أمر إدارتها والسيادة عليها إلى جهة فلسطينية، وإنما يعني سحب هذه المسؤولية من البلدية ونقلها إلى جهات عسكرية إسرائيلية، أو جهات إدارية أخرى ولكن إسرائيلية.
وقد جاء في التقرير أن رئيس البلدية تلقى نقداً حاداً من قبل أعضاء الكنيست وأعضاء المجلس البلدي، الذين ينتمون للأحزاب اليمينية ويعتبرون حدود بلدية القدس الحالية حدوداً "مقدسة" على اعتبار أنها تمثل القدس الموحدة، وبناء على ذلك قام بتغيير تصريحاته بخصوص الأحياء خارج الجدار.
ففي الوقت الذي كان يدعو في البداية إلى إخراجهم تماماً من حدود نفوذ البلدية، أصبح بعد النقد يقول إنه لن يتخلى عن تلك الأحياء سيادياً، إنما يدعو إلى "تقاسم عبء إدارتها وتقديم الخدمات فيها بين البلدية والإدارة المدنية" إلى حين الوصول إلى حل سياسي.
وفي الـ25 من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ذكر تقرير صحفي للقناة الإسرائيلية الثامنة أن رئيس الحكومة نتنياهو اقترح في اجتماع المجلس الوزاري المصغر المنعقد يوم13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 أن يتم سحب الهويات الإسرائيلية من الفلسطينيين القاطنين في الأحياء ما وراء الجدار. وقد أمر نتنياهو في ذلك الاجتماع بعقد اجتماع مخصص لنقاش هذه الفكرة، وفق التقرير الذي نشر على القناة الثانية.
محاولة ردع
قال نتنياهو إن سكان تلك المناطق لا يقومون بواجباتهم بينما يتمتعون بالحقوق التي تعطيها لهم دولة "إسرائيل". وجاءت هذه التصريحات في سياق تهديد المقدسيين وردعهم عن مقاومة الاحتلال في محاولة لضبط الهبة الشعبية وقمعها. وركز نتنياهو على أحياء مثل مخيم شعفاط، كفر عقب، السواحرة.
وأضاف مراسل القناة عميت سيجل أن اجتماع الكابنيت تتلخص قراراته في نقطتين أساسيتين:
1. الحكومة لا تستطيع سحب كل الامتيازات من المقدسيين.
2. سحب الهويات الزرقاء من المقدسيين خاصة مخيمات شعفاط، كفرعقب، السواحرة. ويعني ذلك سحب الهويات من ربع السكان المقدسيين، وهي خطوة سياسية كبيرة وليست مجرد إجراءات أمنية.
وقد صادق مؤتمر حزب العمل المنعقد بتاريخ 9/2/2016 على خطة انفصال أحادية الجانب في الضفة الغربية وحول القدس، كما قرر الحزب العمل من أجل فصل عشرات القرى الفلسطينية المحيطة بالقدس عن منطقة نفوذ البلدية. مما يعنى سلخ مئتي ألف مقدسي عن مدينتهم، بهدف تهويد القدس، ويجري الحديث عن أحياء ضخمة (العيساوية، صور باهر، شعفاط).
أما حاييم رامون الذي يقود هذه الحملة فقد صرح بأنه "يجب أن نعيد سكان هذه القرى ليكونوا جزءاً من الضفة الغربية؛ وهذا الانفصال سيتيح لنا أولاً وقبل كل شيء تعزيز أمن سكان القدس من خلال إقامة جدار فصل أمني يفصل القدس عن هذه القرى والمناطق مثل الجدار القائم حالياً بين الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية و"إسرائيل"، كما ستتيح هذه الخطوة للجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن الأخرى العمل في هذه القرى، كما يعملون الآن في مناطق الضفة الغربية وليس كما عليه الحال الآن حيث يسمح للشرطة فقط بالعمل في هذه المناطق. ونتيجة لهذه الخطوة سنتخلص من مئتي ألف فلسطيني لن يكونوا بعدها من سكان القدس الدائمين، ولن يكونوا من أصحاب حق التصويت والانتخابات البلدية.
ووفق حركة رامون فإن هذه الخطوة ستغير الميزان الديموغرافي في القدس من أساسه لأن إعادة مئتي ألف فلسطيني إلى الضفة سترفع نسبة السكان اليهود في القدس إلى 80% مقابل تراجع نسبة العرب إلى 20% فقط، ما سيوفر على خزينة الدولة سنوياً نحو ثلاثة مليارات شيكل يتم دفعها حالياً لسكان القرى المقصودة على شكل مخصصات التأمين الوطني وخدمات صحية وبلدية وحكومية وغيرها من الخدمات.
أما رئيس بلدية القدس السابق أوري لوبيا نسكي فكان قلقاً جداً من الوضع الديموغرافي للقدس للعام 2040؛ حيث بيّت التقديرات أن العرب من سكان المدينة سيصبحون أغلبية فينتخبون رئيساً عربياٍ للبلدية. وقال "لا شك أن الشعب اليهودي الذي حلم على مدى الأجيال بأن يكون في القدس، وأن يرى فيها عاصمة الشعب اليهودي يجب أن يعمل الآن".
بلدية عربية
وفي جولة هرتسوغ في القدس قال "إذا لم ننفصل عن القرى الفلسطينية أحياء القدس فإننا سنخسر القدس". وأضاف "سنصحو ذات يوم لنجد رئيس بلدية القدس فلسطينياً".
وعلى ضوء هذا البرنامج الذي جاء على خلفية ديموغرافية وليس لأسباب أمنية، يمكن التساؤل هل ستقوم سلطات الاحتلال بسحب بطاقة الهوية الإسرائيلية من المقدسيين، وهي الهويات التي على ضوئها ستقوم بالفحص الفردي لكل شخص لترى إن كانت تفاصيله توائم شروط بطاقة الإقامة هذه.
وهذا الفحص الفوري لما يقارب مئة ألف مقدسي أمر معقد عملياً وقانونياً. وتبقى الطريقة المتاحة لتطبيق سحب الهويات من قاطني الأحياء خلف الجدار أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بتغيير حدود بلدية القدس، وهو أمر بعيد المنال.
فوفق القانون الأساسي والمسمى "القدس عاصمة إسرائيل" والذي يعتبر واحداً من أكثر القوانين حصانة في النظام الإسرائيلي، فإن تغير حدود البلدية يجب أن يوافق عليه -على الأقل- 61 عضواً من الكنيست الإسرائيلي، وهو أمر صعب الحدوث؛ خاصة أن الأحزاب اليمينية لن توافق على ذلك إذ تعتبر أي تغيير في الحدود البلدية للقدس مساساً بشعار "القدس الموحدة"، إضافة إلى ذلك فإن هناك قانوناً آخر يجعل هذا الأمر أصعب وأبعد منالاً، وهو قانون "استفتاء الشعب" والذي تمت المصادقة عليه نهائياً عام 2014.
وينص هذا القانون على أن أي قرار حكومي يقضي بتغيير في حدود "مناطق إسرائيلية" سواء كان ذلك عن طريق اتفاق سياسي مع الفلسطينيين أو بغيره يجب أن يحظى بموافقة 81 عضواً من أعضاء الكنيست، وفي حال لم يتوفر هذا العدد يمكن الذهاب إلى استفتاء شعبي للموافقة عليه.
والقاسم المشترك بين اقتراح هرتسوغ والخطط الأخرى التي طرحت مؤخرا هو التأييد لخطوات أحادية الجانب تعسفية كرد على العقدة السياسية والأمنية. وتواصل هذه الخطط تقاليد طويلة مقبولة في حزب العمل ومحيطه في التعامل مع الفلسطينيين كجموع عديمي الإرادة، ويمكن إلقاؤهم من جانب إلى آخر دون أن تكون لذلك أية نتائج.
وفي هذا الصدد يقول هرتسوغ إن "القدس ليست موحدة في الأصل وتعالوا لنقسمها فعلياً، فنحن لسنا بحاجة للأجزاء العربية التي تم ضمها في العام 1967، كما أننا لسنا بحاجة إلى العرب الذين يعيشون فيها. فلنبن المزيد من الجدر ونترك العرب لحالهم".
إذا نظرنا إلى طرح حزب العمل من الناحية النظرية فإن ما يقوله صحيح، حيث القدس مقسمة عملياً، غربية تعيش بالقرن الـ21 وشرقية تعيش في القرون الوسطى، وهنالك فروق من النواحي التعليمية والاجتماعية والبنى التحتية. وقد جاء هذا الأمر نتيجة للسياسات الحكومية والبلدية تجاه المدينة.
أما من الناحية العملية فإن نظرة سريعة مثلاً إلى نسب العمالة العربية في مجالات البناء والفندقة والمواصلات وغيرها، تؤكد صعوبة تطبيق خيار الفصل المقترح، فضلا عن اللجوء إلى خيارات من قبيل إلغاء إقامة سكان الأحياء العربية كسكان دائمين في "إسرائيل" ومنعهم من الحصول على المواطنة الإسرائيلية يمثل إجراءات مشكوك في قانونيتها ويصعب تبريرها من الناحية الأخلاقية.
*خليل التفكجي مدير الخرائط بجمعية الدراسات العربية
المصدر: الجزيرة نت