القانون بين مماحكات الدم والسياسة في فلسطين بقلم :فريح أبو مدين


تم النشر 03 يونيه 2016


عدد المشاهدات: 1665

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


أذكر حينما التحقت بكلية الحقوق في جامعة الاسكندرية أواخر ستينيات القرن الماضي، أن أول مقولة أو درس رسخ في ذهني كان من أحد الأساتذة الكبار، حينما قال أنتم هنا لنعلمكم التفكير القانوني السليم وتنمية الملكة القانونية. 

أما القانون فيولد ويموت تبعاً لحاجات المجتمع والناس، فلا قدسية له إن لم يستجب لتغيير الأحوال بين الناس وتنظيم العلاقة بينهم وبين ولاة الأمر من الجانب الثاني فنحن لا نعيش واقعا افتراضيا بل نتعايش مع واقع حقيقي. 

كم كانت هذه العبارات عظيمة تذكرتها بعد إقامة بازار الفتاوى والآراء في سوق عكاظ الذي أقيم بعد الإعلان عن النية في إعدام بعض المجرمين القتلة في قطاع غزة، ومع علمي أن الإعدام هو أقسى وأقصى عقوبة يمكن فرضها، وما تحتاجه من ضمانات قانونية وقضائية. 

ويذكر أهالي قطاع غزة أن جريمة سلب وقتل وقعت في القطاع في منتصف الستينيات، وضبطاً للأمور والأمن، قامت الإدارة المصرية بإعدام الجناة الثلاثة، مما كان له الأثر الكبير بطمأنة الناس على أرواحهم وأموالهم بالاقتصاص لدماء المغدورين. 

وقياساً أن معظم الجرائم الحالية التي تمس أمن المجتمع الغزي في مقتل هي قضايا مشابهة، وبغض النظر عن الجدل القانوني إلا أن المزعج هو تسييس الأمر، وللأسف التخفي خلف مؤسسات حقوق الإنسان بل والذهاب إلى مواثيق الأمم المتحدة ومدارس القانون في الدول الاسكندنافية التي انعدمت فيها الجريمة منذ زمن ليس زماننا ولا مجتمع كمجتمعنا. 

والقياس على ذلك تصبح قضية الإعدام، قضية عبثية يتحكم فيها القائمون على انقسام الوطن. وهنا أذكر أن الدول المانحة بعد قيام السلطة والمجلس التشريعي حضر وفد من دول الأوروبية المانحة لمكتبي بصفتي وزيراً للعدل حين بدأ المجلس التشريعي في تحديث القوانين ومنها قانون العقوبات، وكان الطلب منهم إلغاء عقوبة الإعدام أو أنهم سيوقفون المساعدات المتعلقة بالمساعدة القانونية والنظام العام. 

والحقيقة كانت معظم تلك المساعدات تذهب لمؤسسات حقوق الإنسان، ولقد قمت برفض الطلب لسببين أولهما أنه لا يمكن إلغاء الشريعة الإسلامية كمصدر من مصادر التشريع وهي واضحة في موضوع القصاص.

وثانياً، نحن مجتمع شرقي ننتمي للعالم الثالث وإلغاء العقوبة في هذه الحالة يصرف العقوبة من المجرم لعائلته وذويه أو من يربطهم بهم الاسم فقط أحياناً، وشرحت بوضوح موضوع قضايا الثأر التي تحبل ولا تلد إلا دماً وشراً في مجتمع لم يرتقِ بعد للخروج من هذه الدائرة. 

عرجت على ما سبق لأن هناك خلطًا بين الواقع القانوني والاجتماعي ورغبات البعض السياسية انعكاساً لانشطار الوطن مع العلم، وأزيد بأن أذكر عند بداية قيام السلطة مباشرة بإعدام من قتلوا بدم بارد أخوين من عائلة الخالدي، ولم نسمع ما نسمعه اليوم مع تماثل الجرائم وبشاعتها، وأوضح أن الجريمة والمحاكمة والإعدام تمت خلال أسبوع فقط حقناً للدماء بتوقيع الشهيد ياسر عرفات. 

وهنا أشير إلى أن بعض رجال العرف والعادة، وأقصد الشرفاء منهم قاموا ويقومون بالدور الكبير بإطفاء حرائق لا تستطيع السلطة أي ما كانت القيام بها، وهم يدركون ما لا يدركه أساطين ودهاقنة الآراء المسيسة. 

ويا ليت كانت هذه الأصوات العالية بهذا الوضوح والقوة حول إعدامات شباب الانتفاضة في الضفة وما تفكر به "إسرائيل" حالياً من فرض الإعدام بواسطة محاكمها على أبناء فلسطين. 

أما حكاية الرئيس وحقه أن يوقع أو لا يوقع للأسباب التي أوردها البعض فالكلام كثير حولها، ولكنني أعتقد أن هناك خطأ دستوريًّا أرجو من مجالسنا التشريعية القادمة إذا قيض لها أن تقوم بإلغاء المادة 109 من القانون الاساسي التي تمنح الرئيس (شرعيا أم غير شرعي) هذا الحق؛ لأن فيه إهدارًا لمبدأ استقلال القضاء بدرجاته المتعددة وتعدد قضاته في كل مرحلة من مراحل التقاضي حيث تكون قراراته عنواناً للحقيقة، أما أن يعلق كل هذا الجهد للقضاء والنيابة والشرطة والمحاماة على رغبة الرئيس وما يمثله من خضوع لمعادلات سياسية وخارجية وغيرها، فهذا خلل يجب تصويبه خاصة أن حكام العالم العربي ونحن منهم كالمطرقة لا ترى الشعب إلا مسامير يجب طرقها إذا اقتربوا من ذواتهم. 

وأختم، كفى للغة الهجينة التي يسمعها شعبنا في الضفة وغزة والشتات، وقليلاً من الانتباه لوطن وشعب ضائع بين الحكام والتنظيمات، وهي عناوين مؤقتة حتى ينهض الشعب.

* وزير العدل الأسبق

المصدر المركز الفلسطيني للإعلام 




- انشر الخبر -