أكد الأسير المحرر الصحفي محمد القيق، أن حملة التضامن الواسعة مع قضيته خلال معركة الأمعاء الخاوية التي خاضها على مدار أكثر من 90 يومًا، أثبتت جدوى الحراك التضامني والحملات الإعلامية، وأنه لم يعد مستحيلاً كسر إرادة المحتل الصهيوني.
وقال القيق في مقابلة خاصة مع "المركز الفلسطيني للإعلام" إنه قرر خوض إضرابه خلال فترة التحقيق؛ لمواجهة صلف محققي الشاباك داخل أقبيتهم المظلمة.
وقال القيق إن توظيف الإعلام بوسائله المتعددة، ونبض الجماهير والفعاليات الباهرة، إضافة إلى صبره وثباته .. كل ذلك كان يجري على قدم وساق برعاية الله وتوفيقه، وصولاً إلى اتفاق الانتصار ولحظات الحرية هذه.
وأشار إلى أنه خاض إضرابه بإيمان كبير وتصميم على تحقيق النصر، فكان شعاره "الانتصار أو الشهادة"، لافتا إلى أنه بعد 79 يوما أدرك أن مرحلة جديدة قد بدأت، وأن القضية باتت قضية الجماهير .. فلا مجال للتراجع، وباتت الشهادة بالنسبة له قاب قوسين أو أدنى ؟!!.
وأكد أن اعتقاله جاء على خلفية تصريحاته، حيث سعى الاحتلال لانتزاع اعتراف منه بالتحريض على الكيان الصهيوني، مشددًا على أن الإعلام يمثل السلطة الأولى وليس الرابعة، وأن الإعلاميين يصنعون التغيير والتحولات نحو التحرير والاستقلال.
وبمشاعر جياشة تحدث عن التحولات في غرفة (362) بمستشفى العفولة، غرفة الدموع، والأحزان، والتأوهات، خلال الإضراب، إنها غرفة الراحة والطمأنينة، غرفة الانتصار على ضباط الشاباك الذين هددوه بالقول: لن ترى زوجتك وأطفالك طيلة ثلاث سنوات، وستعزل في سجن لا اتصالات فيه.
وتحدث القيق عن تفاصيل دقيقه لم يذكرها من قبل، حول معركة كسر العظم بينه، وبين الشاباك الصهيوني، الذي اتبع كل الأساليب للضغط عليه، وكيف أدرك منذ البداية أهداف الاحتلال وأساليبه التي كان يسعى من خلالها إلى إسكات صوت إعلامي حر .. وفيما يلي نص المقابلة:
من الخلايا العسكرية للتحريض
* ما سبب الاعتقال .. ولماذا التحقيق مباشرة؟
- منذ اقتحام الجيش الصهيوني منزلي في رام الله، وتفتيشه والعبث به، وترويع أسرتي، ومن ثم اقتيادي للتحقيق مباشرة؛ أدركت أن هناك رسالة يسعى الاحتلال الصهيوني لإيصالها ولكن بعنف وترويع.
بدأ التحقيق معي حول تأسيس خلايا عسكرية للقسام، واتصالات مع الخارج في تركيا وقطر وغزة .. لكنني كنت على طمأنينة أن كل ما يطرح ليس هو المطلوب، ولا علاقة لي بأي جزئية منه، لكنهم كانوا يطرحون الكبير حتى يحققوا الصغير!!! وكانت خلاصة المطلوب: الاعتراف بأنني أحرض ضد كيان الصهيونية عبر الإعلام.
* ما الأساليب التي مارسها الاحتلال الصهيوني ضدك خلال الاعتقال؟
- كثيرة هي وسائل التحقيق العنصرية التي يمارسها الاحتلال الصهيوني داخل أقبية التحقيق؛ والمتمثلة بالضرب والشتم والضغط النفسي والتهديد والوعيد والحبس الانفرادي والحرمان من النوم.
غالبية هذا الوسائل مورست معي خلال مرحلة التحقيق، إضافة إلى حرماني من مقابلة المحامي الشخصي؛ وخاصة في المراحل الأولى من الاعتقال، كل ذلك مرفقا بتكبيل اليدين والرجلين وعصب العينين خلال الخروج والدخول إلى الزنزانة.
المواجهة في أقبية التحقيق
* أعلنت إضرابك عن الطعام وأنت في قسم التحقيق، وهذه سابقة.. ما الذي حدث؟
- اعتقالي لا مبرر له، فأنا إعلامي، ومحلل سياسي، ومن حقي ممارسة عملي، والإدلاء برأيي لوسائل الإعلام؛ لذلك شعرت من خلال أسئلة محققي الشاباك أنهم يخشون الحقيقة، وأنهم لا يريدون وصول صوتي للجماهير؛ لذلك كان الضغط الجسدي والنفسي يمارس معي لقتل روح المواجهة مع الجماهير المنتفضة، وحرمانهم من الحقيقة؛ عندها قررت مواجهة هذا الصلف العنصري بالإضراب المفتوح عن الطعام.
في البداية كان المحققون يهزؤون من موقفي، ويقولون: جربنا غيرك وسنكسر شوكتك، ولن تستطيع مواجهة الجماهير يا حضرة الإعلامي!!! هذا التحدي فرض علي نوعا آخر من التحدي، وهو مواجهة المحققين بالإضراب عن الطعام داخل أقبيتهم المظلمة.
* خضت الإضراب عن الطعام دون أخذ المدعمات، وهذه سابقة.. ألم تكن تخشى على حياتك؟
- عندما اتخذت هذا القرار كانت وجهتي فعلا الذهاب إلى الشهادة .. وكلما جال في خاطري صوره أهلي ووالدي وزوجتي وأطفالي أعتبر ذلك من الشيطان وأعمل على النسيان، فلم يكن أمامي مجال للعواطف ولا الأحزان، وإنما كان همي الأكبر .. الانتصار أو الشهادة؟! عشت في بداية الإضراب مع نفسي، وقررت قرارا لا رجعة فيه .. أن المنهج الوحيد لوضع حد للظلم الذي يمارس ضدي وضد الأسرى الإداريين هو الإضراب المفتوح عن الطعام.
ثقة بالنصر
* هل كنت على قناعة بالانتصار في خطواتك .. وأنك ستضع حدًّا لحكمك الإداري؟
- منذ اللحظات الأولى كنت أرى الانتصار كفلق الصبح، وكنت أشعر أن جميع الخطوات التي اتخذتها موفقة وتسير بنجاح، وأنا مرتاح نفسيًّا رغم الجوع والعطش، وهذا بدوره أشعرني أن هناك عناية إلهية بقضيتي.. وأصبح خطابي النفسي الداخلي .. ربي لن يضيعني، لذلك كنت أطوي اليوم بعد الآخر وأنا لست أدري كيف انقضى!!.
* هل كنت تدري وتعلم حجم التضامن مع قضيتك وإلى أين وصلت؟
- قطعا لا .. كنت أسمع بعض الأخبار البسيطة من المحامين الذين يتحرجون في إبلاغي بكل شيء أمام ضباط الأمن والشرطة الصهيونية.
* متى علمت بحجم التضامن المحلي والعربي والدولي مع قضيتك؟
- بعد 79 يوما من الإضراب وعندما زارني الشيخ رائد صلاح في مستشفى العفولة، وأبلغني أن قضيتي وصلت العالم، وأن خطباء الأقصى ومن على منبره يطالبون بالإفراج عني، وأن الأطفال يرفعون صوري في المدارس والاعتصامات.. بكيت!! وأدركت أن مرحلة جديدة قد بدأت، وأن القضية الآن ليست قضيتي الشخصية وإنما هي قضية الجماهير .. فلا مجال للتراجع وباتت الشهادة بالنسبة لي قاب قوسين أو أدنى؟!!.
* كيف كنت تستشعر تقدير مصلحة السجون والنيابة الصهيونية لإصرارك على الإضراب؟
- استمعت لضابطين من ضباط الأمن داخل مستشفى العفولة وهما يتحدثان بجانبي ظنا منهما أنني كنت نائما وهما يتحدثان بالعبرية قائلين: إن هذا السجين لن يطول مكوثه في السجن وسيتم خروجه قريبا؛ لأنه شكل ضغطا إعلاميا كبيرا، ولا تستطيع "الدولة" (الكيان العبري) تحمل ذلك! كما كنت أشعر بأن ضباط مصلحة السجون في حيرة، ومن قبلهم ضباط الشاباك؛ ولذلك ما كان من مصلحة السجون والشاباك إلا أن رفعوا عني الرقابة الأمنية وسمحوا للجميع بزيارتي ظنا منهم أنهم سيوهمون الرأي العام أنني لست في خطر؛ إلا أن نافذة إعلامية جديدة يسرها الله لي بعد العزلة، وبدأ السياسيون والإعلاميون والمحامون من الداخل والقدس المحتلة ووسائل الإعلام المتعددة، كلهم يخاطبونني وينقلون معاناتي إلى العالم، فكانت صفعة جديدة للاحتلال.
أسرار الغرفة 362
* كيف كان شعورك وأنت تتحدث لأول مرة مع والدك وزوجتك وأبنائك، بعد 90 يومًا من الإضراب؟
- أكثر ما كنت أخشى عليه حديثي مع والدي، الذي أعتبره صديقًا لي ولا يوجد بيني وبينه تكليف، خاصة أنه مريض قلب، وأجرى عملية قسطرة وشرايين خلال إضرابي وأنا لا أعرف؛ لذلك تمالكت نفسي ورفعت من معنوياته وأشعرته أنني في صحة وعافية.
كذلك كانت لحظات الشموخ والانتصار وأنا أقابل والدي وزوجتي وأبنائي في مستشفى العفولة وأحتضنهم بعد أن فقدوا الأمل من مشاهدتي حيا .. إنها عناية الله ورعايته .. غرفة (362) في مستشفى العفولة كانت غرفة التحولات .. إنها غرفة الدموع والأحزان والتأوهات خلال الإضراب، إنها غرفة الراحة والطمأنينة عندما استقبلت الشيخ رائد صلاح، والنائب محمد بركة، وحنين الزعبي، والمئات من الأنصار .. إنها غرفة الانتصار على ضباط الشاباك الذين هددوني بالقول: لن ترى زوجتك وأطفالك طيلة ثلاث سنوات، وستعزل في سجن لا اتصالات فيه .. ولكن على أعتاب غرفة الصمود المذكورة تحطم كبرياء وتهديد الشاباك .. وشاهدت أهلي وزوجتي وأطفالي بعد تسعين يوما!!.
* ما رسالة الإعلامي المحرر محمد القيق للإعلاميين؟
- أقول لزملائي في السلطة الأولى وليس الرابعة؛ لأنهم هم الذين يصنعون التغيير .. إن أقلامكم وكاميراتكم هي الحقيقة بعينها التي لا يملكها إلّا أنتم .. ومن خلال جهدكم وتضحياتكم تنقذون أرواحا بريئة، وتصنعون تحولات وتغييرًا نحو التحرير والاستقلال.
لقد فضحت لقطات الصحفي الفلسطيني (الباحث عماد أبو شمسية) الذي صور إعدام أحد الجنود الصهاينة الجريح عبد الفتاح الشريف (في الخليل) الاحتلال الصهيوني، فكان لجهده هذا أثر إعلامي وسياسي خدم قضية شعبنا.
المصدر المركز الفلسطيني للإعلام