إماطة الأذى عن الطريق


تم النشر 18 مايو 2016


عدد المشاهدات: 6005

أضيف بواسطة : عبدالعال محمد


إماطة الأذى عن الطريق


الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن بذل المعروف للمسلمين والإحسان إلى الآخرين من الأعمال التي يحبها رب العالمين، حيث قال أرحم الراحمين : ( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) [ البقرة:195].
يقول الشيخ السعدي – رحمه الله- :" هذا يشمل جميع أنواع الإحسان، لأنه لم يقيده بشيء دون شيء، فيدخل فيه الإحسان بالمال ...
ويدخل فيه الإحسان بالجاه، بالشفاعات ونحو ذلك، ويدخل في ذلك، الإحسان بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعليم العلم النافع، ويدخل في ذلك قضاء حوائج الناس، من تفريج كرباتهم وإزالة شداتهم، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، وإرشاد ضالهم، وإعانة من يعمل عملا والعمل لمن لا يحسن العمل ونحو ذلك، مما هو من الإحسان الذي أمر الله به...". تفسير السعدي (ص 90)
ويقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- :"أما الإحسان إلى عباد الله: فأن تعاملهم بما هو أحسن؛ في الكلام، والأفعال، والبذل، وكف الأذى، وغير ذلك، حتى في القول؛ فإنك تعاملهم بالأحسن ". شرح رياض الصالحين ( 2/13)
ومن صور الإحسان التي يحبها العزيز العلام أيها الأفاضل الكرام هي إماطة الأذى عن طريق أهل الإسلام، يقول الإمام ابن الأثير – رحمه الله- :"إماطة الأذى عن الطريق، وهو ما يؤذى فيها كالشوك والحجر والنجاسة ونحوها ".النهاية في غريب الأثر ( 1 /34)
لأن هذا العمل الكريم و الفعل القويم أيها الأحبة والإخوان هو من شعب الإيمان، فعن أبي هريرة– رضي الله عنه- أنَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أو بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إلا الله، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عن الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ من الْإِيمَانِ ". رواه البخاري (9) و مسلم (35) واللفظ له.
يقول الإمام النووي – رحمه الله- :" (وأدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عن الطَّرِيقِ،) أي تنحيته وإبعاده، والمراد بالأذى كل ما يؤذي من حجر أو مَدَر - قطع الطين اليابس- أو شوك أو غيره ".الشرح على صحيح مسلم ( 2/ 6)
ويقول الشيخ السعدي – رحمه الله- :" هذا الحديث من جملة النصوص الدالة على أن الإيمان اسم يشمل عقائد القلب وأعماله، وأعمال الجوارح، وأقوال اللسان فكل ما يقرب إلى الله، وما يحبه ويرضاه، من واجب ومستحب فإنه داخل في الإيمان. وذكر هنا أعلاه وأدناه، وما بين ذلك وهو الحياء ولعل ذكر الحياء؛ لأنه السبب الأقوى للقيام بجميع شعب الإيمان. فإن من استحيا من الله لتواتر نعمه، وسوابغ كرمه، وتجليه عليه بأسمائه الحسنى، والعبد -مع هذا كثير التقصير مع هذا الرب الجليل الكبير يظلم نفسه ويجني عليها- أوجب له هذا الحياء التوقِّي من الجرائم، والقيام بالواجبات والمستحبات.
فأعلى هذه الشعب وأصلها وأساسها: قول: "لا إله إلا الله" صادقاً من قلبه بحيث يعلم ويوقن أنه لا يستحق هذا الوصف العظيم، وهو الألوهية إلا الله وحده؛ فإنه هو ربه الذي يربيه ويربي جميع العالمين بفضله وإحسانه. والكل فقير وهو الغني، والكل عاجز وهو القوي، ثم يقوم في كل أحواله بعبوديته لربه، مخلصاً له الدين؛ فإن جميع شعب الإيمان فروع وثمرات لهذا الأصل.
ودلّ على أن شعب الإيمان بعضها يرجع إلى الإخلاص للمعبود الحق، وبعضها يرجع إلى الإحسان إلى الخلق.
ونبه بإماطة الأذى على جميع أنواع الإحسان القولي والفعلي. الإحسان الذي فيه وصول المنافع، والإحسان الذي فيه دفع المضار عن الخلق". بهجة قلوب الأبرار (ص 179)
لذا كان نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام يُوصي به أصحابه الكرام، فعن أبي بَرْزَةَ – رضي الله عنه- قال: قلت يا نَبِيَّ اللَّهِ عَلِّمْنِي شيئا أَنْتَفِعُ بِهِ ؟ قال :" اعْزِلْ الْأَذَى عن طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ". رواه مسلم (2618)
يقول المناوي – رحمه الله- :" أي إذا رأيت في ممرهم ما يؤذي كشوك وحجر فنحه عنهم ندبا فإنّ ذلك من شعب الإيمان ".التيسير بشرح الجامع الصغير ( 1/170)
لأن هذا العمل الجليل و الفعل النبيل من الصدقات التي يتقرب بها العبد إلى رب البريات، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"وَتُمِيطُ الْأَذَى عن الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ". رواه البخاري (2827) ومسلم (1009) واللفظ له.
يقول الإمام ابن بطال – رحمه الله- :"فإن قيل : كيف تكون إماطة الأذى عن الطريق صدقة ؟ قيل : معنى الصدقة إيصال النفع إلى المتصدق عليه ".شرح صحيح البخاري لابن بطال ( 6 / 591)
ويقول المناوي – رحمه الله- :" (وَتُمِيطُ ) بضم أوله تنحي (الْأَذَى) أي ما يؤذي المارة من نحو شوك وحجر (عن الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) على المسلمين".التيسير بشرح الجامع الصغير ( 2/214)
و فضله كبير وخيره كثير كما أخبرنا بذلك رسول العزيز القدير ،فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لقد رأيت رَجُلًا يَتَقَلَّبُ في الْجَنَّةِ في شَجَرَةٍ قَطَعَهَا من ظَهْرِ الطَّرِيقِ كانت تؤذي الناس". رواه مسلم (1914)
يقول الإمام النووي – رحمه الله-:"أي: يتنعم في الجنة بملاذها بسبب قطعه الشجرة ". الشرح على صحيح مسلم ( 16/ 171)
ويقول المناوي – رحمه الله- :" (يَتَقَلَّبُ في الْجَنَّةِ) أي يتنعم بملاذها أو يمشي ويتبختر (في شَجَرَةٍ) أي لأجل شجرة (قَطَعَهَا من ظَهْرِ الطَّرِيقِ) احتسابا لله ".التيسير بشرح الجامع الصغير ( 2/295)
وفي الختام أيها الأحبة الكرام علينا جميعا أن نحرص أشد الحرص على مدِّ يد العون والإحسان لأهل الإسلام بالقول والفعل و على حسب الطاقة و الإمكان ومن ذلك إزالة الأذى عن الطريق الذي هو من شعب الإيمان والذي سينفعنا يوم القيامة بإذن العزيز الرحمن، فعن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال :" بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ على الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ الله له فَغَفَرَ له ". رواه البخاري (2340) ومسلم (1914) واللفظ له.
يقول العيني – رحمه الله- :"فيه : فضيلة إماطة الأذى عن الطريق ، وهي أدنى شعب الإيمان ، فإذا كان الله عز وجل يشكر عبده ويغفر له على إزالة غصن شوك من الطريق ، فلا يدري ما له من الفضل والثواب إذا فعل ما فوق ذلك ".
عمدة القاري ( 5/ 172)
وعلينا أن نحذر كذلك أشد الحذر من أن نرتكب أيّ فعل مشين فيه ضرر على الآخرين، ومن ذلك إلقاء ما يُؤذي على طريق المسلمين،يقول الإمام ابن بطال-رحمه الله-:"طرح الشوك في الطريق والحجارة والكناسة والمياه المفسدة للطرق وكل ما يؤذي الناس تُخشى العقوبة عليه في الدنيا والآخرة".شرح صحيح البخاري لابن بطال( 6 / 600)
ويقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- :" وإذا كان هذا من المحاسن ومن الصدقات، فإن وضع الأذى في طريق المسلمين من مساوئ الأعمال، فهؤلاء الناس الذين يلقون القشور في الأسواق، في ممرات الناس؛ لاشك أنهم إذا آذوا المسلمين فإنهم مأزورون ". شرح رياض الصالحين (2/158)
وينبغي أن نعلم كذلك أن بذل الإحسان للمسلمين بشتى أنواعه هو من أهم الوسائل التي تجلب المحبة و الإخاء وتدفع الشحناء و البغضاء وغير ذلك من الشرور بإذن العزيز الغفور، يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- :"الإحسان يفرح القلب، ويشرح الصدر، ويجلب النعم، ويدفع النقم، وتَركه يُوجب الضيم والضيق، ويمنع وصول النعم إليه، فالجبن :ترك الإحسان بالبدن ، والبخل: ترك الإحسان بالمال ".طريق الهجرتين (ص 419)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يُوفقنا لكل ما فيه نجاح وفلاح، ومن ذلك أن يجعلنا ممن يحرص على كل خير، وأن يُجنبنا وإياكم كل ما فيه ضرر وشر، فهو سبحانه ولي ذلك و العزيز المقتدر.
 

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



- انشر الخبر -