يظن البعض أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية قائمة على مصالح إستراتيجية متبادلة بين الدولتين فقط، وأن الدعم الأمريكي المتواصل لإسرائيل ينبع من دورها الوظيفي الذي تؤديه في خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة فقط، إلا أن وراء هذه العلاقات بُعْدًا عقائديًّا أيديولوجيًّا يدفع ساسة واشنطن لمساندة المدللة إسرائيل.
لفهم طبيعة العلاقة يجب علينا أن نعرف أن الأيديولوجية الصهيونية قامت على مبدأ عقائدي يطالب إعادة اليهود وتجمعهم وإقامة دولة خاصة بهم في فلسطين باعتباره حلًّا للمسألة اليهودية. وعلى هذا المبدأ أقام «تيودور هرتزل» المؤتمر الأول في سويسرا بعدما وضع للصهيونية برنامجًا سياسيًا وتنظيمًا موحدًا تحت اسم (الحركة الصهيونية) عام 1897.
وتقوم العقيدة والأيديولوجية الصهيونية على ثلاثة عناصر هي: الشعب اليهودي المختار والكتاب المقدس وأرض اليهود، «وإذا اجتمعت التوراة وأمة التوراة فلابد من أن تكون معها أرض التوراة»، وهو ما يقوله أبرز مؤسسي إسرائيل ديفيد بن غوريون في قوله: «إن اليهود الذين يعيشون خارج إسرائيل كفار، ويتعرضون لنقض الفرائض اليهودية كل يوم».
في المقابل تعتمد العلاقات العقائدية والأيديولوجية بين إسرائيل والولايات المتحدة على المعتقدات الأنجليكاني التي يقف خلفها «التيار المسيحي الأنجليكاني» الذي ينتشر في الولايات المتحدة، ويعد من أقوى التيارات الدينية المسيحية التي تقر بأن «دعم إسرائيل فرض ديني على كل مسيحي»، وأن عودة اليهود للأرض المقدسة مسلم ديني ضمن نبوءة إنجيلية.
وقد ترسخت هذه القناعة ضمن موروثات جماعية في أذهان صناع القرار والرأي العام الأمريكي، فيما برزت شخصيات ذات وزن كبير سياسيًا وإعلاميًا تدعم هذا التوجه من ضمنها (جيري فالويل) مؤسسة حركة الأغلبية الأخلاقية الذي قال: «الوقوف ضد إسرائيل كالوقوف ضد الرب… (مضيفًا) نحن نؤمن بالكتاب المقدس والتاريخ يثبت أن الرب يجازي كل أمة بناء على كيفية تعاملها مع إسرائيل».
ومن أبرز الداعمين لهذا الطرح المؤتمر الوطني للتيارات المسيحية من أجل إسرائيل، والقدوة الأمريكية للتعاون المسيحي اليهودي، وهي كلها تستند إلى معتقدات دينية توراتية إنجيلية.
العلاقات الأمريكية الإسرائيلية مرتبطة بشبكة وثيقة من الروابط الإستراتيجية يدعمها الوازع العقائدي، ما يجعل نظر الولايات المتحدة لها مختلفًا عن أي حليف، وإمكانية انفكاكها ضعيفة وشبه معدومة.
النظرة الأمريكية لإسرائيل تنبني من أنها (بلد صديق، ديمقراطي، مجرب، ثمين، وحليف دائم) وهذه الأمور فيها إجماع عام يسود المستويات كافة مهما يكن قادة الأحزاب السياسية ومهما تكن الائتلافات الحكومية، وهذا يفسر الدعم الأمريكي لها لمواجهة تحدياتها الداخلية والخارجية على مدار السنوات الماضية.
وقد بات النظر الأمريكي لإسرائيل أقوى من الناحية الإستراتيجية، وهو ما فسره المستشار الأمريكي جوزيف شوربا بالقول: «إسرائيل منذ تأسيسها لعبت دور «مانع صواعق» تبعد اهتمام المتطرفين العرب بعيدًا عنا».
فيما تضع إسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية في قلب نظامها الإستراتيجي الذي يقوم على الحصول على العتاد العسكري الأكثر تقدمًا بسعر خاص، وإشراك الولايات المتحدة في أمن الشرق الأوسط وجعلها تقدم ضمانات أمنية أكثر وثاقة ما بين الفترة والأخرى.
وهذا يجعل إسرائيل تنخرط في الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، بحيث تكون الحليف الأهم الذي يعتمد عليه لحماية المصالح الأمريكية.
هناك تساؤل يطرح نفسه دائمًا في العلاقة بين البلدين «من يوظف من؟»، هل الولايات المتحدة الأمريكية توظف إسرائيل لخدمة مصالحها أم أن إسرائيل بمصالحها وتغلغلها في واشنطن تستخدمها لصالحها.
في الحقيقة لا يمكن إيجاد نتيجة في العلاقة سوى أنها تبادلية؛ فلكل طرف وظيفة إستراتيجية يقوم بها تعتبر مهمة وحيوية للطرف الثاني، فقوة إسرائيل لا يمكن أن تكون دون غطاء أمريكي، ولا يمكن الحفاظ على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط دون وجود إسرائيل قوية، ما يدفعنا للقول بأن هذه العلاقة «تكاملية».
المصدر موقع ساسة بوست