دلّت النصوص النبوية على أن المعصية التي يستتر صاحبها أخف جرما من التي يعلنها، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" كل أمتي معافى إلاّ المجاهرين ، وإنَّ من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه ، ويصبح يكشف ستر الله عنه " .
وقد ذمَّ الحديث من جاهر بالمعصية، فاستلزم ذلك مدح من استتر بها، وستر الله على عبده هو جزاء من جنس عمله حيث ستر العبد نفسه أولا فستره الله تبعا لذلك، فمن قصد إظهار المعصية والتبجح بها أغضب ربه فهتك ستره، ومن تستر منَّ الله عليه بستره في الدنيا، وإذا ستره الله في الدنيا لم يفضحه في الآخرة، فاللهم لا تهتك لنا سترا في دنيا ولا آخرة.
وقد أحصى المناوي في المجاهرة بالذنب أربع جنايات فقال:
" وذلك خيانة منه على ستر الله الذي أسدله عليه، وتحريك لرغبة الشر فيمن أسمعه أو أشهده، فهما جنايتان انضمتا إلى جنايته فتغلظت به، فإن انضاف إلى ذلك الترغيب للغير فيه والحمل عليه صارت جناية رابعة " .
ومن المجاهرة اليوم: تبرج النساء في الطرقات، وفحش اللسان واللعن عند الخصومات، والتباهي بارتياد أماكن العصيان وكسب السيئات.
وإلى هذا المشهد الأخروي الذي يبين قيمة الستر الرباني وعظمة الجود الإلهي :
قال : " إن الله تعالى يدني المؤمن فيضع عليه كنفه وستره من الناس، ويقرِّره بذنوبه فيقول : أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول : نعم .. أي رب حتى إذا قرَّره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه " .
والكنف: الجانب والساتر والعون، وهو هنا حفظه وستره وصونه عن الخزي والفضيحة، وهو مستعار من كنف الطائر وهو جناحه يصون به نفسه ويستر به بيضه فيحفظه، والكنف والدنو كلاهما مجازان لاستحالة حقيقتهما على الله تعالى.
لكن إياك أن تشعر من ذلك أني أحث على معاصي السر، كيف والنبي عليه الصلاة والسلام قد أخبر عن أناس يأتون بأمثال جبال تهامة حسنات فيجعلها الله هباء منثورا ذلك بأنهم خلوا بمحارم الله انتهكوها، لكنها دعوة إلى عدم خلع برقع الحياء مع الله، والحفاظ على حرمة المجتمع وعدم نشر الفساد إليه.