نحو صحبة أفضل للقرآن الكريم


تم النشر 28 إبريل 2016


عدد المشاهدات: 2288

أضيف بواسطة :


الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على نبيه وعبده، وآله وصحبه من بعده، وبعد:
يُذكر أن ولدًا سأل أباه - حيث كان هذا الوالد قد بلغ في العلم مبلغًا - فسأله ولده: ما الذي بلغ بك إلى هذا الذي قد وصلت إليه ؟!
فأشار الوالد إلى القرآن، ثم قال لولده موصيًا إياه:
هذا الذي كنت أطويه وأنشره ... حتى بلغتُ به ما كنت آمله
فدم عليه وجانب من يجانبه ... فالوحيُ أكرم علمٍ أنت حاملـه

- لا يبدأ رمضان إلا وتجد الشكوى من ضعف الإقبال على القرآن خاصة بعد انقضاء العشر الأول، وما ذلك إلا لضعف حسن الاستقبال لهذا الشهر الكريم، ولصحبة أفضل للقرآن في شهر رمضان أقترح الآتي، وليكن على المراحل الآتية:

المرحلة الأولى: القراءة عن الكتاب
وذلك بشحذ الهمة بقراءة الكتب التي تحدثت عن عظمته، وشوقت إليه، ورغبت فيه، والنصيحة: ألا يستغرق الإنسان في قراءة هذه الكتب وينسى المقصود، وهو الكتاب نفسه .
ومن الكتب المقترحة:
1- هذه رسالات القرآن، وبلاغ الرسالة القرآنية، للأستاذ الشيخ: فريد الأنصاري .
2- مدخل إلى التعريف بالمصحف الشريف، للدكتور: حازم حيدر .
3- الطريق إلى القرآن، للأستاذ: إبراهيم السكران .
4- المشوق إلى القرآن، لكاتب هذه الأسطر .


المرحلة الثانية: التصالح مع التلاوة والاستماع
وذلك بتخصيص ورد ثابت من القرآن لا يتركه الإنسان مهما أحيط به، وهذا هو دأب السلف الكرام، ما كانوا يتركون وردهم، وكانوا إذا انشغلوا عنه في ليلهم قضوه في نهارهم .
وليكن هذا الورد متدرجًا، فإن للنفس نفورًا فلتؤخذ بالتحايل !
"وليعلم الإنسان أنه مهما استمع إلى القرآن أو قرأه فإنه آخذ في الاهتداءِ بتنقية المحل، وتبديد ظلمته واستبدال النور به، وتخليته من الران، حتى إذا نقِّي المحل وطهّر؛ كان الاهتداء بالقرآن بزيادة نور القلب، فيحصل التلذذ التام بحصول النور التام، ويحصل الاهتداء التام بعد زوال أثر المعصية زوالا تامًّا!
ولا بد أن يعقبه غيابه عن شهود ألم الوقوف، وتعداد الدقائق، في الصلاة وفي التلاوة !!
فالاهتداء بالقرآن ليس هو حصول النور فقط، بل تبديد الظلام أيضًا، وهي هداية أسبق وأهم، وأطول وأجهد.
ولأجل ما فيها من عسرة؛ فإن كثيرًا من الناس لا يصبر عليها، ربما لأجل السأم، أو الانصياع لداعي الهوى، أو الشهوة، أو غير ذلك.
لكن أكثر الناس لا يعي أنه بحاجة إلى مجاهدة طويلة وصبر حتى يزيل آثر الغفلة والذنب من قلبه، ثم يستمتع بالقرآن والصلاة !

فالمقصود:
أولًا: لا تعجل على نفسك، واعلم أنّ طريق استقامة النفس طويلة، وشاقة.
ثانيًا: بقدر مكابدتك نفسَك وزجرها عما تحب؛ تملكها، وبقدر ملكك لنفسك؛ تستطيع أن تأطرها على الحقّ أطرًا.
ثالثًا: إذا أردت الانتفاع بالشهر حقًا؛ فعليك أن تعمل على جهتين:
1- امنع الأذى عن قلبك، وإنما يدخل الأذى إلى القلب رأسًا بلا واسطة من العين والأذن، وشرحه يطول، ودليله في القرآن، فلا تستمع ولا تنظر إلى الكذب ولا الزور، وما أكثر ذلك .
ثم لا تأكل السحت وأقلل من فضول الكلام، بل؛ امنعه !
2- عرّض قلبك لهدى الوحي أطول فترة ممكنة، ولا تسأم، ولا تعجل، ولا تقل: هلكت !
رابعًا: التأثر والتلذذ بالقرآن ليس هو البكاء مع الصوت الحسن، الذي رأيتُ بعضَ الأعاجم يفعله تأثرا بحسن أداء القارئ، وهو لا يفهم حرفًا مما قرئ !
بل هذا من جنس طرب النفوس بالموسيقى والألحان.
إنما علامة المتلذذ بالقرآن ألا يفقد اللذة من أي قارئ يحسن أحكام التلاوة، وإن زاد تلذذه بحسن الصوت.
نعم، لا بأس بتتبع حسَنِ الصوتِ في المساجد ولو بعُدت، فقط من باب مصانعة النفس والتحايل عليها، وعدم البأس مشروط بعلم فاعل ذلك أنه يصانع نفسه ويحايلها، وأنه لا بد أن يرتقي عن هذه المنزلة الدون !
أما المبالغات والتهويلات التي يعيشها بعض الناس، حتى يضيّع نصف الليل في التنقل من وإلى المسجد، ويمر في طريقه على عشرات المساجد التي يقرأ الناس فيها القرآن، ليس التوراة؛ فلا !
أخيرًا:
جهاد النفس والهوى والشيطان؛ لا ينقطع إلا بالموت، بخلاف غيره!
فوطّن نفسك على استمراره، واعلم أنه لا بد من غفلات ورقدات، ولكن لا تطل النوم !" [من كلام للأستاذ الشيخ: خالد بهاء].


المرحلة الثالثة: التصالح مع المعاني
فالعجب ممن يجهل معاني القرآن، كيف يلتذ به ؟!
فلا بد من جرد كتاب من كتب التفسير المناسبة لمستوى القاري، ومختصرات التفسير كثيرة جدًا، والتفضيل بينها ليس بالأمر اليسير، وأغلبها متقاربة، وهذا السؤال معيق عن القراءة عند كثير من السائلين، لذلك: فإن الإنسان لن يعدم فائدة إن اختار من الكتب التي يُنصح بها، ولن يفوته شيء كثير في الكتب التي تركها .
ويمكن مراجعة هذه الكتب في كتاب المشوق إلى القرآن .
ولغير المتخصص فسأرشده إلى منهج يقترب مما يبحث عنه أكثر الناس من معانٍ تحتوي على لطائف وملح، وقبل ذلك فلا بد من التنبيه على أنه لا يوجد كتاب من كتب التفسير مُحضت لذكر اللطائف والملح، وتلك اللطائف لا يصح أصلًا أن تكون بمعزل عن أصل المعنى الذي اُخذت منه .
1- لا بد عليه أن يعرف المعنى الذي دلت عليه الآية، ومن الكتب المعينة: (المعين لمجد مكي، وتفسير السعدي)، وسبب اختيار هذين الكتابين، يسرهما واعتناؤهما بشيء من اللطائف، ومما يمكن أن يلحق بهما: المختصر في التفسير .
2- اعتنى مركز تدبر بنشر لطائف الآيات في إصدارات متميزة تحت عنوان: (ليدبروا آياته)، ويمكن أن يُحرص عليها، مع كتاب (أفياء) للشيخ: عبدالله بلقاسم، ومتابعة جوال تدبر، وكتاب: (ليتفكروا) للشيخ: عبدالله القرشي)، وكتاب الشيخ: عبدالعزيز الطريفي، ولهم جميعًا استنباطات لطيفة جدًا، مع التزامهم بأصول البيان، والبعد عن التكلف والإغراب - غالبًا - .
3- الاعتناء بقراءة كتب الشيخ: فريد الأنصاري، والاستماع إلى تفسير الصوتي والمنشور على الشبكة، وكذلك كتب الأستاذ: السكران، وغيرهم ممن له عناية بهذا الباب .
4- القراءة في كتب التفسير التي تعتني باللطائف، كمحاسن التأويل للقاسمي، والظلال لسيد قطب .
5- القراءة عن مقاصد السور والآيات معين على استخراج كثير من اللطائف، وقليلة هي المصادر العامة والخاصة لهذا العلم، وهو باب يحتاج إلى كتابة، وتيسير للناس، ومما يصلح لهذا الأمر:
- أغراض السور في التحرير والتنوير، د. محمد الحمد .
- أسماء السور وفضائلها، د. منيرة الدوسري، فقد تعرضت لشيء من ذلك .
6- والباقي يعتمد على الإنسان نفسه في تثوير القرآن، شريطة ألا يتعجل نشر ذلك إلا بعد عرضه للتصويب أو التخطئة .

المرحلة الرابعة: التصالح مع القيام
إن لحزب الليل، وترتيل الكتاب في وقت اجتماع القلب = لقصة أخرى، إن مما نعانيه من هذه المادية الطاغية قلب حقائق الكون، إن الليل ليل، والنهار نهار، فلتخل أيها السالك بكتاب ربك في ظلمة الليل، ولتقرأ ما تحفظه، ولتثور القرآن، لتكن من الأمة القائمة التي تتلو كتاب ربها آناء الليل، فتسجد لمن هذا الكلام كلامه، فتقترب !.
فلا بد من تعويد نفسك على القيام بالكتاب، ليسهل عليك القيام في رمضان .
إن طول العهد في البعد عن الوحي= سبب عظيم من أسباب قسوة القلب !!
وليس للإنسان إلا أن يتصالح مع الوحي، ويعالج نفسه للإقبال على الوحي قرآنًا وسنة لإذابة تلك القسوة، كل هذا مع دعاء للذي يحيي الأرض !
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، أي: كما أن الله يحيي الأرض بعد موتها فهو الذي يحيي القلب بعد قسوته !!
نعم؛ في الصدور شهوات تتشوف .. وفيها شبهات تنبح .. وفي الصدور حجبٌ غليظة .. وفي الصدور طبقات مطمورة من الرين ...
وعلاج ذلك كله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ !!
ولا أحتاج إلى إطالة القول في العلاقة الوثيقة بين القرآن والصلاة، والسكينة التي يجدها المرء إذا صف قدميه بين يدي ربه .
وأنصح كثيرًا بالاستفادة من الكتابين الجميلين للأستاذ الشيخ: فريد الأنصاري:
1- جمالية الدين .
2- قناديل الصلاة .
والمقصود: أن صاحب الهمة، طالب النور، لا بد أن يزداد قربه من الكتاب يومًا بعد يوم، وهو بهذا آخذ في الاهتداء بنور الكتاب، دافعٌ للران الموجود على القلب .
وتذكروا قول ربنا عن الكتاب: وإنه لكتاب عزيز .
 


فبقدر قُربك = يكون أَخْذُكَ !



- انشر الخبر -