الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن الصلاة أيها الأحبة الكرام هي من أعظم شعائر الإسلام وأقوى مبانيه العظام، فمن حافظ عليها وأداها في وقتها كان من أهل الإيمان ونال بذلك رضا الرحمن وسيفوز بإذن المنان يوم القيامة بالجنان!.
وأما من ضيَّعها وفرَّط فيها فهو من أهل العصيان! وسيبوء إن لم يتب ويرجع إلى المنان بالحرمان و الخسران!.
ومن صور المحافظة عليها أيها الإخوة والأخوات أن تؤدى في الأوقات التي حددها لنا رسول رب البريات، قال سبحانه : (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) [ النساء : 103].
يقول الشيخ السعدي – رحمه الله- :" أي : مفروضا في وقته، فدل ذلك على فرضيتها وأن لها وقتا لا تصح إلا به ، وهو هذه الأوقات التي قد تقررت عند المسلمين صغيرهم وكبيرهم ، عالمهم وجاهلهم، وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله : (صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) [ رواه البخاري (605) واللفظ له، ومسلم (674) من حديث مالك بن الحويرث – رضي الله عنه-]. ودل قوله : ( على المؤمنين ) : على أن الصلاة ميزان الإيمان ، وعلى حسب إيمان العبد ، تكون صلاته ، وتتم وتكمل". تفسير السعدي ( ص 199)
وإنَ من الصلوات المكتوبات التي ينبغي أن يَحرص كل مسلم مقتدر على أدائها مع الجماعة ! لما جاء في فضلها من أجر ! واشتملت عليه من خير هي صلاة الفجر !!.
كيف لا يحرص المسلم أيها الأحبة والإخوان على صلاة! تجتمع فيها ملائكة العزيز المنان! ، فعن سعيد بن الْمُسَيَّبِ عن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" تجتمع مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ في صَلَاةِ الْفَجْرِ"، قال أبو هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه-: اقرأوا إن شِئْتُمْ ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كان مَشْهُودًا ) [الإسراء: 79] " . رواه البخاري (621) ومسلم ( 649) ، واللفظ له.
يقول الشيخ السعدي – رحمه الله- :"( وقرآن الفجر ) أي : صلاة الفجر ، وسميت قرآنا ، لمشروعية إطالة القرآن فيها ، أطول من غيرها ، ولفضل القراءة فيها ، حيث شهدها الله ، وملائكة الليل والنهار". تفسير السعدي ( ص 464)
كيف لا يعتني العبد بصلاة! من صلاَّها كان في حفظ وذمة الرحمن!، فعن جندب بن عبد الله – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من صلى الصُّبْحَ فَهُوَ في ذِمَّةِ اللَّهِ فلا يَطْلُبَنَّكُمْ الله من ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ في نَارِ جَهَنَّمَ ". رواه مسلم ( 657)
يقول ابن الجوزي – رحمه الله- :"معنى الحديث : أن من صلى الفجر فقد أخذ من الله ذماما، فلا ينبغي لأحد أن يؤذيه بظلم ، فمن ظلمه فإن الله يطالبه بذمته ".كشف المشكل ( 2/ 49)
كيف لعاقل!أن يضيع صلاة ! هي من أسباب رضا الرحمن والفوز بالجنان! فعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من صلى الْبَرْدَيْنِ دخل الْجَنَّةَ".رواه البخاري (548) ومسلم (635)واللفظ له.
يقول المناوي – رحمه الله- :"(من صلى الْبَرْدَيْنِ) بفتح الموحدة وسكون الراء صلاة الفجر والعصر لأنهما في بردي النهار أي: طرفيه، والمراد أداؤهما وقت الاختيار ( دخل الجنة ) مفهومه أن من لم يصلهما لا يدخلها، وهو محمول على المستحل أو أراد دخولها ابتداء من غير عذاب، وعبر بالماضي عن المضارع لمزيد التأكيد بجعل متحقق الوقوع كالواقع ، وخصهما لزيادة شرفهما، أو لأنهما مشهودتان تشهدهما ملائكة الليل والنهار، أو لكونهما ثقيلتان مشقتان على النفوس لكونهما وقت التشاغل والتثاقل، ومن راعاهما راعى غيرهما بالأولى، ومن حافظ عليهما فهو على غيرهما أشد محافظة".فيض القدير (6 /440)
كيف يَمنع نفسه! أيها الإخوة والأخوات من صلاة!هي من أفضل الصلوات عند رب البريات! وبالأخص في يوم الجمعة الذي هو من أفضل الأيام عند العزيز العلام، فعن ابن عمر – رضي الله عنهما– أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إنَّ أَفْضَلَ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ اللَّهِ صَلاَةُ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي جَمَاعَةٍ ". رواه البيهقي في الشعب ( 3/115)، وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله- في السلسلة الصحيحة ( 1566)
يقول المناوي – رحمه الله- :" لأنّ يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع... ". التيسير بشرح الجامع الصغير ( 1 /185)
كيف له أن يُفرط! في صلاة! راتبتها خير من الدنيا وما فيها! فعن عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ من الدُّنْيَا وما فيها ". رواه مسلم ( 725)
يقول الملا علي قاري – رحمه الله- :" (خَيْرٌ من الدُّنْيَا وما فيها ) أي : ما في الدنيا من المال والجاه ، وما هو دنيوي لا الأعمال الصالحة الصادرة من عباده . وقال الطيبي : إن حمل الدنيا على أعراضها وزهرتها ، فالخير إما مجرى على زعم من يرى فيها خيراً أو يكون من باب : أي الفريقين خير مقاماً ، وإن حمل على الإنفاق في سبيل الله فتكون هاتان الركعتان ، أكثر ثواباً منهما ".مرقاة المفاتيح ( 3 /220)
كيف له! أيها الأحباب أن يَحِرم نفسه من صلاة! المشيُ إليها هو نورٌ له يوم القيامة بإذن العزيز الوهاب، فعن بُرَيْدَةَ بن الحصيب – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ في الظُّلَمِ إلى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يوم الْقِيَامَةِ ". رواه أبو داود ( 561)، وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله- .
يقول العظيم آبادي – رحمه الله- :"( بشر المشائين ) جمع المشاء وهو كثير المشي ( في الظلم ) جمع ظلمة ( بالنور ) متعلق ببشر ( التام يوم القيامة ) ". عون المعبود (2/ 188)
فهل يُحب المتكاسل ! عن هذه الصلاة العظيمة والعبادة الكريمة أن تكون فيه خصلة من صفات المنافقين؟! فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال :" إِنَّ أَثْقَلَ الصَّلَاةِ على الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ ما فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ". رواه ابن ماجة (797)، وصححه الألباني – رحمه الله- .
يقول الإمام ابن رجب – رحمه الله- :"وإنما ثقلت هاتان الصلاتان فِي المساجد عَلَى المنافقين أكثر من غيرهما من الصلوات لأن المنافقين كما وصفهم الله فِي القرآن ( إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ) [النِّسَاء : 142] والمرائي إنما ينشط للعمل إذا رآه النَّاس ، فإذا لَمْ يشاهدوه ثقل عَلِيهِ العمل". فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن رجب (4/48)
هل يُريد أن يُساء به الظن ؟! فعن ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما- قال:" كنا إذَا فَقَدْنَا الرَّجُلَ في صَلاَةِ الْعِشَاءِ وَصَلاَةِ الْفَجْرِ أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ ". رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/292)
يقول المناوي – رحمه الله- :"لأن العشاء وقت استراحة، والصبح وقت لذة النوم صيفا وشدة البرد شتاء ، وأما المتمكنون في إيمانهم فتطيب لهم هذه المشقات لنيل الدرجات، لأن نفوسهم مرتاضة بأمثالهما متوقعة في مقابلة ذلك ما تستخف لأجله المشاق، وتستلذ بسببه المتاعب لما تعتقده في ذلك من الفوز العظيم بالنعيم المقيم والخلاص من العذاب الأليم،ومن ثم كانت قرة عين المصطفى في الصلاة ،ومن طاب له شيء ورغب فيه حق رغبته احتمل شدته بل تصير لذته ، ولم يبال بما يلقى من مؤنته، ومن أحب شيئا حق محبته أحب احتمال محنته حتى إنه ليجد بتلك المحنة ضروبا من اللذة.
ألا ترى أن جاني العسل لا يبالي بلسع النحل لما يتذكر من حلاوة العسل!، والأجير لا يعبأ بارتقاء السلم الطويل مع الحمل الثقيل طول النهار لما يتذكر من أخذ الأجرة بالعشي!، والفلاَّح لا يتكدر بمقاساة الحر والبرد ومباشرة المشاق والكدِّ طول السنة لما يتذكر من أوان الغلة!، فكذا المؤمن المخلص إذا تذكر الجنة في طيب مقيلها وأنواع نعيمها هان عليه ما يحتمله من مشقة هاتين الصلاتين وحرص عليهما بخلاف المنافق!". فيض القدير ( 1 / 64)
وهل يرضى! أن يُصبح خبيث النفس كسلان؟! فعن أبي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ على قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ إذا نَامَ ، بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا، فإذا اسْتَيْقَظَ فذكر اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وإذا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عنه عُقْدَتَانِ، فإذا صلى انْحَلَّتْ الْعُقَدُ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ ". رواه البخاري (1091) ومسلم (776) واللفظ له.
يقول الإمام النووي – رحمه الله- :"وقوله صلى الله عليه وسلم (وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ) معناه : لما عليه من عقد الشيطان وآثار تثبيطه واستيلائه مع أنه لم يزل ذلك عنه ،وظاهر الحديث أن من لم يجمع بين الأمور الثلاثة، وهي الذكر ، والوضوء، والصلاة ، فهو داخل فيمن يصبح خبيث النفس كسلان ". الشرح على صحيح مسلم ( 6/67)
فإذا عليك أيها المذنب ! أن تبادر بالتوبة والغفران والرجوع إلى العزيز المنان، لأن أبواب التوبة ولله الحمد مفتوحة قبل فوات الأوان.
يقول ابن الجوزي -رحمه الله- :"كلامك مكتوب وقولك محسوب وأنت يا هذا مطلوب،و لك ذنوب وما تتوب ،وشمس الحياة قد أخذت في الغروب، فما أقسى قلبك من بين القلوب ". التبصرة (2/272)
وكن – رعاك الرحمن- من الذين قال عنهم المنان: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) [آل عمران: 135].
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله- :" أي : صدر منهم أعمال سيئة كبيرة أو ما دون ذلك، بادروا إلى التوبة والاستغفار، وذكروا ربهم، وما توعد به العاصين ووعد به المتقين،فسألوه المغفرة لذنوبهم والستر لعيوبهم مع إقلاعهم عنها وندمهم عليها،فلهذا قال:(ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون)" تفسير السعدي (ص 149)
وعليك أن تَبذل الأسباب التي تعينك بإذن العزيز المقتدر على الاستيقاظ لصلاة الفجر! ومن ذلك أن تحرص على فعل الطاعات والتزود من الخيرات التي تُقربك من رب البريات ، و أن تجتنب المعاصي و الذنوب التي هي سبب في قسوة القلوب! و البعد عن علاّم الغيوب، يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- :"ما ضُرب عبدٌ بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله ". الفوائد (ص97)
ومن ذلك أيضا أن تضع منبها أو أن توصي من يُوقظك للصلاة!وعليك أن تحذر أشد الحذر من داء خطير!ومرض عسير ! ابتلي به – وللأسف!!- الكثير! ألا وهو السهر فيما لا فائدة فيه! مع أن في ذلك مخالفة لهدي خير المرسلين وسيد ولد آدم أجمعين، فعن أبي بَرْزَةَ- رضي الله عنه-قال :" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ ، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا" . رواه البخاري (568) ومسلم ( 647)
يقول الإمام النووي – رحمه الله- :"قال العلماء : وسبب كراهة النوم قبلها: أنه يعرضها – أي الصلاة- لفوات وقتها باستغراق النوم أو لفوات وقتها المختار والأفضل، ولئلا يتساهل الناس في ذلك فيناموا عن صلاتها جماعة، وسبب كراهة الحديث بعدها: أنه يؤدي إلى السهر، ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل، أو الذكر فيه، أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو في وقتها المختار أو الأفضل، ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدين والطاعات ومصالح الدنيا". الشرح على صحيح مسلم (5/ 146)
فالله الله أيها العبد المسلم في المحافظة على هذه الصلاة العظيمة والعبادة الكريمة وعلى جميع الصلوات، احرص– رعاك الله- أشد الحرص على إتيان ما يَتعلق بها من شروط وواجبات ومستحبات! تنل بذلك الخير الكثير والأجر الكبير بإذن الله العزيز القدير.
فأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا جميعا لفعل الطاعات ومن ذلك المحافظة على الصلوات و الحرص على العبادات و أن يجنبنا وإياكم فعل المنكرات ومن ذلك التكاسل وتضييع الصلوات وسائر المحرمات، فهو سبحانه ولي ذلك ورب الأرض والسموات.