نور العلم


تم النشر 18 إبريل 2016


عدد المشاهدات: 2591


نور العلم


الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن أفضل ما صرفت فيه الأوقات وأحسن ما عُمِّرت به الساعات وبُذلت فيه الطاقات هو طلب العلم الشرعي النافع الذي يرفع الله سبحانه مكانة صاحبه ويُعلي درجاته في الدنيا والآخرة،قال تعالى:(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) [ المجادلة :11].
قال القرطبي –رحمه الله- :"أي في الثواب في الآخرة، وفي الكرامة في الدنيا، فيرفع المؤمن على من ليس بمؤمن، والعالم على من ليس بعالم".تفسير القرطبي ( 17/299)
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- :"ولم يعين عز وجل الدرجات لأن هذه الدرجات بحسب ما مع الإنسان من الإيمان والعلم ،كلما قوي الإيمان وكلما كثر العلم وانتفع الإنسان به ونفع غيره،كان أكثر درجات".شرح رياض الصالحين (5/419)
إن من توفيق الباري جل وعلا لعبده أن ييسر له الأخذ من ميراث الأنبياء وزاد الأتقياء ، الذي هو قائد لتقوى الله تعالى بفعل الطاعات والتزود من الخيرات ومانع من ارتكاب المحرمات و التجرؤ على المنكرات، والذي هو أفضل مكتسب وأعلى منتسب، قال صلى الله عليه وسلم :"من يُرِدْ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ ". رواه البخاري (71) ومسلم (1037) من حديث معاوية –رضي الله عنه-.
قال ابن بطال–رحمه الله- :"وفيه فضل الفقه في الدين على سائر العلوم،وإنما ثبت فضله، لأنه يقود إلى خشية الله، والتزام طاعته،وتجنب معاصيه ".شرح صحيح البخاري لابن بطال(1/ 154)
أيها الأحبة الكرام يكفي معلم الناس الخير ، الداعي للتمسك بالكتاب و السنة أنه ينتفع بعلمه بعد موته بعون الله،فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إذا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إلا من ثَلَاثَةٍ إلا من صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له". رواه مسلم (1631)
قال الإمام النووي –رحمه الله- :"قال العلماء معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له، إلا في هذه الأشياء الثلاثة، لكونه كان سببها فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف".الشرح على صحيح مسلم( 11/ 85)
يقول الإمام ابن القيم (رحمه الله) -مبينا مكانة العلم ورفعته- :" فيا لها من مرتبة ما أعلاها ومنقبة ما أجلها و أسناها أن يكون المرء في حياته مشغولا ببعض أشغاله، أو في قبره قد صار أشلاء متمزقة وأوصالا متفرقة، وصحف حسناته متزايدة يملى فيها الحسنات كل وقت، وأعمال الخير مهداة إليه من حيث لا يحتسب، تلك والله المكارم والغنائم،وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وعليه يحسد الحاسدون،وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وحقيق بمرتبة هذا شأنها أن تنفق نفائس الأنفاس عليها ويسبق السابقون إليها،وتوفر عليها الأوقات وتتوجه نحوها الطلبات".طريق الهجرتين(ص521)
أيها الأفاضل الكرام إن مما يشرف العلماء الربانيين الأصفياء أن بهم يهتدي الحيران في الظلماء، فهم منارات الهدى ومصابيح الدجى، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:"هم في الأرض –أي العلماء- بمنزلة النجوم في السماء بهم يهتدي الحيران في الظلماء وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام و الشراب..". إعلام الموقعين (1/9)
فعلينا أيها الكرام أن نتذكر دائما ما جاء في النصوص الكثيرة في بيان مكانة العلم و العلماء وفضل تحصيله، وضرر الجهل والتنفير منه، يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :" فلو ظهرت صورة العلم للأبصار لزاد حسنها على صورة الشمس والقمر، ولو ظهرت صورة الجهل لكان منظرها أقبح منظر، بل كل خير في العالم فهو من آثار العلم الذي جاءت به الرسل ومسبب عنه، وكذلك كل خير يكون إلى قيام الساعة وبعدها في القيامة، وكل شر وفساد حصل في العالم ويحصل إلى قيام الساعة وبعدها في القيامة، فسببه مخالفة ما جاءت به الرسل في العلم والعمل".مفتاح دار السعادة ( 1/116)
فلنبادر أيها الأحبة الكرام في بذل الأسباب لتحصل العلم الشرعي الذي ينفعنا، سائلين الله جل جلاله العون والتوفيق إلى ذلك، مذكرين أنفسنا دائما بالإخلاص لله جل وعلا في طلبنا له،وأن لا نفتر و لا نكسل ولا نسوف في طلبه فهو عبادة ولنستحضر قول رسولنا صلى الله عليه وسلم :" وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا سَهَّلَ الله له بِهِ طَرِيقًا إلى الْجَنَّةِ". رواه مسلم (2699)من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-.
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- :"سلوك الطريق يشمل الطريق الحسي: الذي تقرعه الأقدام مثل أن يأتي الإنسان من بيته إلى مكان العلم سواء كان مكان العلم مسجدا أو مدرسة أو كلية أو غير ذلك، ومن ذلك أيضا الرحلة في طلب العلم، أن يرتحل الإنسان من بلده إلى بلد آخر يلتمس العلم، فهذا سلك طريقا يلتمس فيه علما وقد رحل جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب حديث واحد مسيرة شهر كامل على الرواحل على الإبل سار من بلده إلى بلد مسيرة شهر من أجل حديث واحد رواه عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الثاني: فهو الطريق المعنوي، وهو أن يلتمس العلم من أفواه علماء ومن بطون الكتب، فالذي يراجع الكتب للعثور على حكم مسألة شرعية، وإن كان جالسا على كرسيه، فإنه قد سلك طريقا يلتمس فيه علما، ومن جلس إلى شيخ يتعلم منه فإنه قد سلك طريقا يلتمس فيه علما، ولو كان جالسا، فسلوك الطريق ينقسم كما سمعتم إلى قسمين: قسم يراد به الطريق الذي تقرعه الأقدام، والثاني يراد به الطريق الذي يتوصل به إلى العلم وإن كان جالسا.
(من سلك هذا الطريق سهل الله له به طريقا إلى الجنة): لأن العلم الشرعي تعرف به حكم ما أنزل الله تعرف به شريعة الله تعرف به أوامر الله، تعرف به نواهي الله، فتستدل به على الطريق الذي يرضى الله عز وجل، ويوصلك إلى الجنة وكلما ازددت حرصا في سلوك الطرق الموصلة إلى العلم ازددت طرقا توصلك إلى الجنة.
وفي هذا الحديث من الترغيب في طلب العلم ما لا يخفى على أحد فينبغي للإنسان أن ينتهز الفرصة، ولا سيما الشاب الذي يحفظ سريعا ويمكث في ذهنه ما حفظه ينبغي له أن يبادر الوقت، يبادر العمر قبل أن يأتيه ما يشغله عن ذلك".شرح رياض الصالحين (5/433)
فهذه أيها الأحبة ذكرى يسيرة لشرف العلم ومكانته، أردت من خلالها أن أذكر نفسي أولا لعل الله بجوده وكرمه ينفعني بها ، وينفع كل سالك لطريق العلم حتى يحمد الله جل جلاله أن وفقه لهذا الفضل العظيم والشرف الكبير ، ويسأله سبحانه الثبات على ذلك، وأيضا لكل من أراد أن يتعلم ويرفع الجهل على نفسه لعلها تكون بعون الله حافزا ومعينا له على ذلك.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى و صفاته العليا أن يوفقنا وإياكم العلم نافع و العمل الصالح فهو سبحانه قدير وبالإجابة جدير.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



- انشر الخبر -