رسالة إلى مجاهدي غزة
مسلم واحد أحب إليَّ من الروم وما حوت
إنها صيحةٌ راشدة نُظمت من دُرر ، ورشفة صافية رشحت من عمر ، يوم رأي طلب الروم مجازفة دامية ، وغزوهم مغامرة حامية ، فقال رضي الله عنه تلك الكلمة المسئولة التي لامست قلوباً بالله موصولة ، فأنبتت عزماً مواراً ينساب وفق نظم وخطط ، وينفر من التهور والشطط ، وهو الذي كفكف قادة جيشه على جبهة فارس ، وكفهم عن التوغل فقال : ( وددت لو أن بيننا وبينهم خندقاً من نار ، فلا نصل إليهم ولا يصلون إلينا ) ، لقد آثرت سلامة المسلمين على الغنائم " .
ما أعظم التوازن والاعتدال ، عندما يتربى عليه الرجال ، ويتسلح به المجاهدون الأبطال ، فيحسنون المخاطرة العاقلة في جميع الأحوال ، ويستأنسون بحكمة المتنبي حين قال :
الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا بنفس حرة بلغت من العلياء كل مكان
فمع أن الشهادة رفعة وسمو ، وشرف وعلو ، إلا أن المسلم لا يتمنى لقاء العدو ، ولكن إذا وجب اللقاء ، وحكم القضاء ، تقدم للتضحية والفداء ، متوحشاً بالدهاء ، مصحوباً بالحذر من شراك الأعداء .
يا مجاهدينا الميامين ، ويا صناع البطولة في كل الميادين :
لقد أتى على الأمة حين من الدهر ، اثَّاقل فيه أبناؤها إلى الأرض وعشقوا الحياة ، فلا ترى طلاب الموت إلا على ندرة ، ولكن ثقافة الشهادة اليوم غزت الألوف من الشباب الواعد ، الذين نبتوا في المساجد ، وتحدوا الفيالق وهزموا الشدائد ، وإنها لمن بشائر التمكين ، ودلائل الفتح المبين ، ومعالم الغلبة لجنده الصادقين ، لو أنها رشدت بمزيد وعي ، وإحكام سعي ، يصون الدم ، ويدرأ عنا اللوم والذم ، ويدحر كيد العادي وهو خائب مغتم .
فالشجاعة إن نقص منسوبها فهي جبن ملوم ، وإن زادت عن حدها في تهور مذموم ، والوسطية هي السبيل إلى الهدف المحتوم ، ولقد فاضت قلوب جندنا بحب الشهادة إلى درجة مزعجة ، وجب عندها التحذير ، ولزم الهمس والتذكير ، كيف لا وقد تمكن العدو من اصطياد بعض الصفوة فراداً وجماعات على حين غرة ، وأكثر من مرة ، مما يشي بتسيِّب لا يريح ، واستهتار قبيح ، ونسينا قول الله تعالى : " يا أيُّها الذينَ آمنوا خُذوا حِذركم فانفروا ثبُاتٍ أوِ انفروا جميعاً " حيث قدم الاحتياطات الأمنية على الإعدادات العسكرية ونسينا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
( استعينوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان ) وقول العرب : ( إذا كان عدوك نملة فلا تنم له ) وقول الشاعر :
إن العدو وإن أبدى مسالمة وإذا رأى منك يوماً غرة وثباً
يا جند الإسلام:
قدركم عظيم وجهدكم في حماية الفرض والعرض والأرض جسيم ، ولقد قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- : ( رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه ) وإن من معرفتك لقدر نفسك أن تموت وتُميت مصداق قول الله تعالى : " يُقاتلِون في سبيلِ اللهِ فيَقتلُون ويُقتلَون "، فلا تكونن طُعماً ميسوراً ، لا تُشمت بالمسلمين عدواً محقوراً ، فإن لم تُحدث في العدو نكايةً ، ولم تربك أمنهم بسبل الوقاية والحماية ، فقد قصرت في تحقيق الغاية ، وليس هذا اعتراضاً على المقدور ، بقدر ما هو رفض للفتور ، وتنديد بالغفلة التي تعقب الثبور وتأتي بعظائم الأمور، فالأخذ بالأخلاق الأمنية ، والاحتياطات الاستباقية وقاية من الفخاخ الصهيونية ، والعيون السلولية ، وهزيمةٌ لمنظومتهم العسكرية ، ومن غفل عن ذلك ، عرض نفسه وإخوانه للمهالك .
يا عناوين الوفاء :
إليكم بعض التوصيات ، علَّها تجنبنا العثرات ، وتعصمنا من الكبوات ، وتحفظ أبطالنا من الاغتيالات :
¯لا تكن فضولياً تلهث وراء الأخبار ، وتتبع الأسرار ، فقد قال النبي المختار – صلى الله عليه وسلم- : ( من حسن خلق المرء تركه ما لا يعنيه )
¯ ليكن لسانك صموتاً وكلامك قوتاً ، ولقد قال -صلى الله عليه وسلم- : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) فمن ثرثر كثيراً قلَّت هيبته ، وقصُرت عزيمته ، فكن للأسرار قبراً ، وازدد كتماناً وصبراً على ما أحطت به خُبرا ً، فهلاك الإنسان في فلتات اللسان وكم من حروفٍ تجر الحتوف ، والصمت أعظم غنيمة ، وعواقبه لاشك سليمة .
¯احذر الرياء والغرور ، وتجنب السمعة وحب الظهور ، لأنه يقحمك إلى كشف المستور ، فبعض الشباب يخشى أن يُتهم بالعجز والقصور فتراه يعمل العمل بالليل حتى إذا طلع الصباح ، وجدت خبره بكل ساح ، أما علم هذا الهذَّاء ، أن معاول السمعة والرياء ، تهوي على العمل فإذا هو هباء " وقدِمنا إلى ما عملوا منْ عملٍ فجعلناهُ هباءً منثوراً " وهل نسي أن النار يوم القيامة تُسعَّر بعالمٍ وغنيٍ وشهيدٍ ما قصدوا بأعمالهم وجه الله .
إننا نريد جندياً يتسلح بالإخلاص قبل الرصاص ، اليقظة والحذر عدته ، وتقوى الله ذخيرته ، والسمع والطاعة سفينته ، وحفظ السر مهنته ، والأخذ بالأسباب شِرْعته ، ورضا الله غايته ، فمثل هذا لا يهدم بنيانه ، ولا يزول كيانه ، ولا يطمس عنوانه .
* ( الحرب خدعة ) كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فكن صاحب حيلة ، تحقق غايتك النبيلة ، وتنجز مهمتك الجليلة ، وتأمن من كل غدر وغيلة ، والعرب تقول : ( رُبَّ حيلةٍ أنفعُ من قبيلة .)
حفظكم الله من الردى ، وأقامكم على الاستقامة والهدى
وشرَّفكم بحراسة الحق على طول المدى