ثلاثة أعوامٍ هي حصيلة ذلك العمر منذ تزوجت "فاتن" (37 عامًا) من السبعيني "أبي محمد"، الذي انتقاها دون غيرها بعد وفاة زوجته الأولى بأشهر، كونها "عاقر"، وهذا هو ما اشترطه أبناؤه الستة عندما وافقوا على الفكرة، ربما حدّثوا أنفسهم فقالوا: "تخدمه بقية عمره، وفي المقابل لن يكون هناك أي خوفٍ من أن تنجب لنا أخًا أو أختًا يقاسماننا الميراث".
عاشت "فاتن" مع زوجها الثري بما يرضي الله سعيدةً بقسمته وقدره، حتى جاء ذلك اليوم الذي أصاب فيه الرجل مرضٌ عضال: اختل "السكر" في جسده، وصار على الرئتين ماء، وعندما أحس باقتراب الأجل جمع أولاده يومًا بعد أن طلب من زوجته زيارة أهلها، ففوجئت بعد عودتها مساءً بكلمة "طالق"، ليلفظ الرجل أنفاسه في الليلة نفسها وتغدو هي في عرف القانون "مطلقةً" لا ترِث، ما قول الشرع في هذا الطلاق؟، الإجابة لدى أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأقصى د. بسام العف:
بنقيض قصده
وقال د. العف: "شرعًا يطلق على هذا النوع من الطلاق اسم طلاق الفار، أي الهارب من توريث زوجته بتطليقها طلاقًا بائنًا بينونةً صغرى أو كبرى، وهو وسيلةٌ يعمد إليها بعض المرضى على فراش الموت لحصر الميراث في أبنائهم وحسب، وإن كانت المطلقة أمهم".
ويضع جمهور العلماء لهذه القضية تفصيلًا دقيقًا، فأصحاب المذاهب الثلاثة (الحنفية، والمالكية، والحنابلة) على أن يعامل المطلق بنقيض قصده، إذا تبين أن الزوج طلق زوجته "فرارًا من الميراث"، ومع القول بوقوع الطلاق.
وأضاف د.العف: "وهناك شروط لحصول طلاق المرأة طلاقَ فرار بإثبات أن المرأة ليست هي التي طلبت من زوجها الطلاق هذا أولًا، وثانيًا أن يكون الطلاق بائنًا "بينونةً صغرى أو كبرى"، وثالثًا ألا يصحّ من مرضه فيموت وهو على المرض نفسه".
ويقول الحنفية _تبعًا لإفادة د. العف_: "يبقى للزوجة ميراثها من زوجها إذا مات قبل انقضاء العدة، أما إذا مات بعد انتهائها فتحرم منه، وبهذا تكون عدتها أطول الأجلين (عدة الطلاق، وعدة الوفاة)"، ويرى مذهب الحنابلة أن الزوجة ترث من زوجها _إن مات_ ما لم تتزوج بغيره، معاملةً له بنقيض قصده، ويؤكد الإمام مالك أن المرأة ترث، إذا مات زوجها بعد انقضاء عدتها، وإن نكحت زوجًا آخر معاملةً له بنقيض قصده.
"يأتي ذلك في الوقت الذي ينفرد فيه الإمام الشافعي عن الجمهور بقوله: (إن الزوجة لا ترث كالمطلقة طلاقًا بائنًا في الصحة، وذلك لأن طلاقها تمّ قبل الموت، وبهذا زال سبب الميراث، إذ ترتبط الأحكام الشرعية بالأسباب الظاهرة لا بالنيات الخفية)" تابع د.العف، مبينًا أن القانون الفلسطيني لم يعالج هذه القضية وربما يأخذ بالقول الأخير لأن له بظواهر الأمور لا بواطنها، كون إثبات نية "طلاق الفرار" صعبًا.
واستشهد أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأقصى بحديثٍ للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) تحذيرًا لكل من يوسوس له شيطانه بأن يطلق زوجته وهو على فراش الموت مستحضرًا نية "الهروب من توريثها"، وفيه قال: "إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين سنة, ثم يحضرهما الموت, فيضاران في الوصية فتجب لهما النار".