قراءة سياسية لمشاريع تركيا الاقتصادية في غزّة د. عدنان أبو عامر


تم النشر 11 إبريل 2016


عدد المشاهدات: 1611


شهد قطاع غزّة منذ فرض الحصار الإسرائيليّ عليه عقب فوز "حماس" في الانتخابات التشريعيّة عام 2006، حراكاً إقليميّاً ودوليّاً ملحوظاً لتقديم الدعم إلى السكّان المحاصرين، ومنها مشاريع صحية، وبنية تحتية، وإعمار المنازل المهدمة، وبناء مدارس، وبدا لافتاً حضور تركيا في هذا المجال، ربّما بسبب العلاقات الجيّدة الّتي تربطها بحماس، مع أنّ هناك مشاريع تركيّة تقدّم أيضاً في الضفة الغربيّة، لعل أهمها مشروع منطقة جنين الصناعية شمال الضفة الغربية، التي توفر 15 ألف فرصة عمل.

آخر المشاريع التركيّة، ما أعلنته وزارة الأشغال في غزّة عن اّفاقها مع الحكومة التركيّة على بناء 320 وحدة سكنيّة لمتضرّري الحرب الإسرائيليّة على غزّة في صيف عام 2014، الّتي أسفرت عن هدم 12 ألف وحدة سكنيّة في شكل كليّ، و160 ألف وحدة سكنيّة مهدمة بشكل جزئيّ، منها 6600 غير صالحة للسكن .

نفّذت تركيا منذ عام 2006 العشرات من المشاريع الاقتصاديّة والتنمويّة والإنسانيّة في غزّة، ومن أبرزها توفير ملاجئ مؤقّتة لمن دمّرت منازلهم في حروب (إسرائيل) الأخيرة على غزّة في أعوام 2008، 2012، و2014، التي أسفرت جميعها عن هدم (إسرائيل) 4312 منزل بشكل كامل، ودمرت 25 ألف منزل بشكل جزئي، وتضرر عشرات المساجد والمقابر والمدارس والجامعات والمباني والمؤسسات والمكاتب الصحفية.

كما نفذت تركيا مشاريع إصلاح شبكات الكهرباء والآبار والمياه والصرف الصحيّ وإعادة إعمار دور العبادة والمراكز الثقافيّة والمواقع التراثيّة وإعادة تأهيل الطرق والجسور، وتعويض المزارعين عن خسائرهم. 

وأوصلت تركيا أطناناً من المساعدات الطبيّة، وعالجت الفلسطينيّين المصابين فيها، ومنحت طلاّب غزّة فرصاً دراسيّة للتّعليم العالي والدراسات العليا بجامعاتها، وتنظيم الأعراس الجماعيّة لآلاف الشباب محدودي الدخل، عبر مؤسّسات إغاثيّة تركيّة، ومنها: جمعية "ياردم إلي"، الهلال الأحمر التركيّ، وهيئة الإغاثة التركيّة.

تعتبر المشاريع التركيّة في غزّة ذات مكانة كبيرة لخدمة الاقتصاد الفلسطينيّ مع ما يعانيه الفلسطينيّون من حصار وإغلاق، وخدمت مجالاتها قطاعات واسعة من الفلسطينيّين، لا سيّما المقاولات، ووفّرت كثيراً من فرص العمل، مما يرفع مستوى الناتج المحليّ، ويقلّل معدّلات البطالة الّتي وصلت 43%، وهي النّسبة الأعلى في العالم. وبجانب الفوائد الاقتصاديّة لمشاريع تركيا في غزّة، فإنّها تبحث عن دور ملموس وتأثير سياسيّ في مجريات السياسة الفلسطينيّة.

من الصعب وضع رقم دقيق لفرص العمل التي وفرتها المشاريع التركية في غزة، لكن هذه المشاريع تعمل في غزة منذ قرابة العشر سنوات، وبحساب تقديري فإنها وفرت ما لا يقل عن 15 ألف فرصة عمل.

تدرك تركيا أنّ غزّة رغم صغر مساحتها الجغرافيّة المقدّرة بـ360 كم2، لكنّها ذات وزن في سياسات المنطقة، وتسعى تركيا بمشاريعها في غزّة لزيادة نفوذها السياسيّ بالساحة الفلسطينيّة، مع أنّها لا تقدّم أموالاً نقديّة لحماس، بل تنفّذ مشاريع اقتصاديّة للوصول إلى ما ترى أنه مرحلة عقلنة حماس واحتوائها، لتكون أكثر مرونة بمواقفها السياسيّة، كما أنّ تزايد مشاريعها الاقتصاديّة في غزّة ربما يزيد حسابات الربح والخسارة عند حماس قبيل الذهاب لمواجهة عسكريّة مع إسرائيل خشية التسبّب بتدمير المشاريع، ويصبح للحركة ما قد تخسره.

مع العلم أن المشاريع التركيّة في غزّة منذ ما يقرب عشر سنوات، متنوّعة في المجالات الصحيّة والبنية التحتيّة والتعليميّة والإسكانيّة، وينظر الفلسطينيون إلى الأتراك على أنهم كرماء معهم، وافتتحوا مكاتب دائمة لمؤسّساتهم الخيريّة في القطاع، وتعتبر المواقف السياسيّة لتركيا متزامنة مع دعمها الاقتصاديّ متقدّمة كثيراً على بعض المواقف العربيّة، ومع ذلك، فإنّ الأتراك بمشاريعهم الاقتصاديّة في غزّة لم يطلبوا من حماس مواقف سياسيّة بعينها، وإنّما كانت مساعداتهم إنسانيّة بحتة.

ويمكن القول بكثير من الثقة، إنّ الدول المانحة، ومنها تركيا، ليست جمعيّات خيريّة، بل قد تكون لها مصالح سياسيّة من مساعداتها الماليّة والإنسانيّة، ولذلك، فقد تكون لأموالها وظيفة سياسيّة تسبق وظيفتها الاقتصاديّة، رغم ما قد ينفيه الجانبان: التركيّ والفلسطينيّ، وهو ما يعني أن تزايد المشاريع التركيّة في غزّة، قد يمنح تركيا فرصة لأن تكون لاعباً رئيساً في الملف الفلسطينيّ بشكل جليّ، ويتّضح في تحرّكاتها تجاه حصار (إسرائيل) لغزّة، رغم أنّ مصر، الجارة الأقرب لغزّة، ترفض منح تركيا موطئ قدم لها في القطاع، وتخشى القاهرة أن تكون زيادة نفوذ أنقرة في غزة تهديداً لحدودها الشرقية مع القطاع.




- انشر الخبر -