السَّمتُ الصالح


تم النشر 09 إبريل 2016


عدد المشاهدات: 2118


السَّمت الصالح


الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إنَّ مما ينبغي على كل مسلم أيها الأفاضل أن يحرص أشد الحرص على التأسي بأهل الفضل و الصلاح من العلماء وغيرهم من أهل الخير الأتقياء الذين عرفوا بالتمسك بمنهج الأنبياء، يقول الملا علي قاري – رحمه الله- :"ينبغي للناس الاقتداء بأهل الفضل والصلاح في جميع أحوالهم ، في هيئتهم وتواضعهم للخلق ورحمتهم وإنصافهم من أنفسهم ، وفي مأكلهم ومشربهم واقتصادهم في أمورهم تبركاً بذلك" . عمدة القاري (22 /154)
ومما عُرف به هؤلاء الأخيار عبر التاريخ وفي سائر الأمصار أنهم يتصفون بكل ما فيه مدح وفضيلة ويبتعدون عن كل ما فيه قدح ورذيلة ، لأنهم يعلمون أن حُسن أدب المسلم هو من أسباب سعادته، وسوء خلقه من علامات شقاوته، يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- :" وأدب المرء : عنوان سعادته وفلاحه وقلة أدبه : عنوان شقاوته وبواره ". مدارج السالكين (2/390)
ومن الصفات الجميلة والأخلاق الحميدة التي يتحلى بها هؤلاء الأعلام أيها الأحبة الكرام السَّمت الصالح ، يقول القاضي عياض – رحمه الله- : "بفتح السين هو حسن الهيئة والمنظر في الدين والخير لا في الجمال والملبس، والسَّمت أيضا القصد والطريق والجهة ". مشارق الأنوار ( 2/ 220)
ولا غرابة في ذلك ولا عجب لأن هؤلاء الكرام يقتدون بهدي أنبياء العزيز العلام عليهم الصلاة والسلام، فعن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما- أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إِنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ، وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ، وَالِاقْتِصَادَ، جُزْءٌ من خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا من النُّبُوَّةِ ". رواه أبو داود ( 4776) وحسنه الشيخ الألباني – رحمه الله-.
يقول العظيم آبادي – رحمه الله- :"( إِنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة أي الطريقة الصالحة (وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ) بفتح السين المهملة وسكون الميم، هو حسن الهيئة والمنظر وأصله الطريق المنقاد....(وَالِاقْتِصَادَ) أي سلوك القصد في الأمور القولية والفعلية والدخول فيها برفق على سبيل يمكن الدوام عليه (جُزْءٌ من خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا من النُّبُوَّةِ) أي:إن هذه الخصال منحها الله تعالى أنبياءه فاقتدوا بهم فيها وتابعوهم عليها، وليس معنى الحديث أن النبوة تتجزأ، أو أن من جمع هذه الخصال كان فيه جزء من النبوة، فإن النبوة غير مكتسبة بالأسباب،وإنما هي كرامة من الله تعالى لمن أراد إكرامه بها من عباده، وقد ختمت بمحمد صلى الله عليه وسلم".عون المعبود ( 13/ 94)
ويقول الإمام ابن حبان – رحمه الله- :"والواجب على العاقل أن يكون حسن السمت طويل الصمت فإن ذلك من أخلاق الأنبياء كما أن سوء السمت وترك الصمت من شيم الأشقياء ". روضة العقلاء ( ص25)
لذا فإنَّ الحرص على الاتصاف بهذا الخلق الكريم والأدب القويم دون تكلف ولا تنطعٍ من الأمور المستحبة والمطلوبة في الشرع وبين الناس، يقول الإمام ابن مفلح – رحمه الله- :"ويُسن أن يُتعلم الأدب والسمت والفضل والحياء وحُسن السيرة شرعا وعرفا ". الآداب الشرعية (1/445)
وهو مما ينبغي أن يكون عليه كل مسلم لأن هذا من سماته وصفاته ، يقول الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله- :"لقد تواردت موجبات الشرع على أن التحلي بمحاسن الأدب، ومكارم الأخلاق والهدي الحسن، والسَّمت الصالح: سمة أهل الإسلام". حلية طالب العلم ( ص5)
وهو كذلك من العلامات التي تميزه عن الأشرار من الفُساق وأهل النفاق، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال :"خَصْلَتَانِ لَا تَجْتَمِعَانِ في مُنَافِقٍ: حُسْنُ سَمْتٍ، ولا فِقْهٌ في الدِّينِ".رواه الترمذي (2684)، وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله-.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- :" حسن السمت صلاح الظاهر الذي يكون عن صلاح القلب، والفقه في الدين يتضمن معرفة الدين ومحبته، وذلك ينافي النفاق ". جامع المسائل (1/130)
ويقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- :" حسن السمت وَالْفِقْه فِي الدّين من أخص عَلَامَات الإيمان وَلنْ يجمعهما الله فِي مُنَافِق فان النِّفَاق ينافيهما وينافيانه ". مفتاح دار السعادة (1/75)
فعلى المسلم إذا أن يسأل أولا العزيز الحكيم أن يرزقه التحلي بهذا الأدب الكريم، ثم يُجاهد نفسه على الاتصاف بهذا الخُلق القويم، ومن ذلك أن يحرص على مجالسة ومصاحبة من عُرف بالتخلق به من الصالحين وهذا كان هدي من سبقنا من المتقين الأولين ، يقول الإمام محمد بن سرين – رحمه الله- :"كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم". الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (9)
ويقول الإمام ابن الجوزي – رحمه الله- :"وقد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر إلى سمته وهديه. لا لاقتباس علمه.
وذلك أن ثمرة علمه هديه وسمته، فافهم هذا وامزج طلب الفقه والحديث بمطالعة سير السلف والزهاد في الدنيا ليكون سبباً لرقة قلبك ". صيد الخاطر (ص 71)
ويؤيد ما ذكره هؤلاء الأئمة الأعلام أيها الأحبة الكرام ما جاء عن إسماعيل بن محمد البغدادي- رحمه الله- [ت:261- 270- هـ] حيث قال: " كان يجتمع في مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف أو يزيدون، نحو خمسمائة يكتبون، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب و السَّمت ". سير أعلام النبلاء ( 11 /316)
وإنَّ أولى من ينبغي عليهم أن يحرصوا على التحلي بهذا الخلق النبيل والأدب الجميل هم طلبة العلم وحملة الشريعة ،لأن من يفوق الناس في العلم الأجدر به أن يتقدمهم ويكون أفضل منهم في العمل ،يقول الإمام الحسن البصري-رحمه الله- :" الذي يفوق الناس في العلم جدير أن يفوقهم في العمل". جامع بيان العلم وفضله (2/10)
ويقول الإمام مالك – رحمه الله- :"إن حقا على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية، وأن يكون متبعا لأثر من مضى قبله ".حلية الأولياء ( 6 / 324)
ويقول الخطيب البغدادي – رحمه الله-:"والواجب أن يكون طلبة الحديث أكمل الناس أدبًا، وأشدَّ الخلق تواضعا، وأعظمهم نزاهةً وتدينًا، وأقلهم طيشًا وغضبًا، لدوام قرع أسماعهم بالأخبار المشتملة على محاسن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وآدابه وسيرة السلف الأخيار من أهل بيته وأصحابه، وطرائق المحدثين ومآثر الماضين، فيأخذوا بأجملها وأحسنها ويَصدفوا عن أرذلها وأدونها ".الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/ 78)
فعلينا جميعا أيها الأحباب أن نبذل ما يُعيننا على تحقيق هذا الخلق الكريم وغيره من الآداب، بأن نسأله أولا من العزيز الوهاب، ثم نجتهد في تحقيق ما يُيسره من أسباب مع الحذر من التكلف والتنطع المذموم لأن هذا هو طريق الفضلاء ومنهج العقلاء النبلاء ، يقول الإمام ابن حبان – رحمه الله- :"إن من شِيم العاقل الحلم والصمت والوقار والسكينة والوفاء والبذل والحكمة والعلم والورع والعدل والقوة ، والحزم والكياسة والتمييز والسمت والتواضع والعفو والإغضاء والتعفف والإحسان". روضة العقلاء ( ص123)
وهو من أسباب النجاح و الفلاح في الدارين وأيضا من وسائل كسب محبة و احترام الآخرين ، يقول الإمام ابن القيم- رحمه الله-:"فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانها بمثل قلة الأدب ". مدارج السالكين (2/390)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يُوفقنا وإياكم لكل ما فيه فضل وخير و من ذلك التحلي بالسَّمت الصالح،وأن يُجنبنا كل ما فيه فتنة وشر، فهو سبحانه ولي ذلك والعزيز المقتدر.
 

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



- انشر الخبر -