حفظ الفروج بالأركان درب الولوج للإيمان والعروج لِلْجِنان د. يونس الأسطل


تم النشر 05 إبريل 2016


عدد المشاهدات: 2069


حفظ الفروج بالأركان

درب الولوج للإيمان والعروج لِلْجِنان

(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)

 [النور: 30]

إن الصوم قائم ابتداءً على الإمساك عن شهوتي البطون والفروج، وقد رأيتُ أن أجعل هذا المقال وقفاً على الثانية منها ..

رسالة الآية:

إن الله جل وعلا يأمر نبيَّه r في هذه الآية أن يأمر المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم، وأن يحفظوا فروجهم، معللاً ذلك بأنه أزكى لنفوسهم، يُذْهِبُ الله به الرجس عنهم، ويطهرهم تطهيرًا، ويختم الآية بالتأكيد لعلم الله بما يصنعون من الغَضِّ أو التلصص بالإبصار، ومن الحفظ للأبضاع أو التوحل بها في دنس الفاحشة، والمقصود هنا لَازِمُ العلم والخبرة، وهو أن يجزي الذين أساؤوا بما عملوا، وأن يجزي الذين أحسنوا بالحسنى، وهذا فيه من التخويف والإنذار ما فيه.

وقد دخل النساء في هذا النص، غير أنه أفردهن بمثله في الآية التالية لها؛ تأكيدًا عليه في حقهن.

فائدة:

ويشدُّ الانتباه ابتداءً أن الغضَّ المطلوب مقيد بحرف الجر (من) التي تفيد التبعيض، بينما لم يقيد بها حفظ الفروج، وهذا يعني أن الأصل في الإبصار الحِلَّ والإباحة، إلا ما ورد الدليل بوجوب إطباق الجفنين عنه، أو الانصراف عن التحديق فيه؛ لأن المنهي عنه هو بعض مواطن الإبصار دون غيرها، بينما الأصل في الفروج التحريم إلا ما ورد الدليل باستثنائه من الأزواج وملك اليمين، وحيث قد انتفى ملك اليمين في واقعنا، فقد انحصر قضاء الوَطَرِ في النكاح الشرعي وحده، فَمَنِ ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون.

من أسرار أركان الإسلام:

هذا، وقد أَمَرَنا جل جلاله بالصوم لِحِكَمٍ كثيرة ومنها: أن نستعين به على هذا التكليف؛ فإن الصوم وِجَاءٌ من تفلت البصر، أو تورط النفس في باطن الإثم، كما جاء في حديث الذي لا يستطيع الباءة، ولا يجد طَوْلاً أن ينكح المحصنات المؤمنات، فقد نصحه النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعفف بالصوم، فإنه له وِجَاءٌ وسياج([1]).

ومن عجبٍ أن تكون بقية أركان الإسلام قد شُرعت لهذا المقصد إلى جانب مآرب أخرى؛ فالشهادتان والإيمان بالله هو الذي دفع سيدنا يوسف u أن يقول لامرأة العزيز وهي تراوده عن نفسه، حين شغفها حُبًّا: "معاذَ اللهِ ([2]) !!

ثم أعلن في ضراعته إلى الله أن يصرف عنه كيدها وكيد صويحباتها: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: 33، 34]

فإذا جئنا للصلاة وجدناها تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما نطقت بذلك سورة العنكبوت([3])، ولا شك أن الزنى هو أصل الفحشاء، وساء سبيلاً.

وأما الزكاة فقد أمر الله جل وعلا نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم والأئمة من بعده أن يأخذوا مِمَّنْ خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئًا صدقةً يطهرهم ويزكيهم بها، فالطهارة مما تَلَبَّسوا به من قبل، والتزكية – وهي أسمى درجات التربية – للحصانة من أن يواقعوها ثانية.

وأما الحج فلا رَفَثَ ولا فسوق، ولا جدال فيه، ويندرج في الرَّفَثِ النكاح ودواعيه؛ إذْ لا يجوز للمُحْرِمِ أن يتلهى عن المناسك بكل ما يَمُتُّ إلى الزواج بِصِلَةٍ، وهو آكد من الصوم في المنع من دواعي الغريزة.

لذلك فقد أراد ربنا الرحمن المستعان أن يَدُلَّنَا على ما به حفظ الفروج، فكان الأمر بالصوم، وبالبقية من أركان الإسلام؛ لعلنا بذلك نكون من المؤمنين المفلحين الذين يرثون الفردوس، هم فيها خالدون، ويكونوا في جناتٍ مكرمين، ومما يشهد بهذا قوله تعالى في سورة الأحزاب: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]

وعليه:

تعلم أيها القارئ الكريم أنه لم يكن أمرًا عفويًا أن يعطف ربنا جل جلاله حفظ الفروج على الصيام، لولا أن المتقدم سبيلٌ للمتأخر، وعونٌ عليه، وقد زاد المغفرة هنا قبل الأجر العظيم، وهو الجنة؛ لأنَّ التَّخْلِيةَ تَسبِقُ التحلية كما هو مقررٌ عند أهل العلم !

فإذا امتثل المؤمنون ذلك التكليف، فَغَضُّوا من أبصارهم، وحفظوا فروجهم، واستعانوا على ذلك بالأركان، وبغيرها من الوسائل المرضية للرحمن، فقد تحققوا بأهم صفات المؤمنين، وهو أنهم يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم([4])، فإنكم إن تجتنبوا كبائر ما تُنْهَوْنَ عنه يُكَفِّرِ الله عنكم سيئاتكم، ويدخلكم مدخلاً كريمًا، فقد حَرَّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وهو ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يَعِظُم لعلكم تَذَكَّرون.

نماذج قرآنية فاخرة:

وقد عرض القرآن نماذج للمُخْلَصين المُحْصَنين؛ ولقد كان لكم فيهم أسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر.

إن أول هؤلاء سيدنا يوسف عليه السلام ، وقد لبث بسبب عِفَّتِهِ في السجن بضع سنين، حين بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين، فكان بحقٍ أميرَ أهل العفاف في القرآن !!

 

ثم امتدح ربنا الرحمن مريمَ ابنةَ عمران بأنها أحصنت فرجها، فنفخ فيه من روحه، وجعلها وابنها آيةً للعالمين، فقد صَدَّقَتْ بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين.

 

ثم عرض لقصة الإفك، تلك التي أبرزتْ براءة أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وقد جَهِدَ المنافقون أن يلصقوا بها مَعَرَّةَ الفاحشة، فتوعدهم ربهم، لا سيما الذي تولى كِبْرَهُ منهم، بعذابٍ أليم، ثم أثنى على السيدة عائشة رضي الله عنها  بأنها من المحصنات الغافلات المؤمنات، وأنها من الطيبات، وقد اختارها زوجةً لنبيه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه من الطيبين، وقد جرت سنته جل وعلا أن يهدي الطيباتِ للطيبين، والطيبين للطيبات، كما أن الخبيثاتِ الخبيثين، والخبيثين للخبيثات، فالزاني لا ينكح إلا زانيةً أو مشركةً، والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك !!

ونماذج أخرى فاجرة:

وفي الاتجاه المعاكس فقد عرض القرآن الكريم نماذج للداعرين الدَّنِسِين، فإذا في مقدمتهم قوم لوط الذين أَتَوُا الذكران من العالمين، وَوَذَرُوا ما خلق لهم ربهم من أزواجهم، فكانوا بذلك قد أتوا الفاحشة التي ما سبقهم بها من أحدٍ من العالمين، فلما قَلَبُوا فطرةَ الله التي فطر الناس عليها، وهي لا تكاد توجد في عالم الدواب كان جزاؤهم أن يَقْلِبَ قُراهم عاليَها سافلَها، وأن يمطر عليها حجارة من سجيل منضود.

 

ثم حدثنا عن قريش التي شرعتْ من الدين ما لم يأذن به الله؛ إذ زعموا أنه لا يجوز لأحدٍ أن يطوف في ثيابٍ عصى الله فيها، لذلك فقد جعلوا يطوفون بالبيت عرايا، كما ولدتهم أمهاتهم رجالاً ونساءً، ويقولون هذا من عند الله، والله أَمَرَنا به، ونسوا أن الشيطان هو الذي ينزع عنهما لباسهما لِيُرِيَهما سوءاتهما، وقد جاء عَرْضُ هذا في سورة الأعراف: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 28]

 

ولعل الأسوأ منهم هم بنو إسرائيل، فقد كانتْ أول فتنتهم في النساء، ولم تنتهِ بسفك دماء الأنبياء، بل كان العدوان على ذات الله سبحانه؛ إذْ زعموا أن يَدَ الله مغلولة، وأنه سبحانه فقير وهم أغنياء، ثم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، وزعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه.

سؤالٌ وإجابة:

وإذا تساءلتم عن السبب في أن هؤلاء قد ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنْعاً، كان الجواب: إن شياطين الجن والإنس هم الذين زَيَّنوا لهم سوء أعمالهم، فرأوها حسنةً، فَصُدُّوا بذلك عن السبيل، وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون.

أما شيطان الجن فإنما يأمركم بالسوء والفحشاء، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون، فهو الذي يَعِدُكُمُ الفقر، ويأمركم بالفحشاء، كما أن مَنْ يتبعْ خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر.

وأما شياطين الإنس فهم الذين يشترون الضلالة، ويريدون أن تضلوا السبيل، فقد وَدُّوا لو تكفرون كما كفروا، فتكونون سواءً، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيمًا، وإن أطعمتموهم إنكم لمشركون أو فاسقون، ولسوف تقولون يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 67، 68]، وسيقال لكم: {لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 38]، )، فإن لم يكونوا من السادة والكبراء؛ بل كانوا من الأصدقاء، فستكون أمانيكم: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 28، 29]

الشهوة خافضةٌ رافعة:

إن الغريزةَ الجنسيةَ لا زالت تجلب الوبال على أهلها ما لم يكونوا قد هَذَّبوها بالوقوف بها دون حدود الله جل حلاله، فلم يقربوها ([5])..

فقد أقدم ابنُ آدم الأول على قَتْلِ أخيه حسدًا من عند نفسه أنْ كانت مخطوبته وضيئة، فأراد أن يظفر بها، فَأَرْداهُ قتيلاً، فأصبح من الخاسرين.

ثم كان رأس سيدنا يحيى بن زكريا عليهما السلام ثمنًا لرضا بَغِيٍّ، كما في بعض الروايات.

ولا زال الصهاينة المحتلون يتكئون على المرأة في تجنيد العملاء، وإسقاط الزعامات؛ بل إنهم ليصنعونهم صناعةً منذ المراهقة، فيما يعرف بدورات إعداد القادة المغلقة، حيث الاختلاطُ والسفور، والاحتكاك بين الجنسين بعيدًا عن الأعين، مع إعداد الملفات الخاصة بِتِلْكَ الموبقات، ومن كان أكثر انغماسًا في الدَّنَسِ كان الأحظَّ بالألقاب، والمواقع القيادية؛ فإنه عندئذٍ يكون منقادًا لإملاءات اليهود والنصارى؛ رَتْعًا في الدنيا، وحذرًا من الافتضاح.

ومن عجبٍ أن وكالة الغوث في غزة تتأهب لاصطحاب الغلمان والصبايا في رحلة لإحدى العواصم الأوروبية؛ تحقيقًا لهذا الغرض الخبيث، فينبغي للحكومة أن تقوم بواجبها في الأخذ على أيديهم، حتى لا يكون بيننا من يتطلع للتطبيع مع الاحتلال في يوم من الأيام.

والله خير حافظًا، وهو أرحم الراحمين

 


([1]) صحيح البخاري، كتاب الصوم، رقم الباب: (10)، رقم الحديث: (1905).

     ونص الحديث: قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه  كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: "من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".

([2]) انظر: سورة يوسف، الآية (23).

([3]) انظر: سورة العنكبوت، الآية (45).

([4]) عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال: "إن الله تعالى كتب على أبن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنَّفْس تمنّى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه"

     وقال أبو صالح: لقد سُئلت عنها فقلت: هو الرجل يصيب الذنب ثم يتوب، وأخبرت بذلك ابن عباس فقال: لقد أعانك عليها ملكٌ كريم!! وكذا قال مجاهد. وهناك أقوالٌ أخرى.

انظر: تفسير ابن كثير (7/461).

([5]) قال سيد قطب: إن الشهوة جزءٌ من حياة الإنسان، لا يختلف عليها اثنان، لكن الشريعة منحتك فطرةً تضعُ الشَّهوةَ في مَكَانٍ لا تَتَعَدَّاه، بل تَجعَلُهَا وَسِيلَةً تَرْبِطُكَ بِالمَلأ الأعلى وَرِضْوانٍ مِنَ الله، بعد أَخذ القَدْر اللازم منها من غير إِغْرَاقٍ، ولا استغراق.

وقال محمد راتب النابلسي: وميزان ذلك أن يرتقي بها الأعزب إلى ربه صابرًا، ويرتقي المتزوج صابرًا شاكرًا ..




- انشر الخبر -