من المسئول عن تسليع التعليم في غزة
بقلم د.سامي عكيلة
انتشرت في قطاع غزة ظاهرة ظهور الكليات والجامعات والمدارس الخاصة التي تهدف إلى الربح بالدرجة الأولى, ولا يهمها الكيفية التي يتخرج طلبة هذه الجامعات ولا المجالات التي يستفيدون منها ، تناول هذه الظاهرة الأستاذ سامي عكيلة بشيء من الدراسة وأخرج لنا التقرير التالى وفي نهاية تقريره كتب بعض التوصيات التي يجب على المسئولين أخذها في الحسبان ونضع بين أيديكم مقالته الموسومة بـ " من المسئول عن تسليع التعليم" نترككم مع الكاتب
يتطلع الفلسطينيون عمومًا، وأهالي قطاع غزة خصوصًا، إلى التعليم على أنه طوقُ النجاة لهم من طوفان الفقر، وسُلَّم الهُروب من نيران العَوز؛ لذا فلا غرابةَ في أن الأمَّ الفلسطينية لا تتردد في بيعِ حُلي عرسها، من أجل تعليم أبنائها، ولقد سمعنا كثيرًا عن بيع أراضٍ زراعية، وبيوت، ومقتنيات .. إلخ، لسوادِ عيونِ التعليمِ الجامعي؛ لكن هل فعلًا ما زال التعليم كما يعتقد الفقراء والمسحوقون؟! أم أنه بات حليفًا للمأساة ضدهم، ومعبرًا نحو ألوان جديدة من المعاناة؟!
غياب المسؤولية الاجتماعية
لقد جرفت بعضُ مؤسسات التعليم الجامعي، القصورَ التي بناها الأهالي على شاطئ الأمل، فبعض تلك المؤسسات، تتسبّبُ بشكلٍ مباشرٍ في تفشي البطالة في قطاع غزة، حيث إنها تقنعُ الشباب ببرامج فاشلة من الناحية العملية، وتعمل على تخريج مئات الشباب كل عام من تلك البرامج، وهي تعلم في قرارة نفسها، أنها فاقدة الصلاحية في سوق العمل المحلي، ومع ذلك فهي مستمرةٌ في ضخِّ المزيد إلى السوق، لاعتبارات وأجندات خاصة بها، دون أدنى مسؤولية اجتماعية، أو أخلاقية، أو وطنية.
ومن ناحية البرامج الأخرى، الأكثر حظًا في سوق العمل، فإن بعض تلك المؤسسات يقدمها بشكل تقليدي، لا يرتقي لمتطلبات السوق من الناحية المعرفية والمهارية، وتعتمد لأجلها أساليب تعليمية مهترئة، ولا تستخدم الحد الأدنى من معايير الجودة المتعلقة بالإمكانات الفنية والعلمية، فضلًا عن عدم كفاية، وكفاءة بعض الأكاديميين في تلك المؤسسات لتأهيل الطلبة، واعتمادهم على العمليات العقلية الدنيا، والملازم المكررة، والتلقين المباشر في تعليم الطلبة.
تسليع التعليم
لقد انتبه لذلك القطاع بعضُ المستثمرين، وأصحاب رؤوس الأموال، باعتباره قطاعًا مربحًا، نتيجة التوجه العام لأبناء القطاع نحو التعليم، كما أسلفت، فراحوا يوظّفون أموالهم في مشاريع جامعات، وكليات متوسطة.
وتشهد المنظومة المحلية حالةً من الفوضى في ترخيص المؤسسات التعليمية، والبرامج الأكاديمية، التي فاقت حاجة القطاع، الأمر الذي أدَّى إلى «تسليع التعليم»، و«تشييء الشهادات»، على حساب الجودة، كما هبط الخطابُ التسويقي لتلك المؤسسات والبرامج لدرجات لا يمكن تصورها، مثل الإعلان في إحدى الجامعات عن سحوبات وجوائز على بطاقات المسجّلين الجدد.
ووفق إحصائيات الأعوام الثلاثة الأخيرة (2013، 2014، 2015)، فإن متوسط عدد الناجحين في الثانوية العامة بقطاع غزة يقارب 24 ألف طالب/ة، وفي المقابل وصل عدد مؤسسات التعليم الجامعي حسب دراسة أجريت عام 2015م إلى ما يقارب نحو 40 مؤسسة وفرعًا، وهو ما يعني أن حصة كل مؤسسة (فرع) تعليم جامعي لا تزيد عن 2,5% فقط من إجمالي عدد الطلبة، في حال أن جميع الطلبة لديهم توجه للتعليم الجامعي.
إن بعض تلك المؤسسات الأكاديمية، تحوَّلت إلى وسيلة استثمارية، لا همّ لها سوى جمع المال، وذلك على حساب المخرجات، وبعضها يُمارس دور توزيع الألقاب، والشهادات العليا على قطاع عريض من أبناء المجتمع، دون مراعاة لاستحقاقات، ومتطلبات تلك الألقاء والشهادات.
وبالعودة إلى لوائح الترخيص المعلنة من قبل الجهات الرسمية، تجد أن بعض تلك المؤسسات لا تنطبق عليه تلك اللوائح أو بعض ما جاء فيها، ولا يوجد ما يؤكد جدوى ومدى حاجة السوق المحلي لتلك المؤسسات من الأصل.
العقبات الكؤود
أضف إلى ذلك فإن التعليم الجامعي في قطاع غزة، كجزء من منظومة التعليم، يواجه العديد من العقبات الكؤود – في البيئة الخارجية – أمام تحقيق أهدافه، ويتمثل أهمها في:
- الحصار الإسرائيلي الذي أعاق حركة التبادل الأكاديمي والمعرفي مع الخارج، مثل المشاركة بالمؤتمرات العلمية الخارجية، وامكانية مشاركة أكاديميين من الخارج في مؤتمرات محلية، وكذلك إمكانية تطوير مختبرات ومبانٍ متخصصة، جرّاء منع دخول العديد من المعدات والتجهيزات والمواد، بالإضافة لأزمة الكهرباء والوقود.
- الانقسام الفلسطيني، الذي أوقع الجامعات، والأكاديميين، والباحثين، والطلبة، في مستنقع المناكفات السياسية بين أطراف الانقسام، الأمر الذي أدى إلى جعل الجامعات واحدة من أوراق الانقسام، ومن آثار ذلك على سبيل المثال، وليس الحصر، عدم تحويل وزارة التعليم العالي المخصصات المالية لبعض الجامعات بغزة، وأزمة جامعة الأقصى بغزة، وانقسام النقابات الجامعية.
- تغول الأحزاب والفصائل الفلسطينية على الجامعات، وسيطرتها الإدارية، والسياسية عليها، الأمر الذي سلب من الثانية إرادتها، وديناميكيتها، وقدرتها على التغيير.
إجراءات حل
ولكي تربأ تلك المؤسسات بنفسها عن التورط في تفاقم أزمة البطالة، وتسليع التعليم، ومن ثم ترتقي بنفسها إلى دورها المنوط بها للمساهمة بالحل، والتخفيف من معاناة الناس؛ فهناك العديد من الإجراءات الواجب اتباعها ابتداءً:
- إعادة النظر في آليات تنفيذ اللوائح الضابطة لترخيص وعمل تلك المؤسسات، وتوسيع وإصلاح منظومة الرقابة عليها، وتفعيل الدور التشريعي لدعم وتنظيم القطاع الجامعي.
- تحييد المؤسسات الجامعية عن المناكفات السياسية.
- إخراج المؤسسات الجامعية من تحت عباءة الأحزاب والفصائل.
- تطبيق نظريات وإستراتيجيات التعلم الفعال، وما وراء المعرفة، ومعايير الجودة الأكاديمية الدولية في صياغة البرامج في المؤسسات الجامعية.
- المواءمة بين متطلبات سوق العمل، وبين البرامج المطروحة في المؤسسات الجامعية.
- توحيد العمل النقابي الجامعي، والنأي به عن الضغوط الحزبية، وتوجيهه نحو تطوير الواقع الجامعي، والدفاع عن حقوق العاملين في تلك المؤسسات.
- الضغط على المؤسسات الدولية الحقوقية، لمناصرة الجامعات في قطاع غزة، وتسهيل دخول وخروج الأفراد، والاحتياجات المادية، والفنية التابعة لها، وحمايتها وقت الحروب من الاستهداف، على اعتبار أنها مؤسسات مدنية ذات حصانة في القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، ومعاهدات جنيف، والاتفاقيات ذات الصلة.